اللغة العربية إلى أين ؟ 36

مشاهدات



خليل عيلبوني


الفنان العربي الراحل الدكتور محمد عبد الوهاب كان صديقًا لي وكنت أزوره في بيته في الزمالك وكان يحدثني رحمه الله عن علاقته بالشعر والشعراء وخاصة أمير الشعراء أحمد شوقي ..

قلت له في أحد اللقاءات: لاحظت يا أستاذ محمد أنك غنيت قصائد كثير من الشعراء ولم تقتصر على الشاعر أحمد شوقي .

قال : نعم هذا صحيح فشوقي كان بالنسبة لي صديقاً وكان في الوقت نفسه أميراً لشعراء كبار من الصعب أن نجد لهم مثيلاً في أيامنا هذه مثل إيليا أبو ماضي، الأخطل الصغير، إبراهيم ناجي .. وغيرهم .

 قلت : ومن كان يشرف على تسجيلك لهذه القصائد ليكتشف الأخطاء إذا حدثت؟ قال: كان أحمد شوقي نفسه يهتم بهذا الجانب.

قلت : فلماذا إذاً ذلك الخطأ الذي وقعت فيه في قصيدة الطلاسم لإيليا أبو ماضي ؟

ابتسم الرجل بحب وكنت خائفاً في الواقع من غضبه ورغم أنني لم أوضح تفاصيل الخطأ إلا أن مجرد ذكر قصيدة الطلاسم جعله يعرف ما أعني قلت : أرجو ألا أكون قد أزعجتك. 

قال: بالعكس بل أنت أعجبتني .. فأنا في الواقع اكتشفت ذلك الخطأ منذ قمت بتسجيل القصيدة.. ولكن لم يكن بالإمكان القيام بالتصحيح  فالناس قد بدأت تردد الكلمات كما سجلت وبالخطأ الموجود فيها.. وأجمل ما سمعته في ذلك الوقت عن ذلك الخطأ هو قول أحد الشعراء لي: إذا كان يحق للشاعر ما لا يحقُّ لغيره .. فإنه يحق لعبد الوهاب ما لا يحق للشاعر.. والحقيقة أنني لما اخترت بعض مقاطع قصيدة الطلاسم وجدت فيها لفظاً ظننته في البداية عامياً يقول إيليا :

جِئتُ لا أَعلَمُ مِن أَين وَلَكِنّي أَتَيتُ / ولَقَد أَبصَرتُ قُدّامي طَريقاً فَمَشَيتُ

وسَأَبقى سائِرًا إِن شِئتُ هَذا أَم أَبَيتُ / كيفَ جِئتُ كَيفَ أَبصَرتُ طَريقي

لستُ أَدري

عندما لفظت كلمة قدامي .. قلت.. قد تكون الكلمة فصيحة ولكن أليس من الأجمل أن نقول أمامي وأمامي لها المعنى نفسه لقدامي وقررت أن أغير الكلمة ولم أنتبه إلى أن التغيير الذي قمت به كسر الوزن الشعري وحتى اليوم أشعر بالندم كلما أصغيت إلى القصيدة .

قلت: جلّ من لا يخطئ .

وقرأت في عينيه حزن العظماء.. وأتذكر وأنا أكتب هذه الحكاية الآن عشرات الأخطاء التي يقع فيها مطربونا اليوم وهم يغنون الشعر الفصيح دون أن يرمش لهم جفن أو يهتز لهم ضمير .

وللحديث بقية ...

 

المصدر : البيان


 

تعليقات

أحدث أقدم