القوي الاحمق والضعيف الذكي

مشاهدات



ضرغام الدباغ


كم شاهدنا في الأفلام وقرأنا في القصص والأساطير أن على القوي أن لا يغتر بقوته فليس القوي من يفوز في ختام الصراع  بل من يخوض النزال بذكاء ولا يلعب وزنه وضخامته في نتائج النزال النهائية إلا دورا يسيراً . العبرة في الأمر أن القوي يعلم قدراته وقد يبالغ في الاعتماد عليها وربما هو محق بعض الشيئ فالقوة وإدراك أبعادها أمر مهم  في توازن القوى ولكن تجاهل المعطيات الأخرى هو الخطأ الذي قد يكون مميتا . 

 

وتروي لنا القصص والأساطير النزال الذي دار بين داؤود الصغير ولكن الشجاع الذكي وجوليات العملاق القوي ولكن المغرور الغبي .. والأسد القوي الذي أحتاج لفأر أن ينقذه من الحبال التي تكبله والسلحفاة البطيئة الذكية وكيف انتصرت على الأرنب السريع ... وأخيرا وليس آخرا قصص القط / الهر توم والفأر جيري وفي 161 نزال (عدد الصادر من هذا المسلسل الفذ) يفوز بها جيري الصغير الأريب بذكاءه .. ويخسر توم القوي بحماقته .. ماذا تريد الأسطورة أن تنبأنا ... وما هي العبرة ...؟ في الطبيعة كما في الأسطورة الفأر حيوان صغير ضعيف جداً بحيث ينفق بضربة أصبع لا غير هو الفريسة المفضلة للصقور والبوم  وللثعابين وعرضة للقتل حيث يوجد سواء في البيوت أو في الحقول وتتفنن الدول والمنظمات في مكافحته ولكنه مع ذلك متواجد بقوة في المجتمعات على اختلافها المتقدم منها والمتخلف ومن المدهش أن الفئران تعتبر حيوان التجارب الأفضل للمواد المختبرية والدوائية . إذ كان من الصعوبة أو المحال تقريباً أن تقنع القوي نسيان هذه الميزة المهمة (القوة) أو التنازل عنها ولكن لنتقدم للقوي الاحمق بنصيحة : عليه أن يتذكر أن إستخدام القوة هو من أجل تحقيق نتائج عادلة فقط  وإلا فإن القوة ستصبح غاشمة وبصفة أخرى همجية ووحشية وتدخل في إطار عملية باطلة من ابتداء من مبادئها وانتهاء بنتائجهاة. والتعامل مع هذه الواقعة فهناك من الحيوانات المتوحشة في الغابات من تتصف بالقوة الفائقة ولكن هذه القوة لا تمنع في ختام الأمر من اصطيادها لفراءها أو على سبيل المتعة ..! القوي في الحسابات السياسية عليه أن يفكر ملياً أن تحالف قوى أقل قوة منه تخلق قوة يمكن أن تردعه أو أن ترد كيده إلى نحره  فتبوء خطط بالفشل وإذا فكر بعمق وأستمع لرأي العقلاء والحكماء لربما سيتمكن من رؤية عاقبة أعماله قبل الشروع بها . حسناً .... القوة ضرورية ولكن الأهم والأكثر ضرورة تكمن في حسن استخدامها فعدالة الموقف تمنح قوة إضافية وهي الحاسمة في النزال واستخدام القوة . القوة تغري على التهور والقوي يعتقد أن بوسعه اختصار مسافة ومساحة من التفكير وحشك الأصدقاء وإقناع الأعداء وبذل جهد والمحاورة والمناورة أو وربما حتى التنازل قليلاً لتجنب النزال المجهول النتائج .. فقد تزل قدم من يتصارع بسبب أرضية ساحة المنازلة .. أو بسبب موقف الجمهور من المتفرجين .. أو في تجهيز الغذاء والمؤن أو بسبب وباء قد يلحق به . إذن ليبذل جهدا ووقتاً وليتجنب النزال رغم أنه الأقوى... بالعضلات (البدنية : أو السياسية والاقتصادية والعسكرية) ولكنه إذا أستخدم عقله سيكون أقوى بكثير ....! 

 

في السياسة أثبتت تجارب الحياة أن استخدام القوة إن توصل إلى تحقيق انتصار فغالبا ما يكون هذا الانتصار مؤقت تعقبها خسارة بمعنى الاندحار أما من يستخدم الحكمة والعقل فإنه سيتوصل إلى نتائج مستقرة ولو أن لا شيئ في الحياة عرضة للتغير دون توقف كالسياسة . ولكن الحكيم من يتوصل إلى فهم قوانين التطور التاريخي ولا يقف بوجه التغيرات الحتمية فيتلائم معها بناء على فهم دقيق للمعطيات الجديدة وعلى سمت التحولات المقبلة . القوة حق ... والحق قوة وكقاعدة أكيدة أن تستخدم الحق وفق المعقول والمقبول والفقه القانوني ينص : على لا إفراط ولا تعسف في استخدام الحق  وعلم السياسة يقول أن لا يجوز أن تحقق مكاسب شرعية بأساليب غير شرعية وتذهب الأخلاق على نحو مقارب لا يجوز أن تحقق تقدما بوسائل غير شريفة . وقواعد الشرع تنص لا يمكن تحقيق منعة شرعية بوسائل محرمة  العدوان فعل مدان أخلاقيا وقانونيا وسياسياً . وينص القانون الدولي  لا يمكن الاعتراف بمكاسب تحقق بواسطة العدوان .

 

تعليقات

أحدث أقدم