د. محاضير محمد والاعتراف بالاحتلال الأمريكي للعراق

مشاهدات




محمود خالد المسافر


اكتب اليوم لكم وانا ادعو الله تعالى أن يشفي الإنسان الدكتور محاضير محمد وهو يرقد في مشفاه في مستشفى القلب التخصصي في كوالالمبور اكتب اليوم عن بعض مزاياه وأفعاله العظيمة لعلها تكون وسيلة وشفيعا لشفائه .

استلمت مهام وظيفتي قائما بأعمال سفارة العراق في كوالالمبور بتاريخ الثالث والعشرين من شهر أيلول/ سبتمبر من عام 2003 بعد يوم كامل من الشد والجذب بين القائم بالأعمال السابق لي وهو السيد صباح الكربولي الذي أصبح في السنوات اللاحقة مستشارا في رئاسة البرلمان العراقي وبين مركز وزارة الخارجية التي ارسلتني قائما بالأعمال على ان يكون السيد صباح الشخص الثاني وعملا بنصحية والدي لي التي ارسلها لي برسالة مكتوبة بخط يده لا زلت احتفظ بها وفحواها أن أتفهم تعنت من اجلس محله واستقبل مقاومته لقرار استبداله واستوعبه والا اسمح للاحتلال أن يلعب لعبته بيني وبينه استلمت فعليا مهام عملي في الثالث والعشرين من ايلول/ سبتمبر ولم يكن يفصلني الا ثلاثة أسابيع عن انعقاد القمة العاشرة للمؤتمر الإسلامي في ماليزيا والذي انعقد في قاعات قصر بتراجايا للمؤتمرات وقد أبلغت من بغداد أنني ينبغي أن اهيئ الأمور لوفد كبير يأتي من بغداد .  كانت ماليزيا قد قطعت العلاقات مع بغداد ومع السفارة العراقية بسبب الاحتلال الامريكي ولم تعترف الحكومة الماليزية بسلطة التحالف المدني في بغداد كتبت رسالة إلى مكتب رئيس الوزراء وكان آنذاك الدكتور محاضير محمد شرحت فيها له ماذا يحصل في العراق بعد رسالتي مباشرة حضر إلى السفارة شخص ماليزي اسمه (ش أ) أخبر الاستعلامات أنه صديق العراق وأنه يريد أن يتحدث معي حضر إلى مكتبي ودار بيننا حديث طويل فهمت منه أن  له صلة بمكتب رئيس الوزراء وان لم يقلها بصورة مباشرة  وقال لي ماذا تريد بالضبط  قلت له اريد أن تفهم الحكومة الماليزية ما يحدث في العراق وباعتبار أن دولة ماليزيا صديقة للعراق ولديها مصالح مشتركة معه فمن واجبنا أن نوصل الحقائق كما هي للسيد رئيس الوزراء .

لا شك أن في هذا العمل خطورة كبيرة ليس على وظيفتي فانها لم تعد تهمني في ذلك الوقت ولكنها خطرة علي وعلى اسرتي الصغيرة في ماليزيا وأسرتي الكبيرة في العراق لأن الطريق الذي أريد السير فيه ليس معبدا وانما مليء بالاحجار والمطبات قال لي اكتب رسالة تفصيلية قلت له أنا كتبت رسالة سابقة ارسلتها مباشرة إلى مكتب السيد رئيس الوزراء متجاوزا وزارة الخارجية حتى لا احرجها في وقت صعب ومع اقتراب انعقاد قمة المؤتمر الإسلامي العاشر وما لم احصل على رد على تلك المخاطبة فلن اكتب شيئا جديدا تواعدنا في اليوم التالي لنرى السكرتير السياسي لرئيس الوزراء وقال انا مكلف من قبل السيد رئيس الوزراء للتواصل معك وتنفيذ مطالبك ولكن تذكّر أن العلاقات بين العراق وماليزيا مقطوعة بسبب الاحتلال  زودت مكتب السيد رئيس الوزراء الماليزي بأهم المستجدات في الساحة العراقية وكانوا دائما يسألون عن الرئيس صدام حسين الذي كنت أؤكد لهم أنه بوضع جيد ويقود المقاومة ضد الامريكان .  بعد عشرين يوم من وصولي إلى ماليزيا وصل إليها وفد كبير ترأسه الدكتور اياد علاوي الرئيس الدوري لمجلس الحكم وضم الوفد كل من نصير الجادرچي ومحمود عثمان وعزالدين سليم الدكتور ومحسن عبدالحميد وهوشيار زيباري  وحضر كذلك من وزارة الخارجية كل من موفق مهدي عبود السفير زيد عزالدين رياض الفضلي وعبد الرسول علوش وساكتب في القادم من الايام عن تفاصيل هذا الوفد والعلاقات بينهم وادوارهم  كان هدفي الأساسي الذي وضعته لنفسي هو أن امنع رئيس الوفد الدكتور اياد علاوي من أن يقرأ كلمته  وكان لدى رئيس وأعضاء الوفد هاجسا واضحا بأن ماليزيا بوجود الدكتور محاضير محمد دولة ليست صديقة للعراق في ظل الاحتلال او كما كانوا يسمونه العراق بعد "التحرير"  وكنت أنا أحاول أن أثبت هذا الأمر في عقولهم وضمائرهم صادفتني الكثير من الأحداث مع عدد من أعضاء الوفد الذين لم يثقوا بي بسبب المعلومات التي يعرفونها عني ولكن ساعدني في المرور بين مطباتهم اولا أن رئيس الوفد وضعني هدفا لأنضم إلى الوفاق وثانيا ان نصير الچادرچي كان صديق دراسة لوالدي واخيرا ان موفق مهدي عبود وهو الموظف الأقدم بين من مثل وزارة الخارجية يتصف بدماثة الخلق وعدم العدوانية مع موظفي الخارجية من عهد ما قبل الاحتلال يومان من النقاش كان يكتب اياد علاوي خلالهما كلمة يريد أن يقول فيها ما يطمئن القادة والملوك والرؤساء الحضور على الرغم من أنه كان دائما ما يكرر عبارة ان الامريكان سيؤثرون على اغلب الدول في المؤتمر الإسلامي لقبول تواجد العراق وحضوره  في هذه المنظمة . قاد اللوبي لصالح الكيان الجديد بعد الاحتلال كل من الكويت وإيران ومن خلف الكواليس كل من أميركا وبريطانيا كنا نرى المجاملات الفارغة واضحة من قبل قادة الدول الذين التقاهم اياد علاوي وقد حضرت أنا كل هذه اللقاءات أثناء انعقاد الاجتماعات كان نقطة تواصلي مع وزارة الخارجية هو (أ. ف. ع. ج) وهو ثالث رجل في وزارة الخارجية ورئيس الجهاز الفني فيها وكان (ش. أ) حاضرا أيضا . 

 

طرح أحد أعضاء الوفد مسألة أن كلمة رئيس الوفد يجب أن تكون من بين كلمات الملوك والرؤساء لان موقع رئيس مجلس الحكم هو أعلى سلطة في الدولة وكان رايي أن هذا لا يمكن أن يحصل وتحدثت لهم عن تجربتي في مصر قبل شهرين من ذلك التاريخ وكيف أن الرئيس المصري لم يستقبل الوفد العراقي برئاسة ابراهيم الجعفري بل استقبلهم مستشاره السياسي الدكتور  أسامة الباز فقال لي اياد علاوي وماذا تقصد أننا لن نتمكن من إلقاء كلمتنا ؟ وهدد الان اترك ماليزيا واعود للعراق وقال باللهجة العراقية (وخلي الامريكان ينجازون وياهم) بعدها مباشرة طلبت رؤية ممثل مكتب رئيس الوزراء وكذلك الشخص الثالث بوزارة الخارجية وابلغتهما أن رئيس الوفد الذي يمثل سلطة الاحتلال يهدد بكذا إذا لم يعط الفرصة لإلقاء كلمته في الوقت المخصص للرؤساء والملوك فقال ممثل الخارجية الماليزية هذا لا يمكن ولكننا نستطيع أن نضع كلمته قبل وزراء الخارجية لبعض الدول التي يترأس وزير الخارجية وفدها إلى مؤتمر القمة  قلت لهم أن هؤلاء لا يحق لهم أن يلقوا اية كلمة وان وجودهم واستقبالهم اصلا غير صحيح  وقد يرى الناس أن ماليزيا قد أُجبرت على الاعتراف بالأمر الواقع وهو ما يخالف وجهة نظر الدكتور محاضير محمد . بعد نقاش لمدة نصف ساعة طلب ممثل مكتب رئيس الوزراء أن ياخذ رأي رئيس الوزراء  بعد ساعة رن هاتفي وكان على الطرف الاخر ممثل مكتب رئيس الوزراء أجبته نعم .. قال نريدك أن تأتينا إلى الجناح المخصص لرئيس الوزراء في فندق قصر الخيول الذهبية الذي سكنت فيه الوفود كلها وهو من ارقى الفنادق في ماليزيا يبعد عن كوالالمبور ب 12 كيلو مترا باتجاه العاصمة الإدارية بتراجايا ويقع الفندق على بحيرة اصطناعية جميلة ورائعة ويقابله من الجهة الأخرى للبحيرة منتجع الماينز السياحي ذهبت فورا والتقيت الدكتور محاضير محمد لأول مرة وجها لوجه فوجدته هادئا متفهما وقال اريد أن أسألك هل انت دبلوماسي من عهد صدام حسين ؟ قلت نعم داتو سري وهو اللقب الملكي الذي كان يلقب به قبل استقالته ومن ثم حصوله على لقب تون وهو أعلى الألقاب الملكية قال كيف هو حال اخي الرئيس صدام؟  قلت له اخوك الرئيس صدام بطل يقود معركة الشرف قال ولكني اسمع في الإعلام ان الامريكان سيطروا على البلاد بوقت قياسي قلت له أن المقاومة اندلعت في كل العراق ولن تتوقف حتى يخرج آخر جندي امريكي كنت أتحدث اليه وأراه كيف تنفرج اساريره وانا اقدر أهمية الوقت الذي يصرفه علي ولا زالت الكثير من المهام الكبيرة تنتظره لانه رئيس لمؤتمر القمة الاسلامي المنعقد في بلده ثم قال لي نبقى على اتصال أجبته نعم سيدي يشرفني ذلك .

 

خرجت من عنده وقد نفضت عني كل اثقال التخاذل بسبب احتلال العراق  خرجت ولم اتفق معه على ما ذهبت من أجله ولكنني كنت متأكدا أن أفضل ما يمكن أن يعمله الدكتور محاضير سيفعله ولا يبالي جاء اليوم التالي في الافتتاح وقد اخرت اللجنة المنظمة للمؤتمر توزيع الوثيقة التي تخص توقيتات كلمات رؤساء الوفود وصلت اخيرا بطلب والحاح من قبل الكثير من الرؤساء والملوك ولم يكن اسم رئيس الوفد العراقي فيها طلب مني اياد علاوي أن أذهب لرئيس اللجنة المنظمة لاتبين الأمر كان جوابه وهو يبتسم لي ويقول يبدو أن هناك خطأ ما سنحاول أن نعالجه طبعا كانت حجتهم الكبيرة أن العراق لم يرسل طلبا مسبقا يطلب فيه وقتا لكلمة رئيس الوفد بدأت الكلمات وكانت أولاها للدكتور محاضير محمد فجاءت عظيمة رنانة ذكّر القادة والملوك بدورهم التاريخي برفض احتلال العراق والوقوف بحزم ضد أطماع اميركا كانت كلمة من اروع ما سمعت بخصوص العراق لم يمنعني من التصفيق الحار له إلا رغبتي في أن أكمل حلقات مسلسل هزيمة دبلوماسية الاحتلال الذي بدأته من اول يوم لي في سفارة جمهورية العراق في كوالالمبور انتهى كل الملوك والرؤساء من كلماتهم ثم تلاهم الوزراء من رؤساء وفود بلادهم وانا في حركة مكوكية بين اياد علاوي وبين إدارة المؤتمر ولا حياة لمن تنادي بدأ اياد علاوي يفقد أعصابه وبدأ يتحدث بكلمات غير لائقة عن الدولة المستضيفة وفي داخل القاعة حاول محمود عثمان أن يهدئه ثم قال لي ماذا يقولون لك عندما تحدثهم ؟ اعدت عليه الاسطوانة المشروخة أنهم يقولون أنكم لم تطلبوا منا لكي نخصص لكم مساحة زمنية لكلمتكم بوقت مناسب قبل انعقاد الاجتماع وقال بعصبية بمعنى أنهم لا يريدوننا أن نتحدث ؟ فقلت له يمكن أن يسمحوا لك أن تلقي كلمتك بعد الوزراء وقبل السفراء والمدراء العامون هنا احتج وقال انا رئيس بلدي العراق ولن اقبل بهذا وكان الوضع متازما فقلت له بالطريقة العراقية (بكيفك) تشاور اياد علاوي مع اعضاء مجلس الحكم الاخرين والذين أشاروا عليه بضرورة البقاء في القاعة وكنا قد اصبحنا في نهاية الجلسة المسائية تقريبا ونودي على رئيس وفد العراق بعد أن انتهى كل الوزراء ونواب الوزراء نزل اياد علاوي من السلم يجر أذيال الخيبة وألقى كلمته ولم يكن في القاعة اي رئيس أو ملك أو رئيس وزراء بل إن أغلب الوفود انسحبت نتيجة التعب وتركت وراءها موظف واحد من أجل ألا تبقى مقاعد الدولة فارغة أنهى كلمته وجاء مسرعا ولم يجلس وأشار إلى أعضاء الوفد وخرجوا جميعا ونحن ذاهبون باتجاه الصالة وقبل أن نصل إلى الباب الخارجية لنذهب إلى الفندق هنا وجه كلامه لي وقال انا اعرف البعثيين جيدا وهذه طريقتهم انت متواطئ معهم قلت له بقوة هذا غير صحيح وافترقت عنه فورا في تلك الليلة وبعد منتصفها ارسل في طلبي اياد علاوي من خلال سكرتيرته في حزب الوفاق التي كانت ترافقه في زيارته إلى ماليزيا وقال لي مباشرة اريدك معي يا محمود في الوفاق ولن تندم  وبدلا من أن نرسل سفيرا إلى ماليزيا ستكون انت السفير  وللحديث بقية ...


تحية لرجل المواقف الصعبة الدكتور محاضير محمد وأدعو الله أن يشفيه ويبارك في كل منجزاته العظيمة .
 

تعليقات

أحدث أقدم