عالم التفاهة !

مشاهدات




محمود الجاف

 

أدركنا فجأة إننا دخلنا في عالم غريب . كأننا إنزلقنا في هوة عميقة أو حفرة سحيقة . دنيا غير ألتي كنا نعيشها . لها أبعاد وقوانين لم نألفها من قبل . كل شيء فيها أصبح تافها وبلا قيمة . تساقطت كل الرموز . الكلُ اصبح بلا مبادىء . بلا طعم ولا لون ولا رائحة . بتنا نشعر بالضياع ولا ندري ماذا نفعل . 

 

إنهُ عالم التفاهة ... العالم الذي تحدث عنهُ الفيلسوف الكندي آلان دونو في كتابه ( نظام التفاهة ) النظام الذي سيطر على جميع مفاصل الحياة حتى بتنا نكافىء الرداءة بدلاً عن المُثابرة والجودة في العمل . المُخلصون ألذين دفعوا دمائهم ثمن حرية شعوبهم ضاعت آثارهم في متاهات ألأيام ونسائهم يبحثنَّ عن ألطعام في حاويات ألنفايات في دول ألمهجر وألفنانات يُمنحنَّ ألإقامات ألذهبية ألمغلفة بلعاب الشهوات وأواني الخرفان وصحون العسل . العملاء صاروا وطنيين وألإمعات قادة وأصحاب ألسيادة وألعلماء فقراء وألسراق أغنياء كالعادة . عالم أليوم هو ألذي صنعه ودفعه ليسود ويُسيطر ولهذا أينما نولي وجوهنا نجد مصانع للتفاهات . وما ترونه ألآن ماهو إلا نتاج كل ما ذكرت . آباء وأمهات وإخوة وأخوات ورؤساء وملوك تافهين . وزراء سُراق تافهين . ضباط لايعرفون معنى الضبط وأساتذة ومُعلمين بحاجة إلى تعليم وأطباء وصيادلة لايفهمون من مهنتهم إلا جمع ألنقود ورجال دين وشيوخ لاعلاقة لهم بأي دين أو مشيخة . أفكارهم وشخصياتهم وعوائلهم وبيئتهم وأصولهم كلها تافهة . 

 

كيف سيكون المُستقبل ؟
ألموظف صار عبدا ليس عليه سوى تنفيذ ألأوامر مُقابل أجر محدد . بات يحلم بألحصول على راتبه الشهري . وألنقود هي معيار ألنجاح وكثرتها هو شرط الرقي . حتى ألحب بات يُشترى والسيارات الفارهة والجيوب المُنتفخة تؤثر في إرتفاعه وإنخفاضه . ويُمكنك ان تُنتج تفاهة تناسب قدراتك ولا تفكر في كيفية بيعها فهنالك شبكة كبيرة من التافهين في العالم سيروجوها لك دون ان تطلب . ليس عليك سوى جمع المال بغض النظر عن الوسيلة . وأسهلها هي الوصول إلى الأضواء والشهرة والحصول على جحافل المتابعين من ألإمّعات .. ألظاهرة ألمغرية لكل شاب يبدأ حياته . لماذا عليه أن يدخل المدرسة . طالما أن الطريق نحو الثراء والقوة لا يتطلب مؤهلات ولا شهادات ولا خبرات بل مهارة وقدرة في صناعة التوافه من ألأفكار وألمشروعات وألأفلام وألمسلسلات وألأغاني ألتي يتلقفها ألمُستهلكون ألراغبون في بضاعتك الجديدة ! إن تفحصت عالم ألثقافة أليوم ستجده مليئاً بهذه النماذج ألتي عليها إقبال غريب . والأمر يتكرر في عالم ألفن والسينما وحتى الرسوم المتحركة . وفي عالم ألبحث العلمي حدث ولا حرج وما عليك إلا أن تتفرج على الدمى ألتي تجوب مسارح ألحكومات وسترى ألنماذج ألتي جعلت مواطنيها يفضلون ألموت على أن يبقوا في بلدان فيها هذه الوجوه العفنة . 

 

السؤال المهم ألآن : من ألذي يقف وراءهم ؟
من هم الذين هدفهم كسر القيم والمعتقدات والأعراف وجعل الحياة بلا ضوابط ولا حواجز ؟ من الذي لديه المصلحة في دفع المُجتمعات الى الانقياد الأعمى نحو هذا العالم عبر تزيينه وتيسير الولوج إليه ؟ صوروا لهم أن الحياة سهلة يسيرة ولاداعي لإضاعة مُتعة الاستمتاع بها! ... من له المصلحة في ان تسير قافلة من الجمال في شوارع بغداد العلم والعلماء والحضارة والرقي ؟ ... وان يتبرك الانسان الذي ميزه الله واكرمه بالعقل بهذه الحيوانات ويعتبرها تقربا الى رب لايدري به اين ؟ أو يدعوا ويتوسل بميت لم يقوَ على حماية نفسه وانقاذها من الهلاك ؟ أو يُقدس قردا يرتدي زي الرجال . لايقوى على لفظ جملة صحيحة مفيدة واحدة ؟ يخرجون نسائهم عاريات ويزينوهنّ كانهن جاريات وهنَّ في لغوهنّ وحياة الممثلات لاهيات . وعندما تتحدث معهم وتنصحهم تسمع منهم الفاظ مخزية كلها تشويه ومغالطات تخجل من قولها حتى العاهرات . وقد تذوق منهم اشد العذاب . بحجة انك بعثيٌ او داعشيٌ او تريد ان تعمل انقلاب . ويزيدون على أنها حريات شخصية وتطور وثقافة وربك نسوه من زمان ولا احد يخافه .  

 

حتى وإن كانت مُنتجات بعض الشركات مؤذية وتضرب الذوق العام وتدفع به الى الحضيض وكل الآراء والتقييمات عنها سلبية لا يلقى لها بال . نحن عملياً نعيش عصر الرويبضة الذي حذرنا منه النبي صلى الله عليه وسلم القائل : “ سيأتي على الناس سنوات خدّاعات يُصدق فيها الكاذب ويُكذّب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخوّن فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة . قيل : وما الرويبضة؟ قال : الرجل التافه يتكلم في أمر العامة ”... ألم تخرج آلاف الرويبضات تتحدث بلا علم ولا فكر ولا قيم أو أخلاق ؟

اليس هذا هو فعلاً عصر التفاهة ..

فماذا انتم فاعلون؟

 

تعليقات

أحدث أقدم