هل باع أردوغان القضية الفلسطينية ؟

مشاهدات


ياسر عبدالعزيز


رغم مرور أيام على زيارة رئيس الكيان المحتل لفلسطين إسحاق هرتسوغ لأنقرة  فإن الجدل لم يتوقف بين غاضب ومستنكر ولاعن وبين من يصطاد في الماء العكر وبين مدافع  ومبرر ومتزلف ولأن حرية الرأي مكفولة بموجب القوانين والدساتير ومنصوص عليها في المواثيق الدولية ولأنها أحد المطالب التي خرجت من أجلها الثورات ولأننا نؤمن بحرية الرأي ونراها المقومة والمصوبة للسلطة فإننا لا نرى مانعا من أن يدلي كلٌ بدلوه مع النظر من أي رافد ملأ .

 

وحتى لا ننسى فإن زيارة هرتسوغ هي الأولى لرئيس كيان الاحتلال إلى تركيا منذ 2007 وحتى لا ننسى فإن هذا التاريخ هو بدايات حكم حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي بدأ عهدته في 2002 وانكب على الداخل مع تطمينات للخارج ليكسب ثقة  الداخل والخارج  من دون أن ينسى القضية الفلسطينية التي حاول أن يكون داعما ناعما لها ففي في أوائل عام 2006، تم تطوير منطقة صناعية بين تل أبيب والسلطة الفلسطينية تحت رعاية تركية كوسيلة لفتح مجال اقتصادي يضخ موارد للخزانة الفلسطينية  لكن الانتهاكات المستمرة من الاحتلال واندلاع العدوان على غزة في 2008 كان فارقا لتحول العلاقات على الرغم من تنديد تركيا سابقا بسياسة الاغتيالات التي تنتهجها تل أبيب بعد اغتيال الشيخ أحمد ياسين إلا أن الحرب الشرسة التي شنها الاحتلال على غزة كانت مفصلية والتي لحقها حصار كامل على القطاع فرضه المجتمع الدولي من أجل عيون المحتل لتتخذ تركيا العدالة والتنمية مواقف أكثر شدة كان أظهرها موقف الرئيس أردوغان في منتدى دافوس حين ترك المنصة بعد كلمة رئيس وزراء الكيان المحتل وغادر اعتراضا على قتل جيشه الأطفال في غزة كما صرح قبل المغادرة . بعد هذا الموقف أتى حادث أسطول الحرية الذي أجج الخلاف وفتح الباب أمام تركيا لأن "تُركع" عجرفة تل أبيب وترغمها على دفع تعويضات وتجبر رئيس وزرائها المغرور نتنياهو على أن يعتذر بعد أن طردت تركيا سفير الكيان وليس مصادفة أن يعترض رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض على الخطوة . ولم يتوقف التصعيد عند هذا الحد بل اتهم الرئيس أردوغان الاحتلال بالوقوف وراء الإطاحة بالرئيس المصري المنتخب محمد مرسي كما أن تقارير صحفية تحدثت عن ضلوع تل أبيب بشكل غير مباشر في محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا 2016 . ولعل القائمة تطول في مواقف وقفت فيها تركيا ضد الكيان وسياساته بل وضد الداعمين للكيان ولعل من المواقف المهمة والريادية موقف تركيا من اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال وهو ما وقفت ضده تركيا مما أحرج الصامتين من العرب وجامعتهم المبنية بالأساس لدعم القضية .

 

كيف ينظرون لتركيا ؟
قبل أن نذهب إلى نظرة الداخل في الكيان المحتل لزيارة رئيسهم لأنقرة دعونا نقف قليلا عند صورة تركيا العدالة والتنمية لدى قيادة الكيان . فعلى موقع تويتر في إحدى تغريداته وصف رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو الرئيس أردوغان بأنه أحد أكبر مؤيدي حماس وكتب أيضا : وفي 2017 أدان نتنياهو عملية درع الفرات التركية في الشمال السوري وحذر من "التطهير العرقي" للأكراد من قبل تركيا وقال إن إسرائيل ستقدم مساعدات إنسانية للأكراد في أغسطس/آب 2020 وبعد حرب قره بارغ صنف رئيس الموساد يوسي كوهين تركيا علانية على أنها تهديد جديد للسلام في المنطقة أما وزير دفاع الاحتلال بيني غانتس فقد اتهم أنقرة بإشعال الحرب في المنطقة . نظرة السياسيين والكتاب في كيان الاحتلال لعلاقاتهم بتركيا العدالة والتنمية لم تختلف حتى بعد الزيارة التي قام بها رئيسهم لأنقرة فالكتابات والتحليلات التي تخرج من تل أبيب متحفظة إلى حد بعيد رغم محاولات بث الأمل في علاقات دافئة مع أنقرة وهي الطريقة المعروفة عن الساسة والكتاب في الكيان لتسقيط خصمهم بشكل ناعم فقد عنونت صحيفة هآرتس العبرية صفحتها الأولى بتصريح لرئيس الكيان :


في حين كتب الكاتب الشهير ناحوم برنيع في صحيفة يديعوت أحرونوت مقالة بعنوان "اختبار زيارة هرتسوغ لتركيا هو موقفها تجاه صالح العاروري" يؤكد فيه أن الزيارة ستؤتي ثمارها إذا ما طردت تركيا رجال حماس من أراضيها وهو ما دفع باتجاهه خبر نشرته القناة 13 العبرية لتكمل دورها في جوقة التخويف والحرب النفسية التي يتقنها الإعلام العبري المربوط استخباراتيا بدوائر صنع القرار بأن لقاء غير رسمي عقد بين قيادات بحماس والقيادة التركية وأبلغت الأخيرة قيادات حماس الموجودة على أراضيها بضرورة المغادرة وهو ما تأكد لنا عدم صحته لكن الأمر في النهاية حرب خفية لاستثارة الموالين قبل المعارضين .


مساحات الحركة وظروف القرار
والسؤال : مع كل هذه الملابسات لماذا يفتح باب لتطبيع العلاقات بين تركيا العدالة والتنمية وتل أبيب الآن ؟
والإجابة تطول ولكني أحيلك إلى مقال (الشرق الأوسط الجديد الذي يرسمه بايدن) كنظرة على ما يتم في المنطقة كما أدعوك لقراءة مقال (أردوغان وحرب الاستقلال الجديدة) لتقف على الوضع الداخلي في تركيا لعل الصورة تكون أكثر وضوحا . لكن علينا أن نوضح أنه في غضون عام ستدخل تركيا في انتخابات يراها الكثيرون مفصلية لما تمثله الظروف التي ستعقد فيها من ضغوط كبيرة على الجميع يتحمل عبئها الأكبر الحزب الحاكم بطبيعة الحال فالحرب الأوكرانية وتداعياتها على النفط والغذاء والحرب الاقتصادية التي تعيشها تركيا منذ محاولة الانقلاب الفاشلة والانكماش العالمي وما رشح عنه من أزمة اقتصادية عوامل مؤثرة لا شك على قرار تركيا المضي نحو سياستها الأولى "صفر مشاكل" فلكل مرحلة سياساتها والظروف تحدد القرار ومساحات الحركة تدفع للمضي نحو المتاح والمراقب للكلمة التي ألقاها الرئيس أردوغان في حضرة ضيفه يرى أنها اتسمت بالقصر وتركزت أكثر على ما يمكن أن تتيحه علاقات أكثر انفتاحا على المستوى الاقتصادي لاسيما وأن أزمة غاز شرق المتوسط لو حلت سيكون لها عظيم الأثر على الاقتصاد المرهق ثلث ناتجه المحلي بشراء الطاقة . شهور قليلة تفصل تركيا العدالة والتنمية على انتخابات تؤثر فيها التوازنات الخارجية بقدر لا يبعد كثيرا عن التوازنات الداخلية والأثقال النسبية التي يجب أن تراعى لدخول المعترك الانتخابي بدعم جماعات لها ثقلها في المجتمع والأهم هو إرضاء المترددين وهم السواد الأعظم في كل المجتمعات، فلطالما استطاع العدالة والتنمية كسب ثقة هؤلاء بالإنجازات الخدمية وتوفير وتيسير سبل العيش وكل ذلك يحتاج مزيدا من الدعم المالي لا يتوفر إلا بعلاقات اقتصادية جاذبة تخدمها علاقات سياسية هادئة مطمئنة وبين هذه المعادلة وعناصرها فالمرحلة تحتاج عقلا أكثر وعواطف أقل وقدرة أكبر على المناورة وبعد أن تمر المرحلة سيكون لكل حادث حديث .

 

المصدر : الجزيرة

تعليقات

أحدث أقدم