نظام بلا غيرة

مشاهدات



د. محمود خالد المسافر


قد يكون العنوان صادما أو غريبا كيف يكون النظام بلا غيرة ؟. فالغيرة كما عرفناها صفة فردية واحيانا كثيرة تنتقل بين الأفراد لتكوّن مجموعة إنسانية ذات غيرة أو شعب ذا غيرة أو أمة ذات غيرة وهو نتيجة لما عُرف عنه وعنها (اقصد الشعب والأمة) من مواقف عبر تاريخهما تعبر عن حقيقة أن عموم أبناء هذا الشعب أو تلك الأمة يمتازون بالغيرة فتجدهم يخافون بعضهم على بعض وينتخون بعضهم لبعض وينصر بعضهم بعضا في الحق ويصد وينصح بعضهم بعضا عند الخطأ ويخافون على بناتهم ويتصدون للغريب إذا تعرض إلى احداهن أو تعرض الى أرضهم أو الى عناوينهم الكبيرة . فإذا نادت حرة من بناتهم استصرخت فيهم كل براكين الغيرة ولن يناموا الليل والحرة في ضيم . 

 

وتنتقل هذه الغيرة من مشاعرهم وتصرفاتهم الى قوانينهم وشرائعهم ومناهجهم الدراسية . فتجد شرطيهم  يعبر عن غيرة المجتمع وجنديهم يعبر عن غيرة أهله وموظف الخدمة المدنية كذلك . وهكذا عُرفت بعض الأقوام ومنهم العراقيون أصحاب الغيرة والنخوة . لا يوجد اختلاف بين العرب على حقيقة أن العراقيين أصحاب غيرة . ولكن جاء المحتل الأمريكي يساعده الجراد الايراني محاولا تغيير المنظومة القيمية والأخلاقية للمجتمع  وذلك من خلال التأثير المباشر على منظوماته العاملة مثل منظومة القضاء ومنظومة التعليم ومنظومة الخدمة المدنية ومنظومة الجيش ومنظومة قوى الأمن الداخلي . لقد عملت قوى الشر بجهد كبير لتغيير قوانين وقواعد ولوائح وأساليب عمل كل المنظومات السابقة لتؤسس نظاما بلا غيرة . تابعوا بدقة ردود أفعال ما يسمى بالنظام في العراق على تصرفات الدول المجاورة التي تخرق وتجتاح السيادة والتي من أهم مقومات الحفاظ عليها وجود الغيرة على الأرض والمياه . راقبوا الانتشار الغريب لبيوت الدعارة والقمار في المناطق المجاورة للمناطق التي يسكنها قادة هذا النظام ولا يحركون ساكنا بل أن أغلبهم شركاء في هذه الأماكن الموبوءة . تابعوا ما يحدث من سرقة أموال العراقيين من أناس ينبغي ويوجب القانون أنهم حماة تلك الأموال . والتي تمثل الغيرة العنصر الأهم في تحريك موظف الخدمة المدنية فضلا عن القوانين الرادعة التي تصبح أقل اهمية كلما تطورت المجتمعات وازداد وعي الشعوب وتحولت القيم الحميدة إلى قواعد إنسانية واجتماعية . تابعوا قضية المهجرين والنازحين والذين دخلت عليهم السنة الثامنة وهم يعانون من اسوأ ظروف العيش في بلد نفطي يتجاوز ناتجه من النفط المائة مليار دولار . لو كان عند النظام وأجهزته غيرة ما استمر ذلك الحال المأساوي للنازحين . عندما تتصل أجهزة دولة أجنبية لتخبر السفارة العراقية بوجود سجين عراقي يحتاج الاتصال بسفارته ولا تقوم السفارة بإجراء فوري فاعلموا أنه ليس خطأ فرديا وانما لأن النظام بلا غيرة . عندما يحضر رئيس الجمهورية لمؤتمر دولي ولا تجلسه دائرة بروتوكول الرئاسة في الدولة المضيفة في الأماكن المخصصة للرؤساء والملوك فاعلموا أن هذا ليس خطأ فرديا وانما لأن النظام بلا غيرة . عندما يحضر أحد عشر دبلوماسي عراقي لحفل العيد الوطني لدولة شقيقة أو صديقة والدعوة موجهة لشخص واحد أو شخصين فقط فاعلموا أن النظام بلا غيرة . عندما يسافر رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان ومجموعة كبيرة من الوزراء للتعزية في وفاة أمير عربي فاعلموا أن النظام بلا غيرة . عندما يحضر ضباط رفيعوا المستوى من الجيش العراقي ليتم تكريمهم إلى جانب مانيكيرة في حفل غير محترم فاعلموا أن هذا النظام بلا غيرة . عندما يقبع عشرات الآلاف من الموقوفين في السجون لسنوات طويلة من دون محاكمات فاعلموا أن النظام بلا غيرة . عندما لا يستطيع العراقي أو حتى المسؤول العراقي الدخول الى مدينة عراقية وهي جرف الصخر فاعلموا أن النظام بلا غيرة . وقيسوا على ذلك آلاف الأحداث سنويا منذ الاحتلال البغيض في التاسع من نيسان 2003 والى اليوم  ولا زال البعض يعتقد أن إصلاح النظام ممكنا . 

 

نظام  بلا غيرة لا ينفع معه إلا اجتثاثه وبدلا عنه يقوم عراقيون مخلصون بتنظيم التشريعات والقوانين واللوائح والنظم التعليمية والصحية والإدارية بطريقة جديدة تعبر على نحو  حقيقي ودقيق عن شعب غيور مثل الشعب العراقي .

 

 

تعليقات

أحدث أقدم