دلالات تولي السوداني حكم العراق

مشاهدات




د. فارس الخطاب


لن يكون الحديث عن تشكيل الحكومة العراقية الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني سوى تكرار ممل لمسلسل حكومات إيران في العراق منذ الوزارة الأولى برئاسة آياد علاوي عام 2005 م  وإنتهاءً بوزارة مصطفى الكاظمي التي نجحت في إمتصاص زخم الشارع العراقي المنتفض في عام 2019 م والتخلص من قادة الرأي والنشطاء السياسيين والإعلاميين عبر التغطية على قتلتهم من خلال الأيقونة المفضوحة "تشكيل مجالس تحقيقية" لكل حادث . لكن ما يشكل الفارق هنا هو أن محمد شياع السوداني سيلعب دوران الأول محاولة البرهان على أنه رئيس مجلس وزراء العراق وأن قراراته ستكون وفق إمكاناته وقدراته على تنفيذ برنامج يتعلق بتقديم الخدمات وتقليص نسب البطالة ومحاربة الفساد دون التبعية لإحد شخصاً كان أم جهةً أم دولة والثاني تنفيذ أجندة زعيمه نوري المالكي الذي وضعه بإرادته في هذا المنصب وهو الوحيد القادر على إزاحته عنه بما يجعل المالكي الفاعل الرئيس في إدارة ملفات العراق الداخلية والخارجية . المالكي الذي وصفته صحيفة "الغارديان" البريطانية في عام 2014م بإنه" لا يسمع الكلام فهو لا يستمع للأمريكيين الذين نصبوه في الحكم ولا لإيران التي تساعد على توطيد دعائم حكمه ولا للدول الإسلامية . هو لا يستمع للسنّة العراقيين الذين ناشدوه بأن يظهر على الاقل ذرة من عدل في التعامل مع مجتمعهم الجريح والمهمش لقد هاجم السعودية دول الخليج وتركيا واتهمها بالعمل على تدمير العراق واتهم القادة السنة وزعماء العشائر السنية بالوقوف في صف تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام"داعش". 

 

محمد شياع السوداني الرجل الذي لم تثار ضده تهم فساد بحسب أطراف العملية السياسية لكنه يوسم من قبل بعض هذه الأطراف وبعضها من داخل "الإطار التنسيقي" بإنه "ضعيف" لكن ما حصل عليه فعلياً أكبر بكثير من موضوع الفساد أو موضوع القوة لقد إمتلك السوداني موافقة إيران الفورية  وترشح للوزارة وسيمضي بها برعاية وتوجيه تفصيلي من قبل رئيس حزب الدعوة وكتلة دولة "القانون " نوري المالكي بما يعني أن إيران لن تحتاج لاحقاً لإرسال قائد فيلق القدس أو غيره من قادة الحرس الثوري الإيراني لإعادة ضبط بوصلة الحكم في العراق وأنها أوكلت المسألة برمتها للمالكي بولائه المطلق لها وخبرته التفصيلية الدقيقة بالعملية السياسية في العراق وأركانها من جميع مكونات الشعب العراقي . مصادر قريبة من الجانب الأميركي أكدت أن واشنطن كانت في آخر تقييماتها للأوضاع في العراق وتعرقل عملية إختيار رئيس الوزراء فيه تميل بوضوح إلى قبول أي مرشح من قبل نوري المالكي وذلك بعدما رأت أن بقية القوى المنافسة وبخاصة منها التيار الصدري لا يمكن المراهنة عليها بسبب تخبطها وضعفها وعدم وجود رؤية سياسية واضحة لديها وقد ترجم هذه القناعة إلى موافقة الولايات المتحدة المباشرة على ترشح السوداني لعلمها بتبعية الأخير المطلقة للمالكي وهو أمر يرتبط بقوة بسياساتها على المستوى الزمني القريب في العراق . أولى خطوات السوداني كشفت عن أصابع المالكي الخفية فيها، فقد خرج من عباءة تصريحاته الأولى بتشكيل حكومة كفاءات إلى حكومة تكرّس بفارق كبير جداً ما كان في حكومة مصطفى الكاظمي ودخلت أخبار مفاوضات إختيار الوزراء سوق النخاسة لتعيد العراق أخبارها فضائح سوق وأسعار كل وزارة كما وضعت المليشيات سواء المنفردة أم المنضوية تحت قيادة الحشد الشعبي في مكانة تفوق هيبة ومكانة قوات الجيش العراقي الذي سيسعى السوداني بتغيير قياداته واستبدالها بإسماء قدمها له نوري المالكي .

 

العراق الذي أهدر سياسيو الفساد فيه ما يزيد عن (500 مليار دولار) بحسب التقديرات الأميركية كان لحكومة المالكي الأولى والثانية الحصة الأكبر فيها دعماً للجمهورية الإسلامية في إيران لتجاوز العقوبات المفروضة عليها سيعود إلى سياسة القضم الممنهج لعائدات العراق المالية وأيضاً سيعود المالكي عبر بوابة محمد شياع السوداني لتوفير مليارات الدولارات للحكومة الإيرانية خصوصاً مع ارتفاع أسعار النفط الحالية وأيضاً وفق المستقبل المنظور . نعود إلى مقال "الغارديان" البريطانية حول المالكي فقد وصفته بإنه" حكم بطريقة طائفية وسيقاتل بنفس الطريقة وقد أثبتت التجارب صحة توصيف الصحيفة حيث تظهر بقوة من جديد الممارسات والسلوكيات الطائفية في إختيار الحكومة المقبلة سواء تعلق الأمر بالإغراءات المالية أو بالتهديدات المباشرة من قبل المليشيات الولائية أو من خلال تقديم عروض وزارية ومناصب حكومية مدرّة لإموال الفساد أو التحكم بالمشهد العام للعراق داخلياً وإقليمياً . لقد سلم مصطفى الكاظمي الوزارة بعد أن أدى الدور المطلوب الكامل ومن هنا نرى كيفية تعامله مع التظاهرات الأخيرة التي جرت بمناسبة الذكرى الثالثة لإنتفاضة تشرين 2019 م وكيف إستعد لها بالحديد والنار حتى أن قواته كانت لديها أوامر بفتح النار وإستخدام القوة المفرطة سواء بمرحلة التلويح بها إم استعراضها أو إستخدامها وقد كان له ما أراد وسط مؤامرة دولية وإقليمية واضحة المعالم  وعلى هذا الأساس فإن محمد شياع السوداني (المالكي) سيتولى رئاسته لمجلس الوزراء وهو محاط بكوكبة من أرباب المحاصصة الطائفية وحماية المليشيات الولائية ورعاية طرفي الاحتلال في العراق  الولايات المتحدة وإيران .

تعليقات

أحدث أقدم