أمي ..في كل محطة من محطات حياتي

مشاهدات



سحر آل نصراوي 

 

أمي .. الليلة وأنا أتصفح ذاكرتي بحثا عنك ..

 

لم أجد سواك حاضرا وفي كل محطة من محطات حياتي أيا كان ما سأكتبه أو ما سأصفك به .. قد لا يكون منصف ولن يوفيك حقا . لكنني ورغم ذلك سأقوم بالمحاولة ...أنا كنت الثمرة الأولى لاقتران حالمين شاعر وقاصّة جمعهما الحلم.. النضال ..والقناعة التامة بأن السعادة الحقيقية تكمن في المشاركة .

 

ساعات العمل الطويلة استأثرت بجزء كبير من وقت والدي فارتأت والدتي أن تضحي بكل ما حلمت به يوما و تتفرغ لتربيتنا.. تخلت عن عملها .. تخلت عن أحلامها وعن طموحاتها الأدبية والفنية وتفرغت لما اعتبرته مشروع حياتها ابناءها . ربما لن أستطيع أن أحزر تماما ما هو تقييمها اليوم لهذا المشروع والى أي حد هي راضية عما انجزته لكنني لم أرها أبدا تتوان وتحت طائلة أي ظرف في مدة بمزيد من الحب من البذل ومن روحها . أذكر جيدا كيف كانت تجمعنا صغارا في غرفتها وعلى سريرها وهي تتلو على مسامعنا سورة مريم والتي كانت أولى السور التي حفظناها. أذكر كيف كانت توشي مساءاتنا بقصائد من الشعر العربي أذكر أول واحدة قصيدة لأحمد شوقي ... الأسد ووزيره الحمار : 

 

الليث ملك القفار....  وما تضم الصحاري

سعت إليه الرعايا........ يوماً بكل انكسار 

 

الأمر الأكيد عندي هو أنها قد أفلحت في زرع أمر ألا وهو إرثنا من عشقها للحرف وللغة العربية المقدسة . وبما أن فارق السن بيننا وبينها يعتبر صغير نسبيا فقد كبرنا مع بعض سافرنا وغامرنا لعبنا وغنينا وكانت ملقننا الأول لعشق الأساطير التي قصتها على مسامعنا فتجولنا معا على قمم الاولمب . أذكر أنني لم أتجاوز السابعة من عمري حين قصت علينا أساطير اليونان للمرة الاولى ثم الأساطير الفرعونية وتلتها البابلية.... يا إلهي كم كان عملا جبارا ذلك الذي قامت به معنا أعلم حينها أن كل أملها كان أن تؤسس مملكة للعباقرة داخل أسوار مملكتها.. سعت إلى ذلك بكل ما اوتيت من جهد ومن معرفة رغم صغر سنها ... لم تثنها تقلبات الحياة ولا أمزجة الدهر التي تراوحت بين صعود ونزول . والدتي كانت تعمل عمل الإيقاع داخل لحن حياتنا رافق وتضبط وتكسب لأمزجتنا الغير متزنة كثيرا من الاتزان ومن الثبات . هي في الحقيقة لم تكن فقط والدة أما لقد تحولت و في وقت قياسي إلى صديقة رفيقة وهي المعلمة التي نهتدي بخطى أحلامها وإن لم نحقق منها ما يرد جميلها . والدتي امرأة تخلت عن أحلامها وهبتنا اياها واحدا تلو الآخر ونفخت فيها من روحها ومن وجدانها على أمل أن ترانا نتحقق هي والدتي وصديقتي ومعلمتي الأولى ... وهي المناضلة الفنانة  الكاتبة التي تخلت عن نفسها طويلا في سبيل أن ننجز شيئا يذكر .

 

فهل أفلحنا في ذلك .. ؟  لا أعلم لكنني أعلم علم اليقين أنها أعظم هدايانا وأجمل هباتنا وأثمن رفيق لحياتنا . في يوم عيدك أقول أمي حبيبتي جعل الله كل أيامك أعياد والعاقبة لمائة شمعة سعادة وفرح نشعلها سويا . ماما كل سنة وأنت سالمة .

 


 



تعليقات

أحدث أقدم