رفع عتب

مشاهدات

 


سناء الجاك
كاتبة وصحافية لبنانية


يواصل لبنان الغرق في غيبوبته لا توقظه كل الأحداث التي تدور فيه أو بشأنه أو حوله . ليس مقدرا له أن يستفيق في هذه المرحلة كأنه مرمي في هامش ما بانتظار يدٍ عجائبية تنتشله من سباته وتوقف نمو كرة ثلج الأزمات التي تطيح به . هذه اليد استعادها من عايش مرحلة الحرب الأهلية في فصولها الأخيرة مع حضور وزير خارجيّة الجزائر الأسبق الأخضر الإبراهيمي الى بيروت من خلال احتفال سفارة المملكة العربية السعودية لدى لبنان بالذكرى الـ33 لاتفاق الوفاق الوطني في الطائف . فهو الوحيد الباقي من رعيل أصحاب الجهود الخيرة التي تابعت وثابرت وأنتجت هذا الاتفاق وأوقفت الحرب الأهلية .. أو "حروب الآخرين" على لبنان كما كان يصفها الراحل الكبير غسان تويني . 

 

ولعل الفكرة الأولى التي طرأت على الأذهان لدى رؤية الابراهيمي وسماعه يذكر بأولويات مساعي من احتضن الاتفاق هي الحنين لزمن كان لا يزال الأمل والرجاء بقيامة لبنان ممكنين . أما الفكرة الثانية فهي تنسف الأولى وتعكسها مشهدية الذين خاضوا غمار هذه الحرب بكل فصولها ومراحلها الذين حضروا بدورهم أو أرسلوا مندوبين لهم إلى الاحتفال وجلسوا في الصفوف الأمامية وشاركوا مبتهجين متآلفين وأطلوا بتصريحات تؤكد تمسكهم باتفاق الطائف وحرصهم عليه .  ومثل هذه التصريحات تندرج في قاموس اللغة الخشبية لهؤلاء الذين ارتضوا بوقف المعارك مقابل جوائز ترضية في السلطة .. وهذا ما حصل . ولكنهم لم يشبعوا أو يقتنعوا أو يكفوا عن تقاتلهم بغية تحصيل المزيد من المكاسب والحصص التي تتيحها جثة هذه السلطة . والواقع اللبناني الراهن يدفعنا إلى سؤالهم إن كانوا قد اتفقوا على إنهاء الحرب أو على إيقاف المعارك مع جهوزية لمعاودة التقاتل وإن بصيغ أخرى ؟ وإلا لماذا الإصرار على التصرف حيال النصوص الدستورية في "وثيقة الطائف" وكأنه "اتفاق الضرورة" وليس خاتمة للخلاف التاريخي أو التنازع التاريخي بين أولويتين لدى اللبنانيين : أولويةُ الوطن النهائي وأولويةُ الانتماء العربي ؟؟ وقبل هذا وذاك أولوية الدولة بمؤسساتها الدستورية وشرعيتها العربية والدولية ؟ ولعل رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة هو أكثر من وعى خطر هذه الإشكاليات التي تبرر نسف الاتفاق فاستعاد الخطاب الذي ألقاه البطريرك الياس الحويّك أمامَ مؤتمر السلام في باريس عام 1919 عشية إعلان دولة "لبنان الكبير" بقوله : "إننا نطالب بكيانٍ وطني على اساس الوطنية السياسية لا الدينية... وهو ما يحدث للمرة الأولى في تاريخ هذا الشرق". 

 

عودة إلى السؤال الأساس : هل أنهى اتفاق الطائف الحرب أم اوقفها ؟ هل أرسى أسس "الفضيلة الوطنية" على ما وصّف الاتفاق المؤرخ كمال الصليبي إذا ما سلَّمنا جدلا بأنه يقوم على إيجابيتين ؟ هل يستطيع هذا الدستور الذي كان جديدا منذ 33 عاما تحقيق هذه المعجزة ؟ الظاهر أنه لم يفعل وإلا لما كان لبنان في غيبوبته ولما كان اللبنانيون في جهنم . لكن العلة ليست في النصوص .. بالتأكيد هي ليست هناك . العلة في النفوس وأيضا ربما تجدر العودة إلى ما قاله السنيورة خلال المؤتمر عن ضرورة توفر النوايا الحسنة لتطبيق النصوص التي يفترض أن تكون الأساس في التطبيق كما في كل دساتير العالم . وبالتأكيد لم يتوفر منذ توقيع الاتفاق إلا التنكيل به بموجب ارتهان الذين وقعوه وقبضوا الثمن في السلطة إلى محاور تشرعن لهم كل ما ارتكبوه . وما تصريحاتهم التي تؤكد تمسكهم باتفاق الطائف وحرصهم عليه إلا نغمة مملة هدفها فقط رفع المسؤولية في الانهيار الحاصل عن كاهلهم .. مع أنهم أمعنوا قتلا في جسد الدستور بمعزل عن انقاذ الاتفاق الذي كان يفترض ان ينقل لبنان من المزرعة الى الدولة . أو هي لزوم رفع العتب عن كل ما ارتكبوه وتحديدا رفع فرص البقاء في السلطة وتقديم أوراق اعتماد مرة جديدة.. لا سيما ولبنان على عتبة استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية.. سيأتي مهما تعقدت الأمور.. حينها.. لعل وعسى.. 


المصدر : عربي-sky-news

تعليقات

أحدث أقدم