الطائفية

مشاهدات



محمد حميد رشيد


تشكل الطائفية السياسية أحد أهم الإشكاليات وأحد التحدّيات المطروحة على الدولة الوطنيّة وهناك من يسعى بكل قوة لإلباس الطائفية لبوساً وطنياً لتشبث بها وهذا ما يهمنا هنا ولا يهمنا فكرة الطوائف والإيمان بها لأن ذلك يشكل حقاً وطنياً لا شك فيه وحقيقة إجتماعية مسلم بها شرعاً وقانوناً (الأحزاب السياسية) تسعى لتحقيق طموحات الشعب وأمانيهم ومصالحهم وتحقيق الأمان والرفاهية لهم فهم محكومون في الأنظمة الديمقراطية بإرادة شعبهم (ناخبيهم) ورضاهم وكل ما دون ذلك من أهداف يأتي تبعاً لذلك !. بينما تعمل (الأحزاب العقائدية) السياسية وغير السياسية على تحقيق الأهداف العقائدية وكسب الناس لها وإن على الجميع الإنصياع لإرادة (العقيدة) التي هي المرجع وهي المئال وأقصى أمنيات وأهداف الأحزاب العقائدية هي إنصياع الشعب لما تمليه العقيدة وكسب الناس للحزب يعني كسب الناس للعقيدة وكل من لا يؤمن بالعقيدة (عدو) محارب لها يستوجب المحاربة وكل من يؤمن بالعقيدة هو من انصار الحزب ومؤيديه وبهذا يكون (الحزب العقائدي) ممثلاً شرعياً لأبناء العقيدة من عموم الشعب وهو مكلف شرعاً بالبحث عن مصالح ابناء العقيدة (أولاً) !. وإذا ما تعارضت المصلحة العقائدية مع المصلحة (الوطنية) قدمت مصلحة العقيدة !

وهذا يستوجب تقسيم المواطنين إلى (موالين) عقائدياً وغير موالين .

أما القول بعدم وجود تعارض بين الأهداف العقائدية السياسية والأهداف الوطنية فذلك باطل والباس الطائفية لباساً وطنياً غير ملائم لا للطائفية ولا للوطنية ! فالطائفية تميز المواطنين وتفاضل بين الناس على أساس طائفي وتقدم الولاء الطائفي العقائدي على كل الصفات الأخرى فالولاء مقدماً على الخبرة والعلم والوطنية . عكس الوطنية فهي لا تقبل التمييز على أساس ديني أو عرقي أو جنسي أو حتى ثقافي وإن (المصلحة الوطنية) هي الوحيدة التي يسعى لها أي (مشروع وطني) والوطنية تقبل بكل العقائد ضمن المشروع الوطني بلا تمييز ولا تفضيل ولا منع ولا قمع لفكر ما . وإن للأحزاب العقائدية مرجعية عقائدية تحكمها ترجع لها في كل شأن وطني وقد تمتد تلك المرجعيات إلى ما هو ابعد من الوطن وقد يكون هناك تعارض بين المصلحة العقائدية والمصلحة الدينية . لاعيب في أن يكون للأنسان عقيدة أو فكرما أو دين يلتزم بتعاليمه أو طائفة يتبعها وقد تتنوع الأديان والطوائف والعقائد في البلد الواحد بل إن هذا ما تفترضه (الوطنية) في كل المجتمعات وتؤمن بالتعددية في كل شيء في العقائد والقوميات والجنسيات والثقافات واللغات والألوان ولكنهم كلهم متساون في الحقوق والواجبات سواء كانو اقلية أو اغلبية بل لعها تقدم للأقلية الضعيفة رعاية مضاعفة لتقوى وتمارس دورها بلا عقد وبلا توحش بل أن الوطنية تمنع تغول طائفة على أخرى بغض النظرعن حجمها أو قوتها أو اهميتها أو مصداقيتها فهي غير معنية بالمفاضلة ولا التمييز بين الأفكار والطوائف والأديان بل هي ترعى الجميع وتقدم لهم حرية المعتقد وحرية ممارسة الطقوس .

 

وبخصوص الطوائف الدينية (الإسلامية) فإن الإسلام يقر بوجود الطوائف داخل الإسلام (إذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَاۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ.) آل عمران 122. (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ). الحجرات الآية 9. وهذه الآية تنص على طائفتين من (المؤمنين) وهذا إقرار من الله بتعدد الطوائف وتحريم التنازع المسلح بين الطوائف (إقتتلوا) وإن على المجتمع الإصلاح بينهما ونزع فتيل الحرب بينهما وإحلال السلام المجتمعي ولا يجوز أن تبغي طائفة اي (تظلم أو تعتدي) على الأخرى ويجب الإصلاح بينهما بالإنصاف (العدل) دون تمييز واحدة على أخرى إلا بالقانون والعدل حتى تنصاع إلى العدل والإنصاف فإذا كانت هناك طائفة باغية على اخرى ولم تنصاع إلى الحكم العدل وجب على الدولة قتالها حتى ترجع إلى الحكم العدل الذي يصل إليه المحكمون بالعدل . وإن طائفتان من أهل الإيمان اقتتلوا فأصلحوا – أيها المؤمنون – بينهما بدعوتهما إلى الاحتكام إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والرضا بحكمهما فإن اعتدت إحدى الطائفتين وأبت الإجابة إلى ذلك فقاتلوها حتى ترجع إلى حكم الله ورسوله فإن رجعت فأصلحوا بينهما بالإنصاف واعدلوا في حكمكم بأن لا تتجاوزوا في أحكامكم حكم الله وحكم رسوله إن الله يحب العادلين في أحكامهم القاضين بين خلقه بالقسط . وفي الآية إثبات صفة المحبة لله على الحقيقة كما يليق بجلاله سبحانه . تفسير السعديٍ . نخلص من هذا إلى القول إن الطوائف سواء كانت دينية أو غير الدينية حقيقة موجودة في كل المجتمعات مقبولة بشرط عدم إعتداء أو تغول أو بغي على الطوائف الأخرى وهي (الطائفية) عندها تصبح مرفوضة محاربة وتتحول من المقبولية إلى الرفض وبهذا فتلك النظرة قريبة جداً من مفهوم الوطنية التي تمنح حرية الطوائف بالقدر التي تحترم حرية الآخرين .

 

ولقد ذاق العراق منها الأمرين في عامي 2005 و 2006 خلال حكم حزب الدعوة الإسلامي (الطائفي) ولم يفعل الإسلاميون شيء لوقف هذه الحرب الأهلية إن لم يكونوا هم من مسعريه !. ولازالت الطائفية السياسية كاتمة أنفاس العراقيين والطائفية السياسية ناهبة ثرواتهم ومقسمة شعبهم ولم تنجح الطائفية السياسية وخلال ثمانية عشر سنة في إنشاء حكم رشيد يطور العراق ويضمن السلام الإجتماعي ولم ينجح في كل الأصعدة  بل بدأت الطائفية السياسية بالتطور عبر (الأغلبية الشيعية) ناسفة (الأغلبية الإنتخابية) و (الأغلبية البرلمانية) . ولازال العراق يحذو حذوة الطائفية اللبنانية كنظام سياسي طائفي وسيكون مصيره مصير التجربة اللبنانية الطائفية فالعراق مقبل على كوارث سياسية وإقتصادية وأمنية وبيئية ! ويمكن رصد تداعيات غياب المشروع الوطني المدمرة في لبنان وسوريا واليمن والكثير من بلدان العالم . أما في رواندة تلك البلدة الأفريقية غير الساحلية الصغيرة الوعرة جنوب خط الإستواء يعتنق معظم سكانها الديانة المسيحية ولهم لغة رئيسية واحدة ومع هذا دبت الطائفية بينهم حيث جرت حرباً طائفية دموية طاحنة بين طائفتين مسيحيتين هما التوستي والهوتو (هناك طائفة ثالثة التوا كانت معزولة في الغابات) والتي ذهب ضحيتها مئات الألوف من الضحايا الأبرياء وتمتد جذور الحروب الطائفية في رواندا إلى منتصف القرن الثامن عشر سقط خلالها مئات الألوف من الأبرياء قتلا عدا التعذيب والإغتصاب والتهجير والحرق وفي عام 1990 إستطاعت (الجبهة الوطنية الرواندية) غالبيتها من (الاجئين التوستي) القاطنين في البلدان المجاورة أن تنهي الإبادة الجماعية بانتصار عسكري وكان الهاجس الذي يحكم رواندا سابقاً هو (الأغلبية والأقلية الطائفية) ! وما أن قضت الجبهة الوطنية على الحروب الأهلية الطائفية وجرمت الطائفية عم الإستقرار البلاد وأنطلق المشروع الوطني! وتعزز الإقتصاد الرواندي لتصبح رواندا من أهم البلدان النامية في عموم أفريقيا بعد ان كانت مصبوغة بدم الطائفية. ويستند الاقتصاد في معظمه إلى زراعة وأزدهرت السياحة مع إزدهار الآمان وتطورت الصناعة فيها وحلت طبول الموسيقى والرقص الراوندي بدل طبول الحرب الطائفية الوحشية المتخلفة ولازال (نصب نياما) التذكاري للإبادة الجماعية في رواندا يتشكل من الجماجم بشرية من ضحايا الطائفية! ؛وأعتباراً من عام 2000 نما اقتصاد رواندا وازدادت أعداد السائحين وأرتفع مؤشرالتنمية البشرية بسرعة وانخفض معدل الفقر بينما ارتفع متوسط العمر المتوقع من 46.6 سنة في عام 2000 إلى 65.4 سنة في عام 2021 .

 

عسانا نتعلم من الهوتو والتوستي ورواندا ما يحعلنا نرفض الطائفية السياسية بعد أن سئم الشعب العراقي منها وسئم من دعاتها ولم تعد خدع الحكام وأحزاب الفساد تنطلي عليه وأعلن رفضه الواضح لها في الإنتخابات الأخيرة فضلاً عن المقاطين 80‌% من الشعب العراقي لها وهذا يعني كفاكم فساد وفشل وطائفية إرحلوا سئمناكم كرهنا طائفيتكم كشفنا فسادكم وزوركم نريد العيش برفاهية وسلام...

 

تعليقات

أحدث أقدم