الشعبوية والمجتمع الرشيد

مشاهدات



د.حسين عبد القادر المؤيد


إن النمط الشعبوي في التفكير والتعاطي مع القضايا العامة لاسيما السياسية منها من أهم عوائق الرقي المجتمعي على جميع الأصعدة  فهذا النمط يفضي الى السطحية والفوضوية ومجانبة المنهجية العلمية في المعرفة  ولذلك كله انعكاسات سلبية في الحياة العامة والخاصة . إن المجتمع الرشيد هو ذلك المجتمع الذي يتسم بمستوى من الوعي والنضج والثقافة  تجعله يفكر وفق منهج علمي صحيح  ويتعاطى مع القضايا لا سيما القضايا العامة بطريقة منطقية .

 

حين تترسخ في المجتمع ثقافة العقلانية واعتماد المنهج العلمي فلا يمكن أن يهمل هذا المجتمع مباديء وأساسيات المنهجية العلمية في التعاطي مع الأحداث والأشخاص . إن إشكالية الشعبوية لا تقتصر على الجمهور العام في المجتمع وإنما تتورط فيها النخب التي ينبغي أن تكون بحكم ما حصلت عليه من تعليم وثقافة أبعد عن هذا النمط السلبي المعيب . ومن أسباب ذلك أن هذه النخب غالبا لا تعيش المعطيات التي اكتسبتها في سنواتها الدراسية لأنها غالبا تتعامل مع المعرفة المدرسية بمقدار ما تحصل به على معدلات النجاح وشهادات المدارس والجامعات مضافا الى قصور في المناهج الدراسية التي لا تركز على صياغة وبناء العقلية المنطقية وترسيخ المنهجية العلمية في التفكير الى جانب الكم الهائل من المعلومات التي تزقها للتلاميذ عبر المراحل الدراسية التي يتدرجون فيها . هناك أمثلة كثيرة تؤشر على هذه الحالة حيث تجعل الراصد أمام مفارقات مضحكة مبكية في الوقت ذاته . أليست مفارقة أن تجد نخبا في المجتمع حاصلة على تعليم عال وشهادات من أرقى الجامعات لكنها ما تزال تؤمن بالخرافة وتنقاد للكهنوت الديني انقيادا أعمى وتنجرف مع الخزعبلات وتعطل عقولها عن التحليل المنطقي والتفكير العلمي ؟

أليست مفارقة أن تنساق ( نخب مثقفة ) مع موجات التعصب الديني و الإثني والطائفية المذهبية بل وتبرر لها ؟

أليست مفارقة أن تُخضِع النخبة عقولها لنصوص ومفاهيم أُلبِست ثوب القداسة فتتفاعل فكريا وسلوكيا مع هذه المقدسات على حساب المعطيات العلمية ؟ 

أليست مفارقة أن ينجرف الناس مع شائعات وأقاويل تتصل بأحداث سياسية تتطلب سعة في الإطلاع ووفرة في المعلومات وقوة في القدرة على الفهم والتحليل فإذا بالاستنتاجات السطحية والأفكار الطوباوية تكون هي الرائجة وتتحول الى متبنيات على حساب المعلومات الدقيقة والتحليلات الصائبة المستندة الى المعطيات الحقيقية ؟ مما يؤسف له أن الشعبوية ما تزال سائدة  بل طاغية في مجتمعاتنا تكبّل هذه المجتمعات عن القدرة على التقدم والرقي والوصول الى مستوى المجتمع الرشيد . أعتقد أن مجتمعنا العراقي ضحية هذه الشعبوية التي ساهمت في مأساته الكارثية لا سيما في العقدين الأخيرين . لذلك لا بد من خوض نضال مرير لبناء المجتمع الرشيد في العراق . إن هناك علاقة تفاعلية مترابطة بين الحكم الرشيد والمجتمع الرشيد فغالبا لا يحظى المجتمع بالحكم الرشيد ما لم يكن مجتمعا رشيدا ومن جهة ثانية فإن وجود حكم رشيد في ظرف ما يعتبر من أهم أسباب تصعيد المجتمع الى مستوى المجتمع الرشيد والحفاظ على استمرار واستقرار هذا المستوى في المجتمع . إن المجتمع العراقي مجتمع زاخر بالشباب وشبابنا على الرغم من الظروف التي أدت الى زيادة الفقر وارتفاع نسب البطالة والأمية وضياع فرص التعليم على أعداد لا يستهان بها من الناشئة والشباب فإنهم وفي ظل التطور التقني ورواج وسائل التواصل الاجتماعي و يسر الوصول للمعلومة في عالم أصبح كالقرية الواحدة يملكون من التطلع والطموح والانفتاح ما يؤهلهم للتفاعل مع كل جهد يرمي الى بناء المجتمع الرشيد في العراق . لذلك يجب على المتنورين أن يبذلوا قصارى جهدهم في هذا المجال على المدى القريب والمتوسط والبعيد  مهما كان الشوط طويلا وحافلا بالمصاعب . 


المصدر : الزمان

تعليقات

أحدث أقدم