المتعاونون مع العدو - أحمد عبد الهادي الجلبي

مشاهدات



د. ضرغام الدباغ


ولد أحمد الجلبي في بغداد (30 / تشرين الثاني  / 1944) وهو من أسرة عراقية بغدادية معروفة أصابت ثراء من خلال نشاطها التجاري والصناعي . كانت من الأوساط والأسر المقربة من النظام الملكي وشغل جده المناصب الوزارية 9 مرات مكنها وزارة الأشغال العامة كما كان شقيقه نائباً في البرلمان (عن منطقة الحرية / بغداد) ولكن نفوذها المالي والسياسي بدأ بالأنحسار بعد زوال النظام الملكي وحلول الجمهورية بعد 14 / تموز / 1958/ وتحول مقر سكنها الرئيس إلى العاصمة اللبنانية بيروت . درس في الجامعة الأمريكية ببيروت ثم واصلها في جامعة شيكاغو / الولايات المتحدة الأمريكية حيث نال شهادة الدكتوراه في الرياضيات وعمل أستاذا للرياضيات في الجامعة الأمريكية / بيروت كما عمل في القطاع المصرفي مديراً لبنك البتراء في الأردن . سياسياً كان الجلبي يعتبر من السياسيين الليبراليين ولكن عداءه للنظام الوطني العراقي دفعه لكي يفعل كل شيء من أجل الإطاحة به ومن هنا كانت بداية علاقاته بالقوى الأجنبية فعمل مع المصالح البريطانية والأمريكية وتعاطى العمل الطائفي رغم كونه عضواً لا يحسب عليها فأرتبط بالأجهزة الإيرانية وتعاون معها وكذلك مع القوى الكردية ولكن هذا الاختلاط الشديد أفرز تناقضاته بعد إسقاط النظام الوطني 2003 فتدهور موقفه السياسي نتيجة لتصادم أهدافه وعدم قدرته التوفيق بينها وبين طموحاته الشخصية فلم  ينجح أن يكون قطباً سياسياً مؤثراً لأفتقاره إلى القاعدة الشعبية . 

 

وبرغم مسيرته العلمية الجيدة وتوفقه في الأعمال إلا أن طموحاته كانت أكبر منه وهوسه بأسقاط النظام الوطني في العراق نابع من أنه يعتقد أن ثورة تموز / 1958 قد أنهت مكانة ونفوذ أسرتهم السياسية والمالية وأعتقد أن تفوقه العلمي / الأكاديمي سيكون طريقه إلى بناء مسيرة سياسية سيفتتحها بالتعاون مع أجهزة المخابرات التي تعمل لمصالحها في العراق ولم يكن ليدرك أن هذه الخطوات تحديداً هي خطأ فالقوى الأجنبية ستتعامل معه كعميل تدفع له ثمن خدماته وليس كقائد وطني له قاعدة شعبية . كان أحمد الجلبي من أبرز السياسيين العراقيين الذين تعاملوا مع الأجنبي ولا سيما مع الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية والبريطانية والدوائر الأمريكية تلقي باللآئمة على الجلبي في تزويدها بمعلومات خاطئة ومبالغ بها بقصد تحريض القوى الأجنبية على غزو العراق والإطاحة بالنظام الوطني وتأسيس نظام طائفي وكان الجلبي يعتقد أنه الأكثر قدرة ولياقة على حكم العراق أستناداً إلى تاريخ أسرته وقدراته الأكاديمية. ولكن مساعيه كانت مشخصة من قبل الجهات التي تعاون معها على أنها شخصية النوازع  وأن الرجل مهووس بالنفوذ والسلطة ولا يؤتمن جانبه . وبرغم أن الجلبي كان يتصدر المشروع الأمريكي " تحرير العراق " ويتقدم في التخصيصات المالية التي أقرتها إدارة الرئيس بيل كلينتون عام 1998 بتقديم 90 مليون دولار كمساعدة للحركات الضالعة في المشروع الأمريكي وكان يتنقل بين شمال العراق والمؤتمرات التي كانت تدار بواسطة الاجهزة الاستخبارية الأمريكية والبريطانية خاصة (مؤتمر لندن، وباريس، ونيويورك أعوام 2001 / 2002) العواصم المعنية بالتغير في العراق بواسطة طائرات أمريكية خاصة وبحماية مكشوفة من الأجهزة الاستخبارية الأمريكية . وكان الجلبي قد ذهب بعيداً حين أقترح تشكيل منظمات عسكرية تلقى تدريباً في بلدان مختلفة  لتزج لاحقاً في المعارك وهو ما لم يتحقق بصفة تامة وإن هبط بطائرات أمريكية مع عناصرة في محافظة الناصرية كجهد عسكري مشارك ولكن تلك القوى لم تدخل العاصمة بغداد إلا بعد الأحتلال الامريكي وقامت بنهب وثائق الحكومة العراقية والموجودات الثمينة وملفات حساسة تخص الدولة العراقية وسلمها للجهات الأجنبية التي يتعاون معها . 

 

ولكن أحمد الجلبي فشل في تكوين قاعدة شعبية سواء قبل الأحتلال أو بعده فكان كل ما أستطاع فعله هي مجاميع ممن يدفع لهم المال (من بعض ما يناله من المخابرات الأجنبية) وأنغمس بعيداً في التيار السياسي الديني وهذا حرمه بدوره من تكوين تجمع أكاديمي كان يمكن أن يشكل منهم وسطاً علمياً رصيناً  يتعاطى في السياسة بلغة الأرقام وهي اللغة الوحيدة التي يحسنها ويتقنها وعندما فكر في العمل الحكومي المالي كانت المكتسبات نصب عيون من يعمل في الحقب التي أعقبت الاحتلال لذلك أخفق في أن يحصل على أي من أهدافه التي سعى إليها .  بعد سقوط النظام  في أعقاب الحرب العراقية / الأمريكية أصبح عضواً في مجلس الحكم الذي كان يرأسه المندوب الأمريكي بول بريمر ركب الموجة الطائفية فعمل على ما سمي " البيت الشيعي " تحت أطروحة الأغلبية الشيعية . حصل بنتيجة الانتخابات العامة على مقعد في البرلمان (كانون الثاني /2005) كما أصبح نائباً لرئيس الوراء (وزارة الجعفري الانتقالية) ولكنه فشل في الحصول على مقعد برلماني في انتخابات (كانون الأول / 2005) . نال بعض المناصب (كترضية) : 2007  رئيس لجنة توفير الخدمات وعينه الحاكم الأمريكي بريمر رئيساً للجنة اجتثاث البعث فاز بمقعد في انتخابات نيسان 2014 تحت مظلة الأحزاب الدينية وأصبح رئيساً للجنة المالية حتى وفاته في 3 / تشرين الثاني / 2015  وتحوم شكوك كثيرة حول وفاته ولكن هذه يصعب تأكيدها أو نفيها . توفي أحمد الجلبي يوم الثلاثاء 3 / تشرين الثاني / 2015 أثر ما قيل أنها نوبة قلبية وتردد الكثير أنه توفي نتيجة أغتياله بواسطة السم وتوزعت هذه الأقاويل حتى على جهات محلية وأجنبية ولكنه دفن في الكاظمية في مقبرة أسرته .

تعليقات

أحدث أقدم