ألمانيا .. والصين وروسيا

مشاهدات



وحيد عبد المجيد


من ينسى أو يتناسى ما حدث فى الماضى ولا يستوعبُ دروسه ربما تُصيبه لعنةُ التاريخ . وربما تأخذُ هذه اللعنةُ صورة إعادة إنتاج مشاكل أو مآس حدثت فى وقتٍ ما ولكن بطريقةٍ مختلفة . والمفترض أنه كلما كان الحدث الذى يتعينُ استيعاب دروسه قريبًا صار تذكره واستخلاص الدروس منه أيسر. أما إذا كان الفرقُ الزمنى صفرًا أو يكاد فلا يُتصور نسيان أو إغفال المشكلة المفترض استيعاب دروسها خاصةً إذا كانت آثارُها مستمرةً وملموسة ناهيك عن أن تكون مؤلمة .

 

ولكن يحدثُ أحيانًا تجاهل لمشكلةٍ من هذا النوع ليس لنسيانٍ أو إغفال بل لاعتقادٍ فى أن التصرف بطريقةٍ معينة لا يؤدى إلى إعادة إنتاجها. ويبدو أن هذا هو ما يعتقده المستشار الألمانى أولاف شولتز الذى يتجهُ إلى مواصلة الاعتماد المتزايد على استثمارات صينية فى مجال البنية التحتية. وربما يرى أن هذا المجال يختلفُ عن قطاع الطاقة وأن الصين تختلفُ عن روسيا. ولهذا لا يخشى إعادة إنتاج أزمة الوقود التى نتجت عن اعتمادٍ مفرط على روسيا فى الحصول على قسمٍ كبير من حاجة ألمانيا. وقد يكون هذا الاعتقادُ صحيحًا، خاصةً فيما يتعلقُ باختلاف الصين عن روسيا. ولكن هذا الاختلاف يمرُ الآن فى مرحلة اختبارٍ تاريخى تتوقف نتيجته على اتجاه الصين فى الفترة المقبلة بعد تنامى قوة الرئيس شى جين بينج ونفوذ أنصاره الصقور. ولهذا يفضلُ حزب الخضر والحزب الليبرالى شريكا شولتز وحزبه الديمقراطى الاشتراكى فى الحكومة الحالية التزام الحذر لكى لا تتكرر مشكلةُ الاعتماد على روسيا فى مجال الطاقة .

 

وتثيرُ هاتان الطريقتان المتباينتان فى التفكير خلافًا داخل الحكومة الألمانية الآن على مشروعٍ تشترى بموجبه شركة كوسكو الصينية العامة حصة تصل إلى 35% فى محطة حاويات فى ميناء هامبورج على نهر إلبة العريض الذى يصبُ فى بحر الشمال. وهو يُعدُ ثالث أكبر ميناء فى أوروبا. وهذا خلافُ لا يُهددُ استمرار الحكومةرغم أنه بين رئيسها ووزراء الخارجية والاقتصاد والمالية فيها ولكنه يدلُ على تباين طرق التعامل مع التاريخ ودروسه سواء بعُد الزمن أو قرب.

 

المصدر : الأهرام

تعليقات

أحدث أقدم