التثقيف هو أفضل تطعيم مضاد لظواهر التخلف

مشاهدات

 



ضرغام الدباغ


سيكون أمر شاقا وبالغ الصعوبة أن تقنع  بكلمتين أو حتى بخطاب أن يقلع امرء عما اعتاد عليه لسنوات طويلة جداً ربما تشكل الجزء الأعظم من هي تجربته الحياتية بأسرها .. وجزء من تقاليد الأسرة والمجتمع سوف لن يتراجع ... سمها ما شئت ..!عناد جبل البشر عليه اعتزاز مفرط بالنفس يرى في التراجع عيباً شخصياً ... ولكني اعتقد أن الإنسان لا يجد أو لا يحفر طريقه بالصدفة ولا ببساطة فهي محصلة تجارب ومواريث أيضاً... وقليلا ما يتعلم الناس من الكتب ولا من الوعظ إلا بدرجة بسيطة  فالموقف النهائي للفرد هي محصلة لإسهامات عديدة ومنها قدراته العقلية والمورثات الثقافية والاجتماعية . 


في عام 1979 عقدت منظمات تعمل تحت إشراف الأمم المتحدة مؤتمراً مهما في نيروبي / كينيا وكانت هناك تقارير في غاية الأهمية تبحث في التأثيرات الثقافية والبيئية والاجتماعية على عمليات التنمية في البلدان النامية في  آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية وقد صدرت أفضل تلك التقارير في كتاب حضي بالاهتمام حال صدوره ويبحث في شتى التأثيرات ويأتي الكتاب على ذكر معضلات تواجه الحكومات والمنظمات الدولية ومن تلك على سبيل المثال لا الحصر أن بعض المجتمعات قد اعتادت على أنماط وأساليب بيئة وعيش وجدت الجهود صعوبة بالغة في تغيرها فقد أنجزت في أحدى تلك المجتمعات بناء قرى عصرية بمساكن صحية وأماكن لتربية المواشي وكانت النتيجة أن أنتقل السكان المحليون للسكن في الزرائب بالقرب من مواشيهم  وتركوا بيوتهم الحديثة لمواشيهم ..! وقد وجد الموجهون الاجتماعيون مشكلات كبيرة في إقناع الناس بتغيير أنماط حياتهم . ويؤشر علماء النفس والاجتماع حالات مماثلة فالمرء يعتاد مثلاً الحلاقة عند حلاق معين ويجد صعوبة في استبداله لذلك تجد في أوربا أن المعلمات والمعلمين والمربيات والمربين يأخذون الأطفال في جولات ميدانية يعلموهم بدقة استخدام الوسائط العامة كيفية استخدام ملاعب الأطفال في الحدائق العامة وكيفية السير في الشوارع العريضة والاسترشاد بعلامات المرور والسير وفق أنظمتها وبهذا يعتاد الأطفال على التصرف السليم الذي لا يلحق الضرر بالهيئة الاجتماعية على قاعدة التعلم في الصغر كالنقش في الحجر .


أريد من خلال هذه الأمثلة أن أعبر عن صعوبة التوجيه الثقافي وقد تحدثنا عن أمثلة بسيطة، فما بالنا مع القضايا والمؤشرات والظواهر الكبرى في التخلف. ثم أن التراكم في المعرفة والتجربة السياسية / الاجتماعية، أكدت لنا أن الناس يضجرون من الوعظ،، والتوجيه بأتجاه مباشر قد يوحي بأهداف ربحية أنانية، لذلك أنت إذا أردت  أن تثقف الناس فتوجه بثقافة عامة ولا تقترب من صلب هدفك إلا تلميحاً. فالكثير من الناس سيعتبرونها محاولة لجرهم إلى موقفك. وحين يتعلق الأمر بالسياسة تصبح الأمور أكثر تعقيداً، أما إذا لامست المحرمات والمحللات فتتحول آنذاك إلى مجازفة. بتقديري أن بناء مزرعة أبقار نموذجية وإلى جانبها بيوت سكن صحية لعمال المزرعة (العمال أكثر استجابة للثقافة من الفلاحين) يستلزم تشيد مدرسة وبتقديري أن المسرح ينبغي أن يكون ثقافة شعبية وكذلك الفنون التشكيلية وأن برامج التلفاز ينبغي أن تبتعد ولو بنسبة معينة عن التسلية وأن تتضمن مواد تثقيفية بمستوى يتناسب مع متوسط المتلقين . وعندي أن من يتعرف على اتجاهات الأدب العالمي سوف يكون بعيداً عن الافكار الرجعية والخرافات وأن من يتعرف على الفواصل المهمة في التاريخ العلمي سيتكون له وعي غير مباشر بمعرفة قواعد تطور التاريخ . نصل إلى نتيجة حاسمة أن الرؤوس الفارغة ستملأها الخرافات والألغام التي تتفجر في أدمغة الناس وتتحول إلى أدوات تخريب ... ما لم يبادر المثقفون والعلماء والفنانون وفق اتجاهات مدروسة إلى الأخذ بأيدي الناس وتطويرهم إلى مستويات تقارب المستوى الثقافي والحضاري الذي يخدم عملية التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية .


• كل ثقافة لا تقود إلى موقف اجتماعي موحد أو شبه موحد حيال المسائل المهمة هو رأي مفرق ولا يقود لثقافة جمعية .

• كل ثقافة تقسم الشعب ولا توحده هي ثقافة ضارة .

• كل ثقافة لا تخدم قضية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية هي تبديد للجهود .

• لا تعتبر ثقافة  تلك  التي  تعتمد أساليب بذيئة وشتائم ودعوات للكراهية .


تعليقات

أحدث أقدم