في ذكرى ميلاد إحسان عبد القدوس ورائعته لاتتركوني هنا وحدي ….

مشاهدات




رند علي/ العراق/ بغداد 


تمر علينا هذه الأيام الذكرى الثانية بعد المئة لولادة الكاتب المصري الكبير إحسان عبد القدوس الذي مازالت رواياته مادة دسمة للسينما المصرية ولكني استغرب بعد أن قُدمت العديد من رواياته كأفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية مثل انا حرة والخيط الرفيع وبئر الحرمان ولاتطفئ الشمس ، كيف تغافل صانعي السينما عن رائعته (لا تتركوني هنا وحدي) الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية ، فبطلة هذه الرواية ( لوسي) اليهودية التي أسلمت لتحقيق اهدافها المالية وللحصول على مكانة اجتماعية أكبر واطلقت على نفسها بعد الأسلام أسم ( زينب) وتعمدتُ ذكر أسمها الأول " لوسي" في البداية لأن لوسي لم تتحول الى زينب إلا من اجل اهداف مادية واجتماعية لكن في ذاتها وتفكيرها بقيت لوسي .. وكم لوسي في حياة كل منا ! .. 


عزيزي القارئ عند اطلاعك على احداث رواية " لاتتركوني وحيدة " ستشعر ان بطلتها إنسانة نصادف منها كثيراً في حياتنا ( الشخصية الطموحة الوصولية ) المستعدة لتغيير اي شيء في حياتها حتى لو كان دينها ومبادئها وعقيدتها من أجل الوصول إلى غاياتها .. 


تبدأ القصة بعد حرب الـ ٧٣ بين مصر واسرائيل لكن الكاتب يستخدم تقنية الفلاش باك في رواية الأحداث 

فتعود بنا الأحدث الى الأربعينيات من القرن العشرين وطريقة السرد هي الطريقة التي يستخدمها إحسان بأكثر رواياته ( الراوي العليم العارف بكل شيء ) ، وفي مقدمة  الرواية يقدم اعتذاراً للسيدة المجهولة التي حكت له كل شيء . 


لوسي يهودية زوجة رجل يهودي ، تزوجت زوجها الأول في سن الخامس عشر في مراهقتها ظناً منها أنه يستطيع تحقيق احلامها بالوصول إلى طبقة العائلات الثرية اليهودية في مصر ، وقد تعمد إحسان ذكر أسماء العائلات اليهودية الثرية التي كانت تسكن في مصر .. 


لكن زكي زوج لوسي توقف طموحه بالحصول عليها كإنها كانت كل مايتمنى .. عاشت لوسي معه حياة هادئة في ظاهرها لكن لم تنطفئ نار الطموح في داخلها ( طموح اليهود ) فقررت العمل كمقلمة أظافر في أحدى محلات الحلاقة المعروفة  فوجهاء البلد في تلك الفترة كانوا يذهبون الى محلات الحلاقة لتقليم اظافرهم أيضاً وكانت انجازات لوسي مُبهرة في خلال عملها في هذه الوظيفة فقد استطاعت ان تخدع احد وجهاء البلد وتحصل على شقة بإيجار بسيط جداً في كاردن ستي ، فنقلت اسرتها من حي الظاهر البسيط الى كاردن ستي احد أحياء مصر الراقية. 


إما الإنجاز الأهم هو ارتباطها بأحد أغنياء البلد شوكت ذو الفقار الذي يرتبط بنسب قديم مع العائلة المالكة ، استطاعت لوسي ان توقعه بشباكها وهي على ذمة زوجها زكي وعافرت في سبيل الحصول على الطلاق من زوجها واقناع شوكت ذو الفقار بالزواج منها . 

وبعد اسلامها انتقلت لوسي او زينب كما سمت نفسها رسمياً الى الطبقة الراقية في المجتمع المصري لكن مع ذلك لم تلقى الأحترام والتقدير الكافي الذي كانت تتمناه منهم ، و هنا يوضح لنا إحسان ( عقدة اليهودي في المجتمعات المسلمة) فمهما فعلت زينب لم تكن في عين عائلات الطبقة الراقية  سوى ( لوسي اليهودية مقلمة الأظافر ) حتى إبنتها هاجر التي انجبتها من شوكت ذو الفقار كانت تتعالى عليها بنسبها الراقي من جهة والدها 

(إنها تحس إنها هي السبب في عقدة إبنتها … العقدة التي تدفعها لأن تثبت إنها ليست يهودية كأمها… وليس في عروقها أثر من الدم اليهودي.. لم تأخذ من أمها شيئاً ولم تترك فيها أمها شيئاً… إنها فقط ابنة شوكت بك ذو الفقار … عائلة أصيلة وأرستقراطية… وكأن أمها عورة تتبرأ منها) .. غير أني أرجح أن شعور زينب ليس شعوراً بالنقص لإنها يهودية في مجتمع المسلمين بل شعور النقص لإنها  فقيرة دخلت مجتمع الأغنياء ولم تمنحها اموالها التي ورثتها بعد وفاة شوكت المكانة الأجتماعية التي كانت تحلم بها ، إلا في أعين الرجال فكانت تبهرهم بجمالها واناقتها واستطاعت الحصول على عدة مكاسب من كل رجل عرفته بعد وفاة زوجها شوكت . 


وتتصاعد الأحداث واستطاعت لوسي الحصول دائماً على كل ماتريد فذكاءها وطموحها دائماً في خدمتها . 

اخذت زينب كل ما ارادت الحصول عليه لكنها لم تستطع الأحتفاظ بأبنائها 


فقدت ابنها إيزاك اليهودي الذي سافر بمجرد ان بدأت  الهجرة اليهودية الى تل أبيب ، وفقدت ابنتها ياسمين التي ورثت جمالها ولم ترث ذكائها  . 

(إن ياسمين يمكن أن تصل إلى أكثر منها … إنها لاتزال في منتهى شبابها ومنتهى جمالها وانثوتها.. إنها تستطيع أن تصل إلى اي ضابط من الحكام .. تستطيع أن تلتقط واحداً من داخل مجلس قيادة الثورة كما فعلت الأميرة فايزة عندما احتاجت أن تسافر إلى الخارج … لقد سافرت كأنها لاتزال أميرة وهي تحمل نفوذ السلطة الحاكمة … وكانت ياسمين تستطيع أن تفعل مافعلته فايزة ! إنها أصغر منها وأجمل وإن كان ما يغري الضباط في فايزة هو أنها أميرة وابنة ملك وأخت ملك … والثورة تستولي على نساء الملك ! … انتصار من انتصارات الشعب) ! .. 

رغم إن ياسمين اعلنت اسلامها مثل والدتها وتزوجت مصري لكنها لم تكن في طموح والدتها وفقدت التوازن النفسي والسيطرة على حياتها وخوفها وضعف شخصيتها ادخلها في مجموعة علاقات شاذة وبين الحصول على الأموال الطائلة من العلاقات الشاذة المشبوهة وبين مصر و ( المجتمع الشرقي) قررت ياسمين ترك والدتها وزوجها وسافرت إلى باريس لتعيش هناك ( بدون قيود).  

(ولم تحاول الأم أن تمنع ابنتها من السفر …. لاتستطيع أن تحرمها من نجاحها …. إنها تؤمن بأن النجاح هو الحياة فكأنها ستحرم ابنتها من الحياة!) .. 

حتى هاجر إبنتها من شوكت ذو الفقار التي افسدت والداتها زواجها الأول خوفاً من طمع زوجها الأول ابراهيم سلامة بأموالها واموال زوجته ، انقذت إبنتها من زوج طماع كل هدفه استغلالها لكنها تركت والدتها وتزوجت إحد الدبلوماسيين من طرف أخوها شريف إبن شوكت البكر وسافرت مع زوجها وبقيت تتجنب والدتها وتتعالى عليها..

 احتفظت زينب بالأموال والفدادين التي ورثتها عن زوجها لكنها لم تستطيع شراء حب اولادها  بأموالها ( ربما كانت هذه هي طبيعة الشخصية اليهودية… شخصية لا تتحرك إلا في اتجاه مصالحها . والاتجاه الذي ليس لها تتحول عنه … لاقيمة امام هذه الشخصية للعواطف… العواطف هي مجاملات والمجاملات هي ايضاً لاتعطى إلا للمصالح).. ولم تستطيع شراء مكانتها الأجتماعية   ، وكما يقول زج زجلر ( المال لن يجعلك سعيداً ولكن الجميع يريدون تجربة ذلك بأنفسهم ) 

كذلك تطلعنا الرواية على احوال المجتمع المصري في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن العشرين وصولاً إلى الحرب التي اندلعت بين مصر واسرائيل في سبعينيات القرن العشرين ..  .


تعليقات

أحدث أقدم