بقايا أسلحة واعتدة الحرب

مشاهدات


 

ضرغام الدباغ 


بالرغم من مرور سنوات كثيرة على نهاية الحرب العالمية الثانية (8 / أيار / 1945)  باستسلام ألمانيا غير المشروط أمام الحلفاء إلا أن تداعيات تلك الحرب ما تزال تحدث على كافة الصعد ومنها (موضوعة البحث) العثور على أسلحة وذخائر (قذائف صغيرة) وكبيرة ما تزال تمثل خطراً على البشر والبيئة في البر والبحر .

 

ويقذف البحر بين الحين والآخر ذخائر تتمثل بالألغام البحرية وطوربيدات وقنابل ومواد كيمياوية خطرة كالفسفور والنابالم وغيرها وبقاء هذه المواد في البحر يعتبر خطراً دائمياً إذ قد تتعرض للانفجار في كل لحظة فتلحق الأضرار المحتملة بالنقل البحري المدني في الخطوط البحرية بين المدن للدول المطلة على بحر البلطيق (ألمانيا، السويد، النرويج، فنلندة، بولونيا، روسيا، لاتفيا، أستونيا، ليتوانيا، الدانمرك ) وبالبيئة البحرية الحياة البحرية وصلاحية المياه للسياحة وحين تقدر كميات تلك الذخائر بأكثر من مليون ونصف طن (1,600,000) من الذخيرة الحية فالخطر يعتبر كبير ويستحق الانتباه . وهذه الكمية الهائلة من الذخائر تكونت عبر وسائل متعددة جزء كبير منها قامت جيوش الحلفاء من أجل التخلص السريع منها بعد الحرب وفي أيامها الأخيرة وقذفها من السفن إلى أعماق المياه لتستقر في قعر البحر (بأعماق متفاوتة) أو منها ما غرق مع السفن الناقلة لها (سفن حربية، سفن شحن، غواصات) .  ورغم أن الدول المطلة على البلطيق تعتبر دول موسرة ومقتدرة مالياً وتقنياً ومعالجة هذه المخلفات ليس بالأمر الصعب إلا أن الخلاف يكمن في التفاصيل وأسهلها تشكيل لجان فنية مشتركة تتولى معالجة هذه المخلفات وإزالة أخطارها إلا أن الاتفاق على المفردات يبدو صعباً يضاف لذلك الشعور والإقرار بدرجة خطورة بقاءها تحت سطح الماء .

 

كنا في المركز قد نشرنا تقارير عن وجود الذخائر أيضا على البر الألماني وهذه يعثر عليها بالصدف على الأرجح حين تقوم شركات مدنية بأعمال إنشاءات وحفريات فيتم العثور على قنابل ما تزال مدفونة وفي حالة نشطة صالحة للانفجار من مقذوفات طائرات الحلفاء والمدفعية . قضية الأسلحة والذخائر المدفونة في البحر قضية عاجلة تستحق المعالجة وبين فترة وأخرى يحدث ما يكدر الأمن  إذ يجرف البحر بعضا منها إلى السواحل فتنشط دعاوي إزالتها ولكن هذه الدعوات تخمد وتصرف الأموال في مجالات أخرى وتبقى قضية ذخائر ومتفجرات بحر البلطيق تطل بأهميتها كقضية تستحق المعالجة . 

       

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


المقال منشور في صحيفة دير تاغس شبيغل أون لاين

بتاريخ :  19/ نيسان / 2021

المحرر: فيليكس هاكنبروخ

ترجمة  ضرغام الدباغ

بقايا  أسلحة وذخائر الحرب


تحول وجود ذخائر وقنابل حربية في قعر بحر البلطيق والشمال إلى مشكلة تؤرق ألمانيا ففي قعر بحر البلطيق وبحر الشمال ذخائر  يقدر حجمها ب 1,600,000 طن من بقايا الحربين العالميتين  ويقدر الخبراء مخاطر كبيرة من بقاءها وعدم معالجتها . كان ذلك هو الإبحار الأخير للسفينة (SMS Main) الذي قامت به صباح يوم 28 م أب / 2014 وكانت الحرب العالمية الأولى قد اندلعت منذ شهر وانطلقت السفينة التابعة للبحرية الإمبراطورية الألمانية لتؤدي مهامها قبالة الشواطئ البريطانية . وكانت السفينة ماينز قد تلقت الأوامر بالمهمة على خط أبحار بوركوم ولكن قبالة هيلغولاند تلقت السفينة التي يبلغ طولها 130 متراً ضربات نارية طلب قبطان ماينز الدعم الذي لم يصله قط وحوالي الظهر كان الموقف قد غدا عصيباً . واليوم وبعد مرور 107 عاماً البحرية الألمانية تتعامل مع حطام هذه السفينة وبقايا ما لا يقل عن 120 حطام بقايا سفن وغواصات ألمانية من الحربين العالميتين الأولى والثانية والتي ما تزال قابعة في منطقة الخلجان الألمانية والتي ما تزال راقدة في القعر تتعرض للتآكل بفعل مياه البحر وحركة المد والجزر والعلماء يخشون من أضرار بيئية هائلة أما السفن ذاتها فهي المشكلة الأقل أهمية وبعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها وضع الحلفاء (السوفيات، والبريطانيين، والأمريكان) اليد على كميات هائلة من أكداس السلاح والذخائر الألمانية ومن أجل التخلص السريع والسهل منها تقرر إغراقها في بحر البلطيق وتشير أقل التقديرات إلى وجود مليون و600 ألف طن من الذخائر في بحر البلطيق وبحر الشمال وهو ما يعادل وزن برجل إيفل 150 مرة ...! وهذه كمية ضخمة والتعامل معها لا يخلو من التعقيد. ويقول عالم الأحياء المائية ماتياس برينر " أن المواد السامة تتسرب من الذخيرة الغارقة وتتسبب بمشاكل ". ومنذ عام 2011 كان هذا العالم يعمل على هذا الإرث الخطير في قاع البحر في معهد الفريد فيغنر. وفي خلال أسبوع واحد أمضى برينر خمسة أيام مع سفينة الأبحاث  في منطقة الخلجان الألمانية من أجل أخذ عينات من المياه والرواسب من حول السفينة الغارقة SMS" Mainz ". وفي مقدور العلماء من أمثال برينر أن يكتشفوا التأثيرات التي تسببها بقايا الذخائر الحربية إذ يمكن إيجادها في أحشاء الأسماك بالقرب من المناطق التي تتواجد بها الذخائر الغارقة . فقد تم العثور بالفعل على هذه الآثار في أحشاء الأسماك في حوض جزيرة بورن هولمر الدانماركية . ويقول الخبير ماتياس برينر أن معدلات التسمم التي شخصت حتى الآن لا تمثل إلى الآن خطرا على البشر ولكنها مرشحة للتفاقم وجزء كبير من الذخيرة لم يناله الصدأ بعد وبالتالي فإن المواد الكيمياوية لم تتسرب بعد ولكن مياه البحر المالحة تتسبب في تآكل المعدن وتحول الذخائر القديمة إلى قنابل موقوتة في قعر البحر.

 

في مجلس النواب الألماني البندستاغ (Bundstag) وبعد فشل في التوصل إلى مشروع جرت مناقشة لمشروع تقدم به حزب الخصر وحزب الليبراليين يدعو فيه الحكومة الفيدرالية إلى تطوير استراتيجية تضع خرائط جديدة لمواقع الغوراق وانتشال الذخائر . ولأجل هذا الهدف يتعين تأسيس لجنة (مؤسسة)  مركزية تساهم الحكومة بتمويلها بشكل فعال للتخلص من القنابل والذخائر القديمة من الحروب العالمية وهي في الواقع من واجبات الحكومات المحلية . في الجلسة الكاملة لمجلس النواب الاتحادي قالت السياسية شتيفي ليمكي وهي من حزب الخضر  أن الحكومات المحلية للولايات سوف لن تتمكن بمفردها من التصدي لهذه المشكلة وحلها بصفة عاجلة بعيداً عن التوجهات السياسية للأحزاب . فيما عبر النائب اولاف دير بيك عن الحزب الليبرالي عن خطورة الموقف  مشيرا إلى القدرات التكنولوجية في حل مشكلات كهذه وإلى أمكانية الاستعانة بشركات أجنبية . أما عضوة البرلمان الاتحادي أستريد داميو من الحزب الديمقراطي المسيحي  فقد شاركت بأبداء القلق من الحجم الكبير للذخيرة الغارقة (غالبيتها قرب السواحل الألمانية) وأن حل هذه المشكلة هو أشبه بسباق ماراثون ويجب بدء التنسيق مع كافة البلدان المطلة على بحر البلطيق وبحر الشمال . وأضاف زميلها بيتر شتاين في الحزب المسيحي  أن تقسيما عادلاً لتكاليف انتشال الذخائر الغارقة والاتحاد الأوربي ينبغي أن يكون أول المساهمين . وفي النهاية أحيل الأمر إلى لجنة البيئة في البرلمان حيث يخشى أن يكون مصيره كمصير لجنة انتشال ومعالجة الغوارق من السفن والغواصات. أما وزارة البيئة الاتحادية فقد أجابت حين طلب منها ذلك أنها مسؤولة عن الذخيرة الغارقة في البحر ولكن ليس عن انتشالها وانتشال الذخائر سيكون من اختصاص وزارة البيئة الاتحادية مع دمج لقدرات ومساهمة البلدان المطلة على بحر البلطيق وبحر الشمال . يضاف لذلك عدم وجود تقديرات دقيقة  لتكاليف عملية أنتشال الذخائر التي قد تبلغ الملايين  لذلك فإن الرد على الطلب بعمل مؤسساتي  مركزي دائماً  أن هناك العديد من القضايا الإدارية  والفنية يجب أن تدرس بشكل متكامل .

 

تدور الإجراءات بصورة بطيئة جداً في الولايات المطلة على بحر البلطيق وبحر الشمال وتقول وزيرة البيئة المحلية لولاية شليزفيغ هولشتاين لصحيفة تاغس شبيغل " الآن يجب أن نعمل على تطوير استراتيجية واقعية مع الحكومات المحلية للولايات المطلة على البلطيق وبحر الشمال لتنظيف البحر من الذخائر  لذلك فإنها ستعمد تقديم طلب جديد بهذا الخصوص إلى وزارة البيئة الاتحادية . ويؤيد عالم الأحياء المائية ماتياس برينر التعامل النشط سياسياً (بين الحكومات المحلية والحكومة الاتحادية في برلين) ويقول " إننا  الآن بحاجة المزيد من الدعم  والإسراع من أجل أن نشخص مكامن المخاطر البيئية  لنتمكن من معالجتها بسرعة ". ولكن حتى لو تدخل السياسيون  فإن هذا سوف لن يغير من مصير السفينة الحربية "SMS Mainz" التي ترقد منذ عام 1914 في قاع الخليج الألماني وقد تحولت إلى معلم تاريخي وإلى قبر نهائي ل 92 جندي بحار لذلك يجب عدم العبث بحطام السفينة ". 




(الصورة: بحر البلطيق وأطرافه الغربية (بحر الشمال) والمواقع المؤشرة هي للغوارق الألمانية)

تعليقات

أحدث أقدم