أن تكون قائدا

مشاهدات




د. محمود خالد المسافر


ايها الشباب العراقي الواعي أود أن اقص عليكم هذه القصة القصيرة لعل فيها بعض النفع لكم كنت ارافق والدي المرحوم القاضي خالد محمود المسافر باستمرار في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي  في زياراته إلى كبار القوم من شخصيات حكومية وحزبية واجتماعية لا تتخيلوا كم كانت فرحتي كبيرة في كل زيارة ارافق بها والدي أو كلما استقبل مثل هذه الشخصيات حيث كنت اطّلع على أحداث مهمة في تاريخ العراق من أفواه أناس كانوا فاعلين فيها ولم يسمعوها من احد أو يقرأوها في كتاب . 

 

كنت احس في أن العاطفة كانت تأخذ بعضهم في تقييمه لمرحلة ما وتأخذهم في مدح أحد أو ذم آخر كنت أشعر بوضوح أن البعض لديه تقييم مسبق لا يمكن تغييره بسهولة وكلما كنت اجلس مع أناس اكبر عمرا فإنني اصل الى قناعة أن تغيير مواقفهم وآرائهم أمر شبه مستحيل ولا اكتمكم طبعا أنه كان يمر امامي بعض القادة أو المشاهير أو المعروفين اجتماعيا وسياسيا يتصفون بالانصاف أو حد معقول منه وكان ذلك يسعدني جدا بسبب ندرتهم وكنت ادعو الله ان اكون مثلهم إذا اعطاني الله العمر وتقدم بي الزمن وعلى الرغم من أن والدي رحمه الله كان يحدد علي خطوط الخوض في النقاش مع أولئك الذين ذكرتهم لكم بسبب أعمارهم وتجاربهم الكبيرة إلا أنه لم يكن يمنعني ابدا من النقاش لا سيما إذا ما مست مبادئي وقيمي فضلا عن أنني لم أكن أريد أن يقطع الجدال الود بيني وبينهم وبذلك تنقطع الفائدة المرجوة من مجالستهم وبسببهم اليوم أنا أتحدث عن العهد الملكي وكأنني عشته لأنني سمعت الأحداث كما لو كنت رأيتها. واتحدث واسترجع الذاكرة عن عهد الزعيم عبدالكريم قاسم وکأنني شاركت في ثورة تموز أو احداث الشواف وكذلك الحال مع الأزمنة الأخرى . كان للمرحوم والدي صديق عزيز عليه من قادة البعثيين قبل عام 1963 وكان محاميا معروفا وفي ليلة من الليالي كنا سهرانين عند ذلك الصديق وكان يحدثنا عن محاولة اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم في عام 1959 وكانت عيني تذهب إلى صورة جميلة معلقة على الحائط تجمع المحامي بالرئيس الراحل الشهيد صدام حسين وتعود الصورة إلى بداية السبعينيات عندما كان صدام حسين نائبا لرئيس مجلس قيادة الثورة وكان المحامي قد انتبه الى أنني كنت مركزا نظري على الصورة فقال ثم أتوا لي بشاب في مقتبل العشرين من عمره وقالوا لي هذا صدام التكريتي وسألته منين من تكريت ؟ والكلام لا زال للمحامي وكان نظري يتطاير بين المحامي والصورة التي تجمعه بابي عدي ثم استرسل وقال ولم يكن احد يعرفه آنذاك وقالها بطريقة لم تعجبني فقلت بصوت مسموع من قبل الجميع في غرفة الضيوف واليوم بعد ثلاثين عاما تضع صورته في أفضل مكان من الدار ليعلم كل زوارك أنك تعرفه. لاحظت أنا ووالدي أن المحامي تجهم وجهه ثم سأل المحامي كيف ؟ قلت أن الرجل أجتهد على مر ثلاثين عاما ليتحول من شاب ثائر إلى اعظم رئيس جمهورية في عصره يفتخر الناس بأنهم كانوا يعرفونه في سني حياته الاولى فيضعون صوره في دورهم ومكاتبهم أنه فعلا رجل عظيم فقال لي المحامي فهمتك واتفق معك أنه كان مناضلا شجاعا وهو ما أوصله إلى ما هو عليه الآن . كنت حين قد تقدمت إلى وزارة الخارجية لأكون موظفا دبلوماسيا وكان المحامي قد سألني أثناء حديثنا عما آلت إليه أمور تقدمي للوظيفة وعندما خرجنا من داره واوصلنا إلى السيارة همس في اذني رحمه الله قائلا انصحك ألا تكون موظفا كن حرا وانت تعرف الطريق رحمه الله تعالى لا زالت كلماته ترن في اذني .

 

لذلك ايها الشباب الشجعان والواعي كونوا ممن يصنعون التاريخ ويبنون الاوطان ولا تكونوا ممن يتباهون بتاريخ محدود من الإنجازات أو يتباهون بصور تجمعهم مع العظماء كونوا انتم العظماء . 

 

وللحديث بقية..

تعليقات

أحدث أقدم