الشهور القليلة المقبلة ستحدد مسارات السياسة الدولية

مشاهدات



ضرغام الدباغ

نشر الصديق الصحفي البارز ليث الحمداني في جريدته الورقية " البلاد " التي يصدرها في كندا / اونتاريو العدد 245 / آب / 2022 الصفحات 28 / 29  مقالا في غاية الأهمية مترجماً عن المجلة الامريكية المشهورة " Foreign Policy  السياسة الخارجية  للكاتب ميشائيل هيرش  (Michael Hirsh)  والمقال بعنوان We are now in a Global Cold War  وقدمها مترجمها للعربية بعنوان " العالم مقبل على حرب باردة جديدة  وهذه ملامحها " ووضع لها عنوانا فرعيا " ربما تكون الحرب الباردة قد أنتهت قبل ثلاثة عقود ولكن هناك نوعا آخر مختلفا تماماً من الحرب الباردة يبدأ الآن " .

 

ورغم أن كاتب المقال وهو متمرس في الكتابة والتحليل إلا أنه لم يفلح في إقناع القارئ لماذا قررت الولايات المتحدة التصعيد وصولاً إلى الحرب الباردة / الساخنة في بدايتها (أوكرانيا) ولم يتمكن من تقديم ذريعة واحدة سوى توجيه  مصطلح غير معروف في السياسة " نظام سلطوي " ولكن لم يقدم لنا ولو مفردات بسيطة ما هو النظام السلطوي ..؟ مع أننا نعلم أن كل نظام لدية سلطات لا يوجد نظام بلا سلطة وفي المقدمة الولايات المتحدة الأمريكية قبل غيرها ولكن هذه لوحدها ليست مثلبة تستحق لحروب باردة ولا حروب ساخنة  ..!  ويضع الكاتب حدوداً لستار حديدي جديد من ماريوبول / البحر الاسود في أوكرانيا وحتى تايبيه في تايوان  (فيه ثغرات واسعة) لا يقوم على أساس عرقي ولا أيديولوجي ولا ديني . ولكن القارئ اللبيب يقرأ بوضوح بين السطور أن الولايات المتحدة لا تريد أن " تسمح " بقيام دولة كبيرة تنافسها أو مجموعة دول وإن مثلت هذه الكتلة الأكثر سكانا ومساحة وفي الحجم الاقتصادي والولايات المتحدة والغرب عموماً (وإن بدرجات متفاوتة) والكاتب لا يذكر " بالطبع " أسباب هستيريا الولايات المتحدة الحقيقية في تخبطها في منطقة المحيط الهادئ وحتى أوكرانيا فنراه يتذرع  بذرائع شبه وهمية ويتبنى ما يطرحه المتحدث بأسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي : " أنه انعكاس لمخاوف حلفاءنا المماثلة بشأن الممارسات الاقتصادية السيئة وأستخدام العمالة القسرية وسرقة الملكية الفكرية والعدوانية ليس في المنطقة ولكن في أرجاء العالم ". وكل كلمة في هذه الجملة ليس لها مدلول محدد دقيق يستحق أن يكون أساساً لموقف دقيق . فماذا يعني مثلاً الممارسات الاقتصادية القسرية ...؟  فأنا متخصص بالعلاقات السياسية الدولية ولم أسمع أو أقرأ مصطلح الممارسات الاقتصادية القسرية وهل مارس أحدا غير الولايات المتحدة وحلفاءها ممارسات اقتصادية سلبية ..؟ والعدوانية في جميع أرجاء العالم فهل بالامكان ذكر مكان في أميركا اللاتينية وأفريقيا تدخلت فيها الصين أو روسيا بشكل عدواني ..؟ 

 

الصدام بين الاتحاد السوفيتي والغرب بقيادة الولايات المتحدة كان صراعا آيديولوجياً وبين الرأسمالية والاشتراكية ولكن ما هو سبب الصراع بين الصين وروسيا والغرب ..؟ وكاتب بمستوى هيرش ومجلة بوزن فورن بوليسي تنحدر لهذا المستوى الضعيف في تقديم (argumentation) علمي يقنع القراء وليس طرح لا يرتفع عن مستوى نشرة إعلامية من مستوى إعلام منحدر ونشر مقالة كهذه وفي مطبوع عرف بالرصانة لا يدل سوى على وضع محرج يجد الغرب والولايات المتحدة نفسها فيه بدرجة خاصة . الكاتب يعتبرها خطوة خطيرة جداً أن تعقد الصين اتفاقية مع دولة جزر سليمان لرسو السفن وتقديم الخدمات لها والولايات المتحدة تعتبر هذا توسعا خطيراً ولا تعتبر قواعدها الكثيرة في المنطقة أمراً مقلقا للأمن والسلم . رغم أنها شنت الحروب العديدة في منطقة المحيط الهادئ قديما وحديثاً " الفلبين، اليابان، كوريا، فيتنام، كمبوديا، لاؤوس ". في الولايات المتحدة يعتبرون ان تقدم الصين وروسيا الاقتصادي وفي ميدان التجارة العالمية تهديد وخطر داهم ...! والمقياس في تقييم أوضاع أي دولة هو قبولها بالهيمنة الأمريكية المطلقة وهو ما لا تقبله حتى معظم الدول الأوربية نفسها كفرنسا وألمانيا ... حسناً أن يتيقن الكاتب هيرش وغيره أنهم في الولايات المتحدة الأمريكية ارتكبوا جريمة العصر بتدميرهم العراق بدون سبب وكذلك ليبيا وحتى أمعنوا بتدمير أفغانستان بعدها ليكتشفوا أن كل ما فعلوه كان خطأ فادحاً وماذا بعد ؟
ــ إذا كان طرفا دولياً ينتهج عقيدة مغايرة أو مخالفة للولايات المتحدة، يضع نفسه في موضع الخصوم .
ـــ إذا انتهجت دولة سبيلاً سياسيا / اقتصاديا/ اجتماعياً غير ما تفعله الولايات المتحدة فأنت تضع نفسك في موضع الخصم .
ـــ إذا وجدت دولة مصلحة لها مع دولة لا ترضى عنها الولايات المتحدة فقد وضعت نفسها في موضع المعاداة .

 

والتقرير يشير بوضوح إلى أن احتمالات أن تتجه المساعي الصينية / الروسية إلى إنتاج نظام دولي جديد هو أمر مرفوض تماماً من الولايات المتحدة والنظام الدولي الذي لا تقبل بغيره نظاماً هو ما يضمن أن يكون الدولار العملة الوحيدة للتبادل الدولي وأن تقرر ما يصلح وما لا يصلح من قواعد للتجارة الدولية وسقف القوة العسكرية وبمعنى آخر الهيمنة المطلقة ولا تقبل إلا بالقليل جداً من المشاركة حتى من طرف حلفاءها الغربيين . ويورد الكاتب هيرش مقولات مسؤولين أمريكيين وكتاب ويكتب أحدهم (فيليب زيليكو) مسؤول في إدارة الرئيس السابق بوش الأبن حرفياً " إن الحاجة إلى نظام عالمي دولي جديد هو بكل وضوح هراء وأن النظام الدولي القديم " بعد الحرب العالمية الثانية" ما يزال صالح للعمل رغم بعض الكوارث  كوريا وفيتنام/ وكارثة غزو العراق 2003 ".  ويضيف الكاتب أن تاريخ الولايات المتحدة لم يشهد في مجال السياسة الخارجية  كارثة أكبر من غزو العراق وهي من بين "الذرائع التي اعتمد عليها بوش في حرب أوكرانيا وعلى أحداث ليبيا وسوريا والعراق وهذه جميعها تمت بدون معايير قانونية ". ويعترف ميشائيل هيرش أنه مهما أختلف الرؤساء الامريكان بين جمهوري وديمقراطي فإن الأيادي الآثمة التي ارتكبت تلك الجرائم ما تزال طليقة بل وتواصل الولايات المتحدة المضي في نفي الأساليب المخالفة للمعايير القانونية والدولية والانسانية . ومهما حاولت الولايات المتحدة فإن النظام الدولي الذي تهيمن عليه وتضبط إيقاعه لم يعد تحت سيطرتها وهيمنتها وتتزايد الرقعة الجغرافية التي تفلت من النظام الإمبريالي / العولمي وأعداد البشر على ظهر الكوكب خارج إشعاع سيطرتها التي تتقلص باطراد متواصل ولن تجدي كثير سياسة إشعال الحرائق والشعارات الديماغوجية " حقوق الإنسان الديمقراطية " ففي الواقع ليس هناك من يعادي هذه المثل الإنسانية أكثر من الولايات المتحدة نفسها ومن المستبعد أن تنصت إلى صوت الحكمة  التي يطلقها فلاسفة ومصلحون والازمة الأوكرانية ستكشف حقيقة أن الشعوب التواقة للحرية والعدالة والتنمية بعيداً عن أيادي النهب والاستغلال ويتسع المعسكر المطالب بالتغير ... وليست هناك قوة بوسعها إيقاف عجلة التاريخ .

تعليقات

أحدث أقدم