الفهم العربي السليم لنصوص آيات القرآن الكريم

مشاهدات

 


د.حسين عبد القادر المؤيد

 

ما فتيء منظّرو التشيع المذهبي والمتلقون عنهم في مقام نحت الأدلة التي يحاولون بها إثبات عقيدتهم من الاستدلال بقوله تعالى ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا ) لإثبات عصمة أئمتهم وإمامتهم . وحيث أنهم يريدون حصر العصمة بعليّ وفاطمة والحسن والحسين لذلك اتجهوا الى إخراج غيرهم عن عنوان أهل البيت المذكور في الآية الكريمة لا سيما زوجات النبيّ صلى الله عليه وسلم فعمدوا الى ليّ عنق النص الوارد في نساء النبيّ عليه الصلاة والسلام  باستدلالات خارجة عن الفهم العربي الصحيح ومخالفة لفقه اللغة وقواعدها بل لجأوا الى سفسطات لا قيمة لها علميا .

 

إن الفهم العربي السليم يقتضي اختصاص الخطاب في الآية الكريمة بنساء النبيّ صلى الله عليه وسلم فهذه الآية الكريمة متجهة بالأصل لنساء النبي عليه الصلاة والسلام فمن جهة جاء هذا المقطع جزء من آية تخاطب نساء النبي ولم يكن هذا المقطع آية برأسه فلا بد أن يكون مرتبطا بالآية التي هو جزء منها وجاء في سياق مسبوق وملحوق مباشرة بخطاب متجه الى نساء النبي . ومن جهة أخرى وبحكم السياق جاء هذا المقطع تفريعا على مجموعة أوامر ونوه لنساء النبي في الآية نفسها وفي سياق آيات متعلقة بنساء النبي تبين منزلتهن وتبعثهن على التقوى والطاعة وتزجرهن عن المعصية فجاء هذا المقطع في هذا السياق العام والخاص وكأنه بمثابة التعليل لكل ما تقدمه من بيان المنزلة والبعث والزجر والأمر والنهي لتكون الحصيلة أن هناك عناية إلهية تقتضي طهارة نساء النبي من الدنس والآثام ونقاء صفحتهن ونصاعتها . وأما التعبير بميم الجماعة في قوله تعالى ( يذهب عنكم ) و ( يطهركم ) فهو لرجوع الضمير الى لفظ ( أهل ) وهو لفظ مذكر ينطبق هنا على مجموعة إناث هن زوجات النبيّ صلى الله عليه وسلم وعندما يراد بلفظ الأهل جماعة فإنه يكون مذكرا وإن كانت الجماعة من الإناث فقط ولذا لو كان لشخص ما عدة زوجات ودخلن الدار فلا يصح أن تقول : دخلت أهلك الدار وإنما تقول : دخل أهلك الدار . وفي قوله تعالى : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا ) انتقل الخطاب من مخاطبة نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم بعنوان نساء النبي وهو عنوان مؤنث الى مخاطبتهن بعنوان أهل البيت ولفظ الأهل في هذه الحالة هو لفظ مذكر باعتباره لفظا لجماعة وإن كانت الجماعة إناثا فاستوجب التعبير بالميم  فلم يتغير السياق كي يتغير المعنى وإنما هو سياق واحد في نساء النبيّ صلى الله عليه و سلم . وأما العصمة المزعومة للأئمة فاستنباط العصمة من منطوق النص غير صحيح . 

 

توضيح ذلك : 

 في القرآن الكريم لونان أو صنفان من التعبير فيما يتصل بنحو اتصاف الأشخاص بصفة معينة  : 

 الصنف الأول : حينما تكون هذه الصفة موجودة بالفعل فيأتي التعبير عنها بصيغة تفيد التحقق وتدل عليه سواء في مخاطبة الشخص أو تعريفه للآخرين كما في قوله تعالى ( وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين ) فالآية الكريمة  تتحدث عن صفتي الاصطفاء والتطهير بنحو يفيد التحقق والثبوت بالفعل . 

الصنف الثاني : حينما يأتي التعبير عن شيء أو صفة يراد لها أن تتحقق كما في قوله تعالى ( ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ) ففي هذه الآية الكريمة تعليل تشريع الرخصة للمريض والمسافر بالتيسير وهذا التيسير الذي يريده الله عز وجل سيتحقق بالأخذ بالرخصة . وفي آية أخرى ( وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون ) . وفي الآية الكريمة  تعليل تشريع التيمم بأن الله يريد لفاقد الماء أو المعذور من التطهير به أن يكون طاهرا بالتيمم وهذا التطهير الذي يريده الله عز وجل سيتحقق بالتيمم . 

 

إذا اتضح ذلك نقول : إن النص الذي يستدل به منظرو التشيع المذهبي الاثني عشري على العصمة لو كان في مقام بيان العصمة  للزم أن يأتي بصيغة تدل على التحقق والثبوت يعني بصيغة نحو ( لقد أذهب الله عنكم الرجس أهل البيت وطهّركم تطهيرا ) كما ورد في مريم ( إن الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين ) بينما الصيغة التي ورد بها النص هي من الصنف الثاني الذي لا يفيد وجود صفة ثابتة بالفعل للشخص وإنما جاء النص تعليلا للمضامين والتعليمات التي وجهها الله تعالى لنساء النبيّ عليه الصلاة والسلام والتي يتحقق بامتثالهن التطهير من الرجس المساوي لدرجة رفيعة من الصلاح ولبيان المقصد وهو أن تكون نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم في حصانة معنوية . 

 

وهذا التحليل يشهد أيضا على خطأ قطع هذا النص عن سياقه وتحويل الخطاب الى غير من خوطب في السياق فلو قطع عن سياقه لأصبح جملة غير مكتملة وبمثابة المبتدأ بلا خبر إذ سيقع السؤال : إذا كان الله يريد تطهير أهل البيت فكيف وبماذا ؟ لأن الفعل مضارع لا دلالة فيه على تحقق الصفة بينما إذا حافظنا على السياق سيكون النص بمثابة خبر للمبتدأ وبه تكتمل الجملة إذ بعد المضامين والتعليمات التي وجهها الله تعالى الى نساء النبيّ عليه الصلاة والسلام  ذكر عز وجل إرادته في أن يتحقق لنساء النبيّ التطهير من الرجس بالتزامهن بالمضامين والتعليمات الموجهة لهن فافهم هذه اللطيفة الدقيقة .

تعليقات

أحدث أقدم