لم يحسبها اسامة النجيفي جيداً!

مشاهدات



هارون محمد 


حزنت حقاً على أسامة النجيفي، ليس لأنه خسر في الانتخابات الأخيرة، وكانت خسارته متوقعة أصلاً، ولكن لأنه لم يعد يعرف تلمس طريقه، واكتشاف بوصلة دربه، وكان عليه أن يُريح ويستريح، بعد أن تفرق الأصحاب عنه، وسُدت الأبواب في وجهه، وصار عالة على نفسه

‏‎أسامة رجل عمل وهندسة، وكان موظف دولة من طراز ناجح، وما زال زملاؤه في بلدية الموصل يتذكرون حرصه على أداء المهمات الموكلة إليه باقتدار، فقد عُرف بالمثابرة، حتى عندما انتقل إلى القطاع الخاص فإنه تفوق وبرز، لأن الوظيفة الحكومية، وخصوصاً، في أزمنة البناء والتنمية، كانت تُعلم صاحبها الدروس والخبرات، وأيضاً مواجهة التحديدات، والصبر على الملمات.

‏‎أذكر أول لقاء مع أبي سيف في عمان، في صيف 2008، وقد دعانا الراحل الشيخ أرشد الزيباري، القائد العسكري والوزير السابق، إلى غداء بمطعم عراقي، وكان شقيقه أثيل حاضراً مع آخرين، ومن الساعة الأولى في تلك الجلسة، لاحظت مثالية النائب النجيفي، مصحوبة بنرجسية مفرطة، في أفكاره وتطلعاته السياسية، وأدركت أنه ما زال متمسكاً، بارستقراطية غابت أو غُيبت، منذ ثورة 14 تموز 1958، وصارت ذكرى وذكريات، على عكس الشقيق المحامي ورجل الأعمال أثيل، الذي بدا حيوياً في نقاشاته، وواقعياً في طروحاته، يضاف إليهما، شعبية طافحة في حديثه وتصرفاته، وتمنيت، وقتها، وقد كتبت ذلك في مقال سابق، أن يبقى أسامة في الموصل عاملاً في ميدانه وتخصصه، ويستقر أثبل في بغداد، سياسياً يُحسن الدفاع عن مواقفه، ويُجيد الاشتباك مع خصومه، في وقت كشر نوري المالكي عن أنيابه الطائفية، لنهش السنة العرب، الذين يعدهم جميعاً، وخصوصاً ملايين الموصل، صداميين و(قومجية)، والمفردة الأخيرة استخدمها رئيس حزب الدعوة، في مباحثاته مع جلال طالباني، لبيع أم الربيعين للأكراد، والشاهد فخري زنكنة، صاحب جريدة (المدى).

‏‎ومثالية أسامة المُفرطة، قادته عندما انتخب رئيساً للبرلمان، في العام 2010، إلى الاعتقاد أنه رئيس  لمجلس نواب حقيقي، من دون أن ينتبه إلى أن منصبه الجديد، هو نتاج محاصصة اختارته ممثلاً عن السنة العرب المشاركين في العملية السياسية،  وأنه طرف في ثلاثية عنصرية وطائفية، قسمّت الرئاسات الثلاث، بحيث أعطت للأحزاب الشيعية رئاسة الحكومة، ومنحت لنظيرتها الكردية رئاسة الجمهورية، في حين خصصت رئاسة البرلمان لممثلي السنة العرب، وهو موقع ملتبس، وغير عملي، خصوصاً وأن الدستور المبتور، حدد مهماته بالرقابة على أداء الحكومة، والمصادقة على قراراتها، في الوقت الذي حظر عليه التشريع وسن القوانين، وهما أساس وجود مجالس النواب، وعنوان مهماتها.

‏‎ولا نُنكر ان النجيفي حاول عند رئاسته للبرلمان، أن يُرمم خرابه، الذي رافقه، منذ أيام الجمعية الوطنية، مروراً بدورته الأولى (2006 ـ 2010) ولكنه أخفق تماماً، لأن رئيس الحكومة، يومها، نوري المالكي، (أكل الجو)، كما يقال، وبدأ يتحول إلى حاكم مستبد، وسلطوي متطرف، وطائفي سافر، لا يُطيق الآخر، ويضيق به، وبخاصة إذا كان الآخر، سنياً عربياً، حتى أن كوندليزا رايز، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، كشفت في مذكراتها (أسمى مراتب الشرف)، أنها ذهبت إلى بغداد، وهنأته بتشكيل أول حكومة يرأسها سنة 2006، ونبهته ـ كما تقول ـ إلى ضرورة تخفيف الممارسات الطائفية التي اتبعها سلفه إبراهيم الجعفري، في معاداة السُــنّة، فرّد عليها: ومن قال لك إني أحبهم؟، طبعاً لم تُشر رايز، لماذا لم تضغط عليه بهذا الصدد؟ وكان بمقدورها، لو كانت جادة في كلامها، أن تُعيده إلى طويريج حافياً، ولكنه النفاق الأمريكي المعهود.

‏‎وصحيح أن حالة من التأزم، طغت على العلاقات بينه كرئيس لمجلس النواب، وبين رئيس الحكومة المالكي، ولكن الصحيح أنها لم تستمر طويلاً، فقد عادت ودية، واشترك الاثنان في الدوام سوية بقصر السلام الرئاسي، كنواب لرئيس الجمهورية فؤاد معصوم، برغم أن نوري ظل يصف نفسه ويُذيل اسمه، بالنائب الأول لرئيس الجمهورية، ليُميز وضعه عن زميليه أسامة وإياد علاوي، اللذين سكتا عن كذب مفضوح، وافتراء مكشوف.

‏‎وكانت واحدة من سقطات النجيفي السياسية، أنه الوحيد الذي راجع القضاء ووكل المحامين للبقاء في منصبه (التشريفاتي)، عندما أصدر رئيس الحكومة حيدر العبادي قراراً بإلغاء نواب رئيس الجمهورية، في حين لم يحرك زميلاه المالكي وعلاوي ساكناً، وهما يشاهدان أسامة مندفعاً في (معاملة) رفع (الغبن) عن نواب الرئيس الذين هم مثل رئيسهم، اسمهم في الحصاد ومناجلهم مكسورة، وكانت عملية لا تليق به، وفضحت طمعه بالرواتب والمكاتب والمخصصات والمكافآت والحمايات.

‏‎أما تحالفه مع مقتدى في العام 2018، وظهوره واقفاً، مع إياد علاوي، خلف الشاب أحمد الصدر، وهو يعقد مؤتمراً صحفياً، فقد جر عليه سخرية ما تزال أصداؤها ترن في الذاكرة، ويقال بهذا الصدد، أن صالح المطلك كان حاضراً، في تلك المناسبة، ولكن ما أن سطعت الإضاءة، واشتغلت (الكاميرات)، انسل منسحباً بخفة الى الحمام، بعد أن داهمه مغص في المعدة والله أعلم، بينما قال علاوي عندما لامه مساعدوه على مشهده يومذاك، (والله ما أدري)!.

‏‎وتبقى حكاية ترشحه لرئاسة مجلس النواب سنة 2018، مؤسفة وتبعث على الأسى، بعد أن صدق وعود حلفائه الصدريين، الذين عقدوا صفقة مع هادي العامري، من خلف ظهره، أسفرت عن اتفاق مشترك، صار بموجبه، عادل عبدالمهدي، رئيساً للحكومة، ومحمد الحلبوسي رئيساً للبرلمان.

 كنت أتمنى، انسانياً، في الأقل، أن يبتعد أسامة عن أجواء الانتخابات الأخيرة، وما رافقها من ملابسات ومنافسات، ولا يرشح نفسه مرة أخرى، احتراماً لسمعته، وتقديراً لمكانة أسرته، ويتفادى سقوطه المدوي في مسقط رأسه، ومرتع شبابه، وميدان تألقه، في الوظيفة والتجارة، ولكنه لم يسمع النصيحة، ولم يقرأ المشهد جيداً.

تعليقات

أحدث أقدم