البطء والسرعة!

مشاهدات



عائشة سلطان


يتصل أخي معتذراً عن موعده على الغداء يبرر ذلك بالوقت يقول عليّ أن أسارع بالعودة باكراً إلى أبوظبي قبل أن أجد نفسي عالقاً في زحام لا نجاة منه استاءت والدتي جداً وقال أخي الصغير: عليه أن يسرع فعلاً  فأنتم لا تتخيلون وطأة الزحام إنه كشعورك بالغرق في بحيرة من اللزوجة والملح !

 

انتبهت للتضاد بين السرعة والبطء والتضاد في الموقف منهما فهناك مديح واضح للسرعة (فالسرعة منقذة وحل سحري للخلاص من الزحام واللزوجة والحر) وذم حاد للبطء الذي يهوي بنا في بحيرة بلا نهاية من الزحام واللزوجة وتساءلت متى بدأت علاقة الإنسان المنفعية بالسرعة ؟ ومتى يتذكر معظمنا آخر مرة عشنا فيها حياة لا نطارد الدقائق ولا تطاردنا متى خرجنا من بيوتنا متمهلين لا راكضين متى وقفنا آخر مرة عند إشارة المرور دون أن ننفث غضباً وشتائم ونضرب بقبضتنا لأن الإشارة الضوئية لم تفرج عن لونها الأحمر بعد ؟ إن علينا أن نسرع والإشارة لا تفهم ؟! الكاتب التشيكي ميلان كونديرا الذي ترك بلاده منذ سنوات طويلة واستقر في فرنسا حيث اختار أن يكتب بالفرنسية رواية بعنوان «البطء» حاول فيها أن يشرح فلسفته في ممارسة الحياة ببطء عبر حكاية تحصل في القرن الـ 18 وأخرى في القرن الحالي بربط كونديرا البطء بذاكرة الشخص مؤكداً أن السرعة تؤثر على ذاكرتنا فالحياة المتمهلة وسلوك الإنسان الهادئ يجعلان تركيزه أفضل وذاكرته أقوى بينما السرعة رديفة القلق والتوتر وبالتالي النسيان !

 

لذلك فهناك اليوم مجموعة جهود على مستوى العالم  للحد من جنون السرعة التي قادت الإنسان للكثير من الخسائر على جميع المستويات الحراك العالمي يتحدى السرعة ومن يقرأ كتاب «في مديح البطء» للفرنسي كارل أونوريه يكتشف ذلك المسار الجديد الذي اختطه الكثير حول العالم لإعلاء قيمة البطء في مواجهة السرعة وكلا المفهومين يجب تناولهما بوعي وحرص لضمان عدم الخلط بين البطء والكسل والتراخي وبين السرعة والتهور !

 

المصدر : البيان


 

تعليقات

أحدث أقدم