مؤتمر بغداد ودبلوماسية العلاقات العامة

مشاهدات

يحيى الكبيسي


اعلنت الحكومة العراقية مطلع آب/ أغسطس الحالي عن مؤتمر إقليمي في بغداد يعقد نهاية هذا الشهر أطلقت عليه عنوان : مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة  تشارك فيه تسع دول إقليمية فضلا عن فرنسا . وقد وصف المتحدث باسم الحكومة العراقية هذا المؤتمر بأنه دليل على ان العراق عائد بقوة للعب دوره الإقليمي والدولي بعد سنوات كثيرة من العزوف والانقطاع  وان المجتمع الدولي بات مرحبا بهذا الدور. 


وفي تصريح لأحد أعضاء اللجنة التحضيرية للمؤتمر قال فيه إن هذا المؤتمر لن يبحث القضايا الإقليمية الخلافية لكنه سيركز على المشتركات والتعاون الاقتصادي . السؤال المركزي هو هل يمكن التعويل على هكذا مؤتمر بمعزل عن مستوى التمثيل في إنتاج تعاون وشراكة في سياق صراع الخنادق الذي يحكم المنطقة وسياق التقاطعات الحادة بين دول الاقليم حول القضايا المختلفة أم ان المؤتمر لن يكون سوى حفلة علاقات عامة لن تزيد مخرجاته عن مجموعة من الصور والأخبار والآمال الزائفة خاصة وان عمر الحكومة العراقية المفترض لا يتجاوز بضعة أشهر على أبعد تقدير سواء جرت الانتخابات المبكرة المفترضة في موعدها المقرر أم تأجلت إلى موعدها الدوري منتصف العام القادم ؟  في آذار/ مارس 2012 استقبلت بغداد مؤتمر القمة العربية الثالثة والعشرين وقد وصف رئيس مجلس الوزراء الأسبق نوري المالكي تلك القمة بانها انجاز تاريخي سيساهم في استعادة العراق لدوره المؤثر في المنطقة ! وفي شباط/ فبراير 2018 عقد مؤتمر الكويت لإعادة إعمار العراق وصرح حينها رئيس مجلس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي ان التنمية في العراق هي تنمية لكل المنطقة وجيرانه  فنحن اليوم نرسخ مفهوم أن العراق جسر للتلاقي وليس ساحة للصراع وأن يكون العراق مساحة للتفاهمات المشتركة وبوابة لتبادل المصالح والمنافع والرؤى والأفكار !   لكن مؤتمر قمة بغداد فشل في أن يتحول إلى إنجاز تاريخي كما فشل مؤتمر الكويت في أن يحول العراق إلى جسر للتلاقي  وهو ما يجعلنا على يقين أن مؤتمر بغداد الإقليمي 2021 لن يختلف عنهما  للأسباب الموضوعية المستحكمة الى اليوم  وهي ان العراق لم ينجح حتى اللحظة في تحديد موقعه ودوره بسبب الانقسام المجتمعي الحاد وبسبب الصراع السياسي المتجدد مع كل حدث داخلي أو خارجي واشتراطات الدولة الموازية التي أصبحت فاعلا قسريا في صياغة القرار السياسي !


لقد فشلت الدولة العراقية على مدى السنوات التي أعقبت لحظة نيسان 2003 في صياغة استراتيجية للعلاقات الخارجية تحظى باتفاق الحد الأدنى بين الفرقاء المختلفين وكان الانقسام حاضرا في كل أزمة مرت بها المنطقة بسبب تحكم مصالح الهويات الفرعية للفاعلين السياسيين القومية والمذهبية التي تحديد طبيعة مواقفها من هذه الازمات بعيدا عن أي منطق للدولة ! مثلما كان موقف الفرقاء المحليين من الثورة في سوريا عام 2011 والذي استند إلى رواية الجماعات المنقسمة وتأويلاتها فقد عبر ممثلو هذه الجماعات عبر مؤسسات الدولة المختلفة عن مرجعياتهم وانتماءاتهم ومواقفهم القومية والمذهبية لذلك وجدنا أنفسنا أمام موقف لرئيس مجلس الوزراء الشيعي يتقاطع تقاطعا تاما مع حديث رئيس مجلس النواب السني بل وجدنا تقاطعا واضحا في موقف الكرد تبعا لطبيعة العلاقة التي تربط طرفيها الرئيسيين بالدولة السورية وتحديدا عائلة الأسد إذ نجد موقفا داعما للثورة السورية بشكل واضح اتخذه مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان مقابل صمت مطبق لرئيس الجمهورية الراحل جلال الطالباني بسبب علاقاته التاريخية بالنظام السوري من جهة وعلاقاته التاريخية بالجانب الإيراني من جهة أخرى . هذا الإنقسام لا يزال حاضرا بقوة فمراجعة التصريحات العراقية عن العلاقات الاستراتيجية  مع سوريا مثالا تكشف موقف الفاعل السياسي الشيعي حصرا والذي استطاع أن يفرضه على الجميع بعد نجاحه في احتكار القرار السياسي في العراق بل وصل الامر إلى استخدام موارد الدولة لمساندة النظام عسكريا عبر السماح لميليشيات ممولة من المال العام بالمشاركة في القتال في سوريا دعما لنظام بشار الأسد ! لقد كان العراق طوال السنوات الماضية طرفا في صراع الخنادق الذي يحكم المنطقة بل تحول إلى بؤرة للصراع فيها وفشل في ان يتحول إلى جسر للتلاقي كما يدعي الخطاب الرسمي ومراجعة مواقف الفاعل السياسي الشيعي من القضايا الإشكالية الأهم في المنطقة من سوريا إلى لبنان إلى البحرين إلى اليمن يكشف عن اصطفاف صريح في سياق الاستقطاب القائم كما فشلت الدولة العراقية في التعلم من درس القاعدة ثم درس داعش بأن السياسات التمييزية ذات الطبيعة الطائفية واحتكار السلطة لا يمكن لهما أن ينتجا استقرارا حقيقيا وبالتالي تنمية مستدامة بأي حال من الأحوال وان أقصى ما يمكن أن تنتجه هذه الثنائية هو هدوء هش مؤقت قابل للانهيار في سياق أي متغير!


في ظل هذه الحقائق لن يكون مؤتمر بغداد المرتقب سوى لقاء علاقات عامة كما أسلفنا لن ينجح في أن يعيد للعراق دوره الإقليمي والدولي بسبب عدم الاتفاق الداخلي على طبيعة هذا الدور بين الفرقاء المختلفين أصلا ولن ينجح في أن يقنع دول الإقليم المختلفة فضلا عن المجتمع الدولي في التعاطي بجدية مع التعاون والشراكة معه كما أن المعطيات التي ذكرناها لن تتيح للحكومة العراقية في ان تقوم بدور الوسيط، مهما كانت حريصة على ذلك مع إصرار الفاعل السياسي الشيعي على استمرار تبعية الموقف العراقي للموقف الإيراني. فعندما تعجز الدولة عن فرض سلطتها وتسمح لدولة موازية أو سلاح مواز يرتبط عضويا بدولة أخرى بأن ينازعها على سلطاتها فالطبيعي أن هكذا دولة لا يمكنها ان تنتج علاقات خارجية ذات طبيعة استراتيجية أو تشارك في حل الصراعات التي تؤرق المنطقة !

تعليقات

أحدث أقدم