د. كيتي وتد
لقد كشف مونديال قطر عن المجاعة المعنوية النفسية لدى العرب والمسلمين في مستويات عديدة منها الأساسية جدا وهي لفت الانتباه والاعتراف : نحن هنا لنا حضور لنا هوية انتبهوا لنا ! ومنها النفسية والمعنوية كالمفاخرة بالدين والقيم واللغة والثقافة. بينما كانت الكرة تجري بالملاعب ويلهث حولها الشباب كانت الشعوب العربية تلهث وتصرخ بملأ حناجرها : نحن المسلمين ديننا جميل نحن المسلمين لا نرضى بالشذوذ نحن المسلمين نحترم الأسرة والأهل وللأم مكانة خاصة وعالية لدينا نحن المسلمين لدينا قضية واحدة وهي فلسطين نحن المسلمين لدينا حدود حمراء لا نتنازل عنها وان كنا الأكرم في حسن الضيافة نحن المسلمين كرماء ولطفاء ومسالمين .
كانت فرصة للتعريف والتذكير والتباهي والتظاهر ولم تضع هذه الفرصة وهذا أجمل ما حدث في مونديال قطر المميز . وقد استفز هذا العرض الثقافي للعرب والمسلمين الكثيرين من المتكبرين الأجانب الذين اعتادوا وضع قوانين اللعبة، والسيادة والسيطرة والقيادة . وإذا هم يجدون أنفسهم مضطرين للخضوع لقوانين مختلفة ولقيم متناقضة عن قيمهم وعليهم السمع والطاعة فكان نصر العرب بإخضاع الغرب ولو لمدة شهر "فيربوهم" على طريقتهم : التربية السليمة التي بها هذا مسموح وهذا ممنوع وهذا حلال وهذا حرام والغرب المدلل اضطر للخنوع بعد ان نسي لعقود طويلة ما معنى حدود وقيم ! وانتهى المونديال بانتصار العرب والمسلمين فقد رفعوا رايتهم وزينوا الحدث الأضخم بقيمهم وهم هم من وضع الأجندة وخطط وأدار وقرر وبهذا قدمت قطر وليمة دسمة لمئات الملايين من المسلمين الجائعين منذ عقود لطعم السيادة والمباهاة والنصر المعنوي. لم يكن مونديال كرة قدم بل كان حفل ولائم استمر شهر وُزعت بها الوجبات الساخنة اللذيذة لكل مقهور ومظلوم ومحروم وجائع للفوز والانتصار! والآن يطرح نفسه السؤال وماذا بعد قطر؟ أكلنا وامتلأنا وشبعنا وشحنا قلوبنا وعقولنا بطاقات نصر كبيرة والسؤال كيف سنحافظ عليها ونستغلها كقاعدة مطاطية نقفز من خلالها للقمم ؟ هل سننتظر مونديال قطري اخر لنعود في الصدارة ؟ أم سنصنع نصرنا كل في موندياله الشخصي؟ ماذا تعلمنا وماذا كسبنا وماذا أضاف الينا مونديال قطر لنقول بحق انه غير وأثر وكان نقطة انطلاقه ؟
من المونديال في الملاعب القطرية الى المونديال في الملاعب الأسرية .
كل اسرة هي ملعب وبهذا الملعب هناك المدربين والقادة وهناك اللاعبين وان ارادنا الوصول للمونديال الكبير ولاي نجاح عظيم باي مجال من مجالات الحياة لنتميز ونتفوق فعلينا ان نحسن التربية في الملعب الاسري . من مونديال قطر تعلمنا أن التمسك بديننا وقيمنا وهويتنا ولغتنا هو الأهم والأجمل! اذا هيا ايتها الام وهيا أيها الاب هيا يا قادة البيت علموا الأبناء طيب الاخلاق وطيب القيم وكونوا قدوات للأولاد ! هيا تمسكوا أنتم وهم بلغتكم وكونوا سفراء دينكم في المولات والمدارس والجامعات وأماكن العمل وامام الوزارات والخدمات الحكومية فكونوا الأصدق والاجمل ! هيا نتفاخر بحدودنا فنعلم أولادنا حدود الله وطيب الكلام وحسن المعاملة فنحسن التعامل مع بعض دون نفاق ومكر ومغيبة ! هيا نعلم أولادنا قيمة الإنجاز والعمل الجاد واحترام الوقت للوصول للقمم والتميز! لا يوجد انجاز دون إدارة وقت سليمة فالحكم سيعلن انتهاء المباراة وعلينا ان ندرك إدارة اولوياتنا واهدافنا ووقتنا والمصادر المتاحة بين أيدينا! هيا نحافظ على وحدة الاسرة واحترام افرادها وتماسكها فلا نسارع بالانفصال ولا نخون ولا نتمادى ! نجاح المونديالات في الملاعب الاسرية هو هو من سيحقق لنا التميز ليس فقط في مونديال الكرة بل في مونديال المجالات كلها ! لا يمكن لأي مجاعة ان تتفشى ان كانت كل اسرة تسقي وتطعم أولادها بالإيمان والامل بالأخلاق والقيم، بالتميز والنجاح لا يمكن أن نتمم رسالة قطر حول جمال ديننا واخلاقنا وعروبتنا ان لم نقوم بالزرع والسقي يوميا لأبنائنا : بيت مبني على الدين على الكلام الطيب الذي تفوح رائحته بيت به عاطفة وحرارة وحنان، بيت به تغافل وتسامح وحسن ظن بيت به حوار وصوت منخفض وآداب للحديث بيت به تشجيع ودعم وصداقة . بالنسبة لي مونديال قطر ليس مونديال كرة فلا تهمني الكرة ولا يهمني مشاهيرها ففي الكرة ومشاهيرها زيف ومبالغة ودنيا لا معنى حقيقي لها . مونديال قطر كان مسرح كنا نحن العرب والمسلمين ابطاله ووقفنا بشموخ وعزة وما علينا الا ان نستمر في عرض هويتنا بهذا الاعتزاز في كل محفل وملعب ومسرح !
إرسال تعليق