العلم والتعميم

مشاهدات



عائشة السلطان


في عصر العلم وثورة المعلومات وانفجار تقنيات الاتصال والتواصل الذي نعيش في عمقه ونخطط حياتنا ومستقبلنا وفق اقتصاداته وشروطه يبدو من الغريب وغير المقبول أن نتحدث عن ظواهر تملأ حياتنا وتعرقلنا أحياناً وفق استنتاجات وأحكام  دون الاستناد إلى دليل إحصائي أو رقمي نستند إليه ليدعم أحكامنا أو يؤكد معلوماتنا . 

 

وهذا من التراخي ربما أو اللامبالاة لا أكثر.فقد اهتم العرب من أزمنة تألقهم الأولى بالملاحظة والمقارنة ومراقبة الحالات والظواهر الطارئة في المناخ وحركة الأجرام السماوية والرياح وغيرها وتأثيرات كل ذلك في نشاط الناس وأمزجتهم وإنتاجيتهم وسلوكياتهم ولقد استفادوا لاحقاً من مناهج الفلسفة التي ترجموها عن اليونان والإغريق في ما يخص منهج الاستدلال والاستقراء في دراسة الظواهر تاركين الأحكام العشوائية جانباً . فيما بعد ظهر من بين المسلمين أنفسهم مَنْ أسس لمناهج ونظريات وفلسفات فربط ابن خلدون مثلاً كما قرأنا في مقدمته بين المناخ وأخلاق البشر وأعطى أمثلة من حياة الكثير من الشعوب والدول والأمصار ما يؤكد على أن المناخ المعتدل أو الذي يميل للحرارة، يمكنه أن يجعل سكان بلد معين يميلون للطرب والتواكل أو الكسل مثلاً بينما نجد سلوكيات الناس في الدول والمدن ذات المناخ الشديد البرودة يجتهدون في العمل ويميلون للادخار بسبب الجو البارد .

 

إن الصقيع يدفع الناس للبقاء في مساكنهم طيلة أشهر الشتاء الطويل فيلجؤون لتأليف الحكايات ونسج الأساطير كما في روسيا مثلاً التي يتسبب المناخ القاسي فيها إلى التزام الناس بيوتهم لمدة تزيد على الستة أشهر لا يفعلون فيها شيئاً سوى تأليف وسرد القصص بحسب الدكتور سامي الدروبي في مقدمته لكتاب أنطون تشيخوف (قصص ومسرحيات) ! إن استنتاجات ابن خلدون والمسعودي قابلة للمراجعة والبحث وإعادة التقييم وفق أسس وقواعد العلم الحالية ومع ذلك فإننا اليوم نتحدث عن ظواهر ثقافية وعادات وسلوكيات نعتمد في تحليلنا لها على الميول الشخصية والأهواء والأحكام المبنية على غير أساس من علم أو منطق كأحكام بعض العرب حول مستوى الثقافة والتحضر عند أهل الخليج واستنتاجاتنا المتسرعة عن ظاهرة القراءة بين الشباب و… إلخ . 


المصدر : وكالات

تعليقات

أحدث أقدم