من وحي شهريار وشهرزاد (31) كلمة تصنع المعجزات

مشاهدات

 


عمار عبد الكريم البغدادي


شهرزاد : هل تعتقد أن الحماس الذي يثيره رجل ناجح كفيل بتغيير مصائر الناس أو تبديل مسارات حياتهم  أو على أقل تقدير تغيير مرارة الفشل بحلاوة الإنتصار ؟


شهريار : إن تلك الكلمات الصحيحة الطيبة المُثنية على أسباب النجاح الداعمة لمعاني الإصلاح لم تكن مجرد كلمة مثيرة للحماس  فهي كما عرفنا آنفا حصيلة استحضار للنورانية ولطاقة المحبة  وتغيير إيجابي في تصوراتنا عن الآخرين ومصارحة للذات وتغيير للقناعات السلبية البالية وإصلاح للنفس ومانتج عنه بالمثابرة من إبتسامة صادقة مع مراعاة تنوع المفاهيم المترسخة في عقول الناس ثم جاءت الكلمة الهادفة المعبرة عن ذات طموحة قادرة على زرع السعادة في قلوب الناس فكيف لا تكون ذات تاثير سحري  يبدل الأحوال الى أحسن حال ؟ . 


الشواهد في حياة كل واحد منا كثيرة وربما نغفل عن أسباب تغيّر عجيب في سلوك أحد أفراد الأسرة أو صديق عزيز أو قريب حميم  أو حبيب في القلب مقيم ونعجب كل العجب ونتساءل كل يوم :كيف أصبح ذلك الإنسان في غاية  النشاط بعد أن كان خاملا ؟ ! وكيف أمسى فلان مفعما بالإرادة بعد ان كان كسولا ؟ ! وكيف أضحى زيد شجاعا جريئا بعد ان كان خجولا ؟ ! وكيف تحول عَمْر الى كاتب بارع  بعد أن كان طالبا فاشلا ؟ !. ولو بحثنا عن الأسباب لوجدنا الغالبية العظمى من تلك التحولات نتيجة لكلمات طيبات بالغات الأثر جعلت ما كان بالأمس محالا واقعا ملموسا . 


ولنأخذ شهادة أحد المشاهير كدليل عملي  فقد كتب بوب غرين الصحفي المعروف في جريدة (Chicago tribune) : إن الكلمات الإيجابيات يمكن أن يكون لها تأثير بالغ قد يستمر مدى الحياة ويخبرنا عن كاتب محترف كان خجولا ويفتقر الى الثقة في طفولته لكن شيئا ما حدث في درس اللغة الإنجليزية بالمدرسة الثانوية غيّر مجرى حياته . 


كانت المعلمة تطلب من الفصل من وقت الى آخر كتابة موضوع إنشاء وكاتبنا لا يتذكر ماهي الدرجات التي كانت تعطيها له لكنه يتذكر بالفعل الكلمات الأربع التي تكتبها (أسلوب جميل في الكتابة ) . أحب  الكاتب في شبابه الكتابة والتأليف وكثير ماكان يحلم بتأليف قصة قصيرة لكن الثقة تنقصه حتى جاء ذلك اليوم فملاحظة معلمته البسيطة هذه جعلته يفكر بشكل مختلف في قدراته وإمكانياته وكانت هذه نقطة البداية للنجاح في عالم الكتابة والتأليف والى يومنا هذا يعتقد الكاتب أنه :  لولا تلك الكلمات الأربع التي تكتبها المعلمة في هامش الصفحة لما حقق هذا النجاح . 


شهرزاد : ربما يكون ذلك ناجحا على المستوى الفردي لكنك تتحدث عن كلمات تغير مصائر شعب كامل !. 


شهريار : ولِمَ العجب ؟ ألم تكن الكلمات الخالدة لـ(ونستون تشرشل) في الحرب العالمية الثانية سببا في تحويل هزيمة بريطانيا الى نصر ساحق على هتلر؟ لقد أثبت رئيس الحكومة البريطانية قدرته الفريدة على دفع اللغة الإنجليزية الى ساحة المعركة واستنهاض إرداة الشعب الى أقصاها حين دعا كل البريطانيين الى أن يجعلوا تلك الساعة أجمل ساعة في حياتهم .. انها ساعة النصر او الموت بكرامة . 


إنها كلمات تشحن العواطف وتصنع الأفعال العظيمة وتغيّر مصائر الشعوب هاهو باتريك هنري يقف أمام المندوبين ليقول  لست أعرف السبيل الذي يتخذه الآخرون أمّا بالنسبة لي فاعطني الحرية او الموت لقد كان لتلك الكلمات وقع الهشيم في حاويات الوقود لتتفجر حرب الإستقلال الأميركية .


شهرزاد : لكن ألا تتفق معي على وجود كلمات مدمرات في المقابل؟ لاسيما اذا انسابت الى الصدور بمكر كسم الأفعى ترتجف منه القلوب والأبدان . 


شهريار : هو ذاك .. فمهما حصرنا دائرة الإهتمام بمقربين وزدنا من قدرتنا على التاثير فأننا نتأثر بطبيعة الحال حينما يمتلك الماكر أو الحقود أو الحسود اسلوبا زئبقيا  ينفذ منه الى قرارة نفوسنا ليصيب وترا حساسا أو عمقا لا واعيا يخزن تلك الكلمات المسمومات  فتنعكس على سلوكنا وأفكارنا وحتى مصائرنا . 


وربما تسألينني  ياشهرزاد عن الحل لتجنب خزن الرسائل السلبية والعبارات النابية والقاذورات الفكرية وإنني على يقين بأن مقياس( الألم ، واللذة ) جدير بالحفاظ على نظافة مدخلاتنا بأكبر قدر ممكن  فمهما كانت الأساليب الملتوية والماكرة ذات قدرة على النفاذ  فإن مجرد الإحساس بالألم كفيل بجعل الأذن اليمنى طريقا للكلام السلبي قبل خروجه من اليسرى أمّا مايشعرنا باللذة  فهو محفز لأوامر صادرة من المخ بخزن المفردات الإيجابية في عقلنا اللاواعي وظهورها في حديثنا اليوم وتأثيرها الى سلوكياتنا وأفكارنا النيّرة . 


ولا أدعي إن مقياس (الألم واللذة)  متساوٍ عند جميع الناس لكن على قدر النورانية ونقاء السريرة نميّز بين الطيب والخبيث فنمسك بالأول ونقذف بالثاني خارج فضاءاتنا . وقد يزيد الطرح السلس الفعال للمؤلف الأميركي المشهور زيج زيجلار من تصدينا  بطاقة أكبر للحديث السيئ حيث يقول : هل تسمح لشخص ما أن يدخل بيتك ويفرغ حقيبة كبيرة من القمامة في غرفة المعيشة ؟! اذا كنت لا تسمح لأحد بأن يفعل ذلك فلماذا اذا تدع الآخرين يملأون عقلك بالنفايات ؟! . 


ويؤكد زيجلار : إن مجرد إعطاء مزيد من الإهتمام لمدخلاتنا يمكننا أن نحجب الكثير من الأشياء السلبية يمكننا أن نغير محطات الإذاعة والتلفاز وأن نغلق الكتب والمجلات الرديئة والهابطة ويمكننا أن نتجنب الى حد ما البقاء مع أشخاص الذي يحبطوننا  بمحادثاتهم الكئيبة وهكذا يمكننا حجب الكثير من المدخلات السلبية  . 


ويعلمنا القران الكريم درسا بليغا لحفظ المدخلات اذ يقول رب العزة : ( وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا") .


إذاً ياشهرزاد .. نحن قادرون على الأختيار حتى في أصعب الأوقات للحفاظ على مدخلاتنا وأفكارنا ومفرداتنا وتجنب السيء وانتقاء الطيب .


مقتبسات من مؤلفي : شهريار من بغداد وشهرزاد من القاهرة  للتواصل مع الكاتب : ammaralbaghdadi14@gmail.com


تعليقات

أحدث أقدم