مسلسل الاختيار!

مشاهدات

 

ياسر عبد العزيز

 

قبل الشروع في قراءة هذا المقال وجب التنويه أن الشخصيات الواردة فيه هي شخصيات حقيقية منها من مات ومنها من لا يزال ينعم ولا أظنه كذلك بالحياة من دون عقاب ولا حساب في زمان ومكان يتيح أن يرتكب الإنسان جرائم لا جريمة واحدة ويعيش حياته طبيعيا بعد ذلك من دون محاسبة شخصيات هذا المقال لا دخل لها بما كتب السيناريست ولا من أخذ منه الفكرة وأملاها على كاتب الحوار هذا المقال لا علاقة له بمسلسلات رمضان وإن كانت أحداثه تدور في الأغلب برمضان . عزيزي قارئ المقال لو كنت خدعت في عنوان المقال وتنتظر أن تقرأ نقدا عن  ذلك المسلسل الذي  يزيف التاريخ وأصحابه الذين عاشوه على قيد الحياة فلا تكمل فبغيتك لن تجدها هنا .


فهم اللعبة

في مقابلة مع "قناة فرنسا 24" يقول الجندي السابق في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي يهودا شاؤول "خدمت في الجيش الإسرائيلي سنتين و10 أشهر . ظننت فيها أنني أفعل الشيء الصحيح عشت في واقع له منطقه وأفكاره الخاصة ولكن فجأة من منظور خارجي شعرت أن الأمر يبدو خاطئا". ويستطرد شاؤول قائلا "خدمت في الضفة الغربية وتضمنت مهام خدمتي اقتحام المنازل بعد منتصف الليل ومراقبة ردود أفعال العائلات وأنا أعتقل أبناءها لا يوجد جندي إسرائيلي خدم في المناطق المحتلة وبقي مبرئا إذ يتوجب عليه ألا يتعامل مع الفلسطينيين كبشر متساوين معه". الفكرة التي دوما كان القادة يؤكدون عليها مع الجنود الذين يخدمون في مناطق التماس وفي عمق التجمعات الفلسطينية (أن نجعل وجودنا ملموسا) فالمنطق العسكري الإسرائيلي يقول : إن شعر الفلسطينيون بأن الإسرائيليين في كل مكان على مدار الوقت فسيخشون من الهجوم . ويضيف "علينا دوما أن نشعرهم بوجودنا تبدأ الدورية من العاشرة ليلا حتى السادسة صباحا تسير في شوارع تجمعات الفلسطينيين تقتحم منزلا فلسطينيا ومن غير الضروري أن تكون لدينا معلومات عن وجود تهديدات من هذا المنزل أو سكانه أنا قائد الدورية أختار منزلا عشوائيا أقض مضاجع العائلة الفلسطينية أحدث أكبر ضجيج ممكن حتى يسمع جيرانها أصف الرجال في جهة والنساء في جهة أخرى أقوم بتفتيش المكان أصعد إلى السطح وأقفز لآخر أنزل إلى منزل ثانٍ وأوقظ عائلة أخرى". ويتابع شاؤول "هكذا يتكرر المشهد على مدار 24 ساعة في اليوم 7 أيام في الأسبوع لأطبق أنا وزملائي نظرية (الوجود الملموس) فيجب أن يشعر الفلسطيني أن جيشنا "وراء عنقه" لا يعرف متى سنظهر وماذا سنفعل ومتى سينتهي الأمر . علينا إشعارهم بأنهم مضطهدون ولتنفيذ ذلك فعليك دوما أن تظهر شراسة تخلف رعبا ما يعني مزيدا من الأمن أو مزيدا من الأرض بعد أن ييأس الفلسطيني ويترك بيته .

 

اقتحامات.. استفزازات وأشياء أخرى

لا تتوقف الاقتحامات عند بيوت الفلسطينيين وممتلكاتهم بل يبدو أن العقلية "الإسرائيلية" تريد أن تطبق نظرية (الوجود الملموس) على المقدسات فتزامنا مع ظهور نظرية الوجود الملموس في عام 2000 وتطبيقها على الضفة والخليل ففي نفس العام عام 2000 اندلعت شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية من قلب المسجد الأقصى عندما اقتحمه أرييل شارون الذي كان في حينها رئيس المعارضة في الكنيست ممثلا لحزب الليكود لاحظ كان رئيسا للمعارضة ورغم الانتفاضة وما تكبده الفلسطينيون من خسائر في الأرواح قتلاً أو إصابة فإن دماء هؤلاء كانت السجادة الحمراء التي خطى عليها شارون خطواته الثابتة ليكسب ثقة الناخب الإسرائيلي ليصل إلى، شارع بلفور بالقدس الغربية، مقر رئاسة الوزراء "الإسرائيلية" . لقد سن شارون سنة عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم التحرير فقد أشعل شمعة في عقول ونفوس المرضى من سياسيي الكيان المحتل ورسخ فكرة أن منصب رئاسة الوزراء يبدأ من انتهاك حرمة المقدسات واستفزاز الفلسطينيين وهو ما يلقى رواجا لدى المتطرفين الإسرائيليين من اليمين واليسار وكلما رفعت سقف الخطاب ونفذت مزيدا من الانتهاكات ولمحت بما يدغدغ مشاعر تلك الشرذمة الحالمة ببناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى، حصّلت أصواتا أكثر . وهذا ما يمكن فهمه من اقتحام  بن غفير منذ أسابيع واقتحام نتنياهو بعده ليلحقهم وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد الذي يعد الأيام ليستلم منصب رئاسة الوزراء اقتحم منطقة باب العامود بحجة تفقد الجنود فالأول يطمح بالوصول والثاني يطمح بالعودة والأخير يطمح في البقاء . وهكذا أصبحت اقتحامات واستفزازات المستوطنين والقادة السياسيين في الكيان المحتل عادة يومية كل له منها هدف لكن النتيجة في المحصلة صفرية وتدفع إلى مزيد من الدماء .

هل آن لسيف القدس أن يشهر؟

في تقرير للقناة 12 العبرية أكد أن لقاءات أمنية عالية المستوى جمعت قادة أمنيين إسرائيليين وفلسطينيين من السلطة عقدت خلال الأيام التي سبقت شهر رمضان على خلفية مخاوف تل أبيب من تكرار سيناريو شهر مايو/أيار من العام الماضي وضعت خلال تلك اللقاءات مع الفلسطينيين واجتماعات القادة الأمنيين في تل أبيب سيناريوهات للمواجهة المحتملة ولا سيما أن رمضان هذا العام يتزامن مع أعياد يهودية  لذا فإن هذه الاجتماعات ناقشت مدى جاهزية قوات الاحتلال للتعامل مع مواجهات قد تندلع في تلك الفترة ووضعت تدابير على شاكلة منع الفلسطينيين من دون سن الـ45 من الوصول للأقصى وفرض حصار على بعض المخيمات وتكثيف الضربات الأمنية الاستباقية . لكن المشكلة مع كل هذه الخطط تنامي التأييد للمقاومة في غزة ولا سيما بعد عملية سيف القدس العام الماضي التي تركت أثرا غير محدود في نفوس فلسطينيي الضفة والقدس وبلداتها من أن المقاومة هي للشعب ولا تحدها الجغرافيا وبدأت روح المقاومة تدب من جديد في شرايين الشارع الفلسطيني غير المؤدلج وهو ما يشكل عائقا كبيرا أمام الخطط الأمنية الموضوعة لذا فليس من المستغرب أن يهدد رئيس وزراء ألإحتلال بإستدعاء ألإحتياط لمواجهة الخطر المحتمل وليس مستبعدا ما صرح به من دعوة كل من يملك سلاحا في إسرائيل ألا يتركه في هذه الفترة . لقد كانت عملية سيف القدس العام الماضي صاعقة، غيّرت مفاهيم الأمن في تل أبيب فالعملية التي انطلقت على خلفية الاستفزازات التي قادها بن غفير حين نقل مكتبه إلى حي الشيخ جرّاح وعلى السقف على حكومة نتنياهو كي تنفذ إخلاءات لمواطنين فلسطينيين في الحي أشعلت شرارة المواجهة وحركت الجماهير الفلسطينية في الداخل والضفة لذلك فإن تصريحات إسماعيل هنية أن كل الاحتمالات مفتوحة تؤخذ على محمل الجد من قادة الاحتلال لكن ما يربكهم حقا، هي تلك العمليات النوعية التي ينفذها من تطلق عليهم قوات الأمن الإسرائيلية "الذئاب المنفردة" . فقد صرح أحد قادة المخابرات الإسرائيلية للصحفية ميلاني سوان من صحيفة "التايمز" البريطانية بأنه لا يمكنهم تحديد سلسلة "القيادة" "فهناك القليل ممن لا يزالون يتعاطفون مع هذه العقلية وربما التقى القليل منهم في سوريا ولكن هذه ليست صحوة لداعش في إسرائيل". إذن فالأمر لم يعد يحتاج إلى سيف قدس جديد فالسيف ذهب إلى أيادي الفلسطينيين في الضفة والداخل بالقدس وبلداتها .

لقد كان الفلسطينيون يأملون أن يكون رمضان هذا العام مختلفًا وأقل توترًا من رمضان الماضي لكن حكومة الاحتلال برئاسة بينيت والطامحين من السياسيين في حكومته أو خارجها يأبون إلا أن يكون رمضان بغير الشكل الذي يريده الفلسطينيون ففي ظل هذا المسلسل من الاستفزازات والانتهاكات لم يترك الاحتلال للفلسطينيين الاختيار ولم يعد لدى الشعب - الذي يأبى إلا أن يغير مفاهيم الاحتلال عن الإبادة الجماعية والإحلال- سوى أن يقاوم ليكتب فصلا جديدا في كتاب مجد هذه الأمة التي تمرض ولا تموت .

 

المصدر : الجزيرة - نت

 


تعليقات

أحدث أقدم