الأرض التي علمت الكتابة تعاني الامية

مشاهدات

 


 

تحقيق : أمير البركاوي

 

في فجر التاريخ ابتكر سكان وادي الرافدين الاكتشاف الأكبر للبشرية حيث ظهرت الكتابة، فاستطاع الإنسان أن ينقل أفكاره وهي تكسر حاجز الزمان والمكان، وتطور الكائن البشري من حينها، إذ نقل الجيل السابق تجربته للجيل اللاحق ليستفيد منها ولتمضي عجلة التطور بلا هوادة في ذلك الانسان الذي فضله الرب على الملائكة. ولكن من مفارقات الدنيا أن الأرض التي اكتشفت الكتابة أصبحت تعاني الأمية ، مع أنها لزمن قريب (۱۹۷۹) كانت تحتل الصدارة في نسبة المتعلمين متفوقة على أكثر البلدان الغربية تطورا فلا بد من وقفة جادة وخطة استثنائية الملاحقة الأمية والقضاء عليها .

اسبابها

 التقينا في البداية بمدير قسم محو الامية في مديرية تربية النجف الاشرف فحدثنا قائلاً  :  ان انتشار ظاهرة الأمية في العراق لها أسباب عديدة منها الحروب حرب الثمانينات والحصار الاقتصادي  في التسعينات والأحداث التي تلت سقوط النظام في العراق منها الارهاب ودخول العصابات التكفيرية ومحاربتها والتي ادت الى تردي الوضع الاقتصادي للعائلة العراقية بصورة خاصة وللبلد بصورة عامة وهذه  الاسباب تظافرت وساعدت على زيادة نسب الأمية في العراق وايضاً تساعد على تسرب التلاميذ من المدارس العراقية

ويضيف احمد محمد الموسوي قائلاً  :  وهناك اسباب ذاتية اخرى للتعليم في العراق وتردي واقع التعليم نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة وقلة البنى التحتية للتعليم في العراق تساعد على نفور الطالب والتلميذ  من الدراسة الابتدائية والذهاب الى الشارع وساحات العمل ونخسر موارد بشرية عديدة

ويسترسل لنا احمد محمد الموسوي فيقول : وهناك نسب واحصائيات من وزارة التخطيط العراقية تتحدث عن خسارة  في الموارد البشرية تقدر بالناتج العام للموارد البشرية 12% ما بين اميين ومتوسطي التعليم وهناك اجراءات ليست كافية لمواجهة محو الأمية  ومشروع محو الأمية الذي انطلق بعد صدور محو الأمية رقم (23) لسنة (2011) لكن نجد الاجراءات والامكانيات التي يتوفر عليها الجهاز التنفيذي  لمحو الأمية  هي امكانيات بسيطة قياساً بواقع الأمية المنتشر في العراق ويحتاج من الدولة ان تفعل اجهزتها وتفعل امكانيتها وطاقتها لمواجهة هذا الخطر وهو خطر الأمية وهو خطر كبير لا يقل شأناً عن الاخطار الباقية التي تحيط بهذا البلد وعلى الدولة ان تخصص الاموال الكافية لهذا المشروع وان تحشد الطاقات اللازمة وان تعالج هذه الثغرة الكبيرة في جدار المجتمع العراقي.

إحصائيات غير دقيقة

ويؤكد احمد محمد الموسوي ان واحدة من اهم مشاكل محو الأمية ليست هناك إحصائيات دقيقة ولحد الاَن يعتمد على الاحصاء الرسمي لعام 1997 ولم يجرى أي احصاء سكاني  بعد ذلك والاحصائيات الموجودة إحصائيات غير كاملة تسمى استقراء ناقص تعتمد على عينات عشوائية وهذه ليست دقيقة بشكل كامل وفي النجف قمنا بحصر للأميين في مقتبل هذا العام الدراسي نهاية العام  2018 لكن هذا الحصر للأميين واجهتنا به مصاعب عديدة منها عدم وجود كوادر من المعلمين والمعلمات للمناطق السكنية الاعداد التي لدينا لا توازي منطقتين لكن مع هذا وصلنا الى مناطق عديدة والمشكلة الاخرى المواطن العراقي لا يستجيب للمعلومات الاحصائية والاستمارة الاحصائية وهذه حقيقة تقف عائق امام امكانية وجود احصائية دقيقة وكاملة عن الأميين في المحافظة وفي عموم العراق.

بطالة الخريجين

 ثم توجهنا الى قسم الاعلام التربوي والتقينا وسام الرازقي   مسؤول القسم فحدثنا قائلاً :

ان العامل المادي من اهم المشاكل التي تواجه المجتمع والمسببة للامية، فالكثير من الاطفال ينخرطون بأعمال لا تتناسب مع اعماركم تاركين وراءهم المقاعد الدراسية بحثاً عن رغيف الخبز  ان هذا الوضع نوعاً ما اقل مما كان عليه قبل ٢٠٠٣ ففترة الحصار افرزت جيوشاً من الاطفال خارج نطاق التعليم مضافاً الى ذلك ان العملية التربوية كانت شبه متهالكة بسبب السياسة السابقة وبقيت على حالها ما بعد التغيير

ويضيف وسام الرازقي قائلاً : ان من اهم الضوابط المعمول بها سابقاً هو اجبار العوائل على ادخال ابناءهم في الابتدائية وعدم ذلك سيعرضهم للمساءلة القانونية، ان هذا النوع من الضغط قلل بشكل كبير من الامية الا انها عادت بمعدلات قوية بسبب الحصار في ١٩٩١ مما ولد عدة اجيال وثقافة عامة بأن المدرسة لا تنفع بشيء . اما الان فهناك ثقافة خطيرة وهي اذا درست وتخرجت ماذا افعل بشهادتي فلا يوجد تعيين

 ويسترسل لنا وسام الرازقي بحديثه فيقول : نعتقد كجهاز تربوي الاهتمام بقطاع التربية كونه رافد كبير للمجمع والوطن واهم من النفط والاهتمام هنا يأتي بالبنية التحتية للمدارس ومستوى التعليم قياساً بالدول المتقدمة وهيكلية الادارة التربوية كلها ترجع ثقة المجتمع بالمؤسسة التربوية.

تراجع خطير

 اكدت لنا الدكتورة ريا قحطان  التدريسية في جامعة بغداد قائلة : العراق عام 1979 حصل على جائزة اليونسكو  ، كون العراق  نجح في برامج محو الامية والان  بعد مرور 40 عاما نطلع على بعض التقارير الدولية التي تشير الى ان نسبة الامية في العراق قد وصل الى 23 %  من السكان  بمعنى تراجع خطير ، و هو ضمن  موجة التراجع في الكثير من مقومات  الحياة الاساسية  الاخرى ، كالصحة و مما لاشك فيه بدأ  هذا التراجع والعد التنازلي  بعد فرض الحصار الاقتصادي على البلد عام 1990  ,  و  الاحتلال الامريكي عام 2003  المسالة ليست صعبة  او معقدة في ظل وجود موازنات انفجارية  ، و الامر لا يتطلب اكثر من بناء مدارس جديدة ، و تعيين المعلمين و الاداريين فيها ، و المستلزمات المادية للمدرسة من اثاث و غيرها و الامر الثاني ، معرفة اسباب تسرب التلاميذ والتلميذات  من المدارس في المرحلة الابتدائية كي تتم معالجتها و الامر الثالث ارجاع نظام الزامية التعليم الابتدائي  للطفل ، الذي كان يفترض الابقاء عليها ، و التشدد في تطبيقها العراق يمتلك كل مقومات الحلول ، لكن هناك ثمت مريب حوله.

عوامل سياسية وثقافية واجتماعية  

 يحدثنا  الدكتور ضرغام سعدي تدريسي في جامعة الكوفة قائلاً : الامية لها عدة اسباب سياسية واجتماعية وثقافية تنمو وترتفع عندما ينخفض الاداء والوعي لدى عوامل التنشئة الاجتماعية الاسرة والمدرسة والاصدقاء ووسائل الاعلام وحقول العمل هذه العناصر مجتمعة ترفع من نسب الامية عند عدم الاهتمام بها فالاسرة  عندما تبعث بأبنائها  الى العمل وترك مقاعد الدراسة ترتفع نسب الامية وعند انخفاض الدخل والبطالة ترتفع الامية في المجتمع ايضا عندما لا يكون لوسائل الاعلام المسؤولية  الاجتماعية في مراقبة المجتمع وتشخيص سلبياته كلها تدفع باتجاه الامية والارقام التي تنشرها المنظمات المختصة كاليونسكو تنبأ بمخاطر كبيرة التي تواجه العراق لارتفاع نسب الامية بأنواعها  اما العلاجات فتكمن في جميع العناصر انفة الذكر فالمنظومة المجتمعية لا تعمل عناصرها منفصلة للأسرة  والاصدقاء وتكافؤ وتوفر فرص العمل ورسم سياسة تعليمية وتربوية رصينة تلزم الاطفال بالالتحاق بالدراسة ووضع البحوث العلمية التي تتناول الظاهرة بموضوعية ومنهجية علمية فضلا عن اسناد ذلك عبر التوعية من خلال وسائل الاعلام لمخاطر الجهل والتخلف كلها سبل كفيلة بمكافحة الامية.

وقفة ورأي

ارتأينا اللقاء بعدد من المواطنين لمعرفة اراءهم حول زيادة نسبة الامية في المجتمع فكان لنا لقاء بعدد منهم :

سلام عادل (خريج جامعي) يقول : من اسباب ارتفاع نسب الأمية في العراق  وأولها الواقع التربوي والنظام التعليمي و المعلم والبنى التحتية والمدارس المهدمة والمنهج الدراسي وحتى الأخطاء الطباعية كلها والتغيير المستمر للمناهج الدراسية وعدم اهتمام المسؤولين كلها من المشاكل التي تؤدي الى اهمال التعليم وبالتالي الأمية  وأضاف سلام ان العامل الثاني هو الاسرة والاحباط الذي يخيم على نفوس الاهل قبل الطالب نفسة بسبب انعدام فرص العمل وكثرة اعداد الخريجين مما يدفع بالأسرة  بالضغط على الابن لترك الدراسة والتوجه الى للأعمال الحرة وعلى الحكومة الاهتمام بالنظام التعليمي وايجاد فرص العمل للخريجين كي  تشجع الاجيال على الدراسة وخاصة اكمال المرحلة الابتدائية وايجاد نظام تعليمي حقيقي لمحو الأمية وضرورة توفر الارادة الحقيقية  من اصحاب القرار للاهتمام  بمراكز محو الأمية وتوفير متطلبات انجاح العمل.

زهراء عباس (مدرسة ) تقول : هناك جملة اسباب تقف وراء ارتفاع نسب الأمية منها:

أولاً : ضعف الرقابة الحكومية وعدم المحاسبة  بقوانين  منها التعليم الاجباري لمرحلة الابتدائية.

ثانياً : قلة وعي الأهل في فيما يخص مصلحة ابنائهم فبدلاً من ترك الدراسة والضياع بأعمال خطرة على مستقبلة حثه على مواصلة الدراسة وتحقيق اهدافه في الحياة والمساهمة في بناء مستقبل له ولبلدة.

ثالثاً : التنقل من مكان الى اخر بسبب الظروف الامنية (التهجير) ودخول العصابات الاجرامية وما رافق ظروف الاحتلال من تراجع المستوى المعيشي

على الجهات المعنية التخطيط وبموازنة خاصة لأنعاش قسم محو الأمية في العراق ببناء مدارس خاصة بها وتعيين كوادر تربوية وذلك سينعكس ايجاباً من حيث انخفاض نسب الأمية من جهة وتشغيل الخريجين العاطلين عن العمل من جهة اخرى والتحضير لأجراء الاحصاء السكاني ليكون بعد ذلك البدء والانطلاق بمشروع محو الأمية من اجل عراق خالي من الأمية.

تعليقات

أحدث أقدم