الحياة صعبت علينا

مشاهدات

سحر النصراوي

 

حين تصير كل مهام الدولة مقتصرة على السمسرة  الوساطة وفي أحيان قليلة تأمين الأمن العام بما يخدم مصلحتها ومصلحة حرفائها . حين يتم استبعادها من كل الخطط الاقتصادية ويصبح دورها مقتصرا على تيسير الظروف الملائمة للقطاع الخاص والمستثمرين الاجانب والانتهازيين فاعلم أن هنالك طبقات من آلاف بل وأحيانا ملايين المواطنين سوف تسحق إما بسطوة رأس المال أو بسطوة سلطة السمسرة التي تقوم مقام الطبيعة في عملية انتخاب طبيعي لن تسمح فيه بالعيش إلا لحرفائها وتابعيهم .

 

كنت في العاشرة من عمري حين استمعت أول مرة إلى نغم بصوت الفنانة امينة فاخت : الحياة صعبت علينا واحنا في عز الشباب .

 

أعحبتني الأغنية كثيرا وسمعتها مرات إلى أن كدت أحفظها لولا أنني أمتلك ذاكرة قصيرة ومنذ طفولتي غير أنها ذاكرة انتقائية . هي انتقائية لأنني مازلت أذكر وحتى الآن ما حركته تلك الأغنية في قلبي من حزن ومن أسف وهي تردد كلماتها . الشاعر لم يكن يتحدث عن نفسه ولا أمينة كانت تنقل مأساتها الخاصة تلك الأغنية كانت صرخة جيل جيل شباب التسعينات . مضى على تلك الأغنية ثلاثون عاما كان فيها الوضع حينها صعبا على الشباب . كنت و أنا استمع إليها آسف عليهم وأتعاطف معهم وكلي يقين أن حال جيلنا ومن كل بد سيكون أفضل بكثير . كانوا جيل الضحايا الاوائل للرأسمالية والعولمة . حينها لم أكن أدرك ولا أعي لماذا ؟ كانت تنزل دمعة من عيني كلما استمعت للأغنية حتى بت أتجنب سماعها لأنها وبمرور الوقت صارت أداة حزن والم يعتصر قلبي كلما سمعتها . فهمت وأنا في العشرينات من عمري أنها كانت بمثابة نداء استغاثة لهؤلاء الضحايا  لكن مع يقين تام  بأن حال جيلنا سيكون أروع من أن يرثى .

 

وصلت الثلاثين وذلك اليقين لم يتزحزح ولا اهتز إيماني قيد أنملة  بأن غدنا سيكون أفضل وأننا سنحقق كل أمانينا . رغم انني كنت أرى وأعي بشكل تام  تخلي الدولة عن دورها في العقد الاجتماعي . انسحابها التام من مهامها أعطى الفرصة كاملة لوحوش رأس المال في تشكيل حياتنا إعادة تشكيل مجتمعنا وتحديد أفاقنا . فإذا كان شباب التسعينات يرى في تلك الفترة نفسه ضحية فهذا صحيح . إلا أنه كان يملك مساحة قليلة من الاختيار والخيار واستطاع أن يحظى بحق العيش . هم كانوا الضحايا ..  أما نحن فقد تم التقرير سلفا بأننا سنكون القربان . هذا ما أدركته اليوم وأنا على مشارف الاربعين حين داعب ذلك النغم بالصدفة مسمعي . حيث بات اقصى مطالبنا وطموحاتنا  أن نعيش دورة حياة طبيعية .