إلى أساتذة اللغة العربية ومحبيها وكتابها وشعرائها : أدباء مصححون ودكاترة لا يفقهون

مشاهدات





رباح آل جعفر


كان الأستاذ عباس محمود العقاد يقول : إنه لو امتحن أدباء الأمة وشعراءها لرسبوا في الامتحان . فماذا عساه يقول لو عادت به الدنيا في اليوم العالمي للغة العربية بعدما انهارت لغة الضاد على ألسنة أبنائها وانحطّت . أصبح الصحيح غريباً والغريب شائعاً.. أخطاء فادحة واضحة فاضحة . ولا حول ولا قوة إلا بالله . وتهافت على الكتابة والصحافة والنشر كثير من الدخلاء الذين لا يُفرّقون بين محمد عبده المغنّي ومحمد عبده الإمام ولا بين الإمام الغزالي والمطرب ناظم الغزالي !. ولا تستغربوا إذا وجدتم "دكتوراه" في اللغة العربية يفقأ "عين" الفراهيدي ويتصور أن "جامع الدروس العربية " هو اسم لمسجد وليس لكتاب . فقد صادفني من هؤلاء كثير لا يعرفون الفعل من الفاعل والتاء الطويلة من التاء المربوطة ويجهلون قواعد النحو والاملاء . 


وتتساءل بالعجب العجاب : ماذا تفعل المجامع اللغوية في بلداننا العربية بعدما انحدرت لغة الخطاب ؟ وأصبحت لغتنا الجميلة غريبة الوجه واليد واللسان بين أهلها وفي ديارها مثل غربة المتنبي في شِعب بوّان أو كغربة مالك بن الريب في وادي الغضا ؟.  وتقرأ في سيرة الأدباء والشعراء وقد بدأ أغلبهم حياته مصححاً لغوياً يقتطعون مبلغاً من راتبه عن كل خطأ أيام كانت "الأرض بتتكلم عربي". وفي أعوام السبعينات كان الشاعر عبد الأمير الحصيري يعمل مصححاً في الإذاعة والتلفزيون وكذلك عمل الشاعر حسين مردان مصححاً في جريدة الأهالي ولم يكن أغلب المصححين من خريجي أقسام اللغة العربية وبعضهم لا يحملون شهادة من الأصل !. وكان صاحب جريدة العدل الأديب عبد المهدي الفائق من أكفأ اللغويين الذين عرفتهم الصحافة العراقية والظريف أن الفائق كان هو المحرر والمصحح وشاغل جميع العناوين الصحفية في الجريدة لا يكلُّ ولا يملُّ ولا تعثر في صفحاتها على خطأ وفي بعض الأحيان يقتنص أخطاءً للعالم اللغوي الدكتور مصطفى جواد وينشرها على الملأ !.


ومرة قال لي صديقنا الأديب يوسف نمر ذياب : إن مصطفى جواد أخطأ في مسائل لغوية كثيرة أولها عنوان كتابه "قل ولا تقل". وكان الصحيح أن يكون العنوان : "لا تقل وقل"!.  وفي تلك الأيام صال الشيخ جلال الحنفي "برؤوس أقلامه الأسبوعية" وجال على المذيعين وأخطائهم وهاجم الحنفي أستاذنا مدني صالح عندما نشر مقالاً تحت عنوان "تعالوا نتواصى قبل الطوفان" وفات عليه أن يحذف حرف العلة من الفعل "نتواصى" بوصفه جواباً لطلب.. واستمر الهجوم في الصحافة بمسلسل جبّار ليفتح من ورائه الردود دون حدود بلا قيود !. ويومها قال لي مدني : إن الحنفي لا شغل عنده سوى البحث عن جنازة يشبع فيها لطماً !. وكان الحنفي ومدني يحضران إلى الجريدة للإشراف على تصحيح ما ينشران من مقالات . أمّا كاتبنا اللذيذ حميد المطبعي فكانت مقالاته كمقالات صديقنا الأديب عبد المجيد الشاوي تذهب إلى المطبعة دون استئذان ولا تمر بقسم التصحيح . وفي ذلك الوقت حدث معنا خطأ غير مقصود وضعنا في مشكلة فقد اشتهر بين الناس "شيخ" يعالج السرطان بالأعشاب ثم ألقي القبض عليه بعد وفاة عدد من مرضاه. واتفقنا أن يكون عنوان الخبر "القبض على الدجال" .. وصادف يومها أن سافر وزير الداخلية إلى المغرب فظهر عنوان الخبرين دون أن ننتبه بمانشيت واحد يقول : "القبض على الدجال وزير الداخلية في المغرب ".. لقد فات علينا أن نفصل بينهما بفاصل فكان الدجال المقبوض عليه هو وزير الداخلية !.


وكان الله في عون لغتنا الجميلة إلى أن تحدث معجزة !.


 المصدر : الزمان الدولية


تعليقات

أحدث أقدم