قيس سعيّد مصلح أم دكتاتور ؟​

مشاهدات


محمد الرميحي


كتب كثيرون عن التجربة التونسية السياسية بعد الربيع العربي معتبرين أنها التجربة الناجحة الوحيدة وراهن كتاب ومحللون على عدد من الظواهر التي تؤيد ما ذهبوا اليه وكنت أرى وأكتب العكس لا لأن لدي بلورة سحرية ولكن الفارق في أن تقرأ الأحداث قراءة عاطفية تعتمد على الهوى أو تقرأها قراءة اجتماعية سياسية (سوسيو سياسية) وتنظر الى المقدمات وتستنتج منها ما سوف يأتي . الواضح أن التجربة برمتها كانت مبنية على أساسين: أولاً العاطفة الشديدة في ما يرغب في تحقيقه والثانية رغبات قوى سياسية ترغب في أن تتحول (من خلال النصوص)  وبشكل تدريجي من (مكون) في المجتمع الى (مهيمن) على المجتمع .


لذلك ركبت الأحزاب المختلفة نصوص دستور 2014 المعمول به حالياً على قاعدة ضبط ما أمكن من صلاحيات رئيس الجمهورية وإطلاق اليد لكتلة وازنة في البرلمان لتكون هي قائدة العمل في الدولة. الدافع لذلك التركيب فشل إخوان مصر في تجربتهم القصيرة من جهة واعتراف حركة النهضة (إخوان تونس) بأنهم لا يستطيعون وحدهم الحكم من الرئاسية فتم اختبار نظام هجين بين البرلمانية والرئاسية زد على ذلك مجموعة تكتيكات سياسية شابها الكثير من (الزبائنية) . في الانتخابات البرلمانية اللاحقة عام 2019 لم تستطع النهضة أن تحقق أغلبية وازنة  فقط أقل من ربع عدد الأعضاء في البرلمان ولو أنها المكون الأكبر كما (فشلت وكان متوقعاً) في تعويم مرشحها بعد ذلك عبد الفتاح موروفي الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية والتي فاز بها قيس سعيد بنسبة كبيرة 72 في المئة وحتى يمكن تمرير بعض الأجندة الإخوانية كان لا بد من التحالف الذي وجدته في قوى سياسية شبه حديثة ولكن في الوقت نفسه يشوب بعض رؤوسها فساد وكان لا بد وقد ملكت أغلبية بهذا التحالف أن تتحكم بالدولة من خلال الرضا عن شخص رئيس الوزراء وإعطائه وفريقه الثقة ومن جهة أخرى لا بد من إرضاء الحلفاء وعدد منهم يحمل ملفات قضائية وإسعافهم بالتغطية السياسة اللازمة وإدخال عناصر من تلك الأحزاب وحزب النهضة أيضاً في دولاب الدولة فتكثف القطاع العام بموظفين من دون دراية من كل تلك الأحزاب زد على ذلك استنزاف خزينة الدولة بإصدار قانون (العدالة الانتقالية) وفي حقيقته هو تعويض من وقع عليهم الحيف إبان حكم زين العابدين بن علي ودخلوا السجون او شتتوا في المنافي وأغلبهم من محازبي النهضة !


وفي سياق موازٍ وما إنْ فشل مرشح النهضة في سباق الرئاسة حتى راهنت على قيس سعيّد باعتباره وحيداً لا سند سياسياً له وأفهم أنها قد دفعت به ضد منافسه (نبيل القروي) الذي تحالفت مع حزبه في البرلمان في وقت لاحق ! واعتقدت النهضة أن قيس سعيد يمكن أن يدجن ويمشي في مشروعها ! الواضح أن سعيد أعطاهم ذلك الانطباع فقد بدأ بشعارات ثورية إصلاحية قريبة من تيار الإسلام السياسي واستقبلت جماعات الإخوان في خارج تونس قيس سعيد بترحاب شديد ظهر في الكتابات والتصريحات لكبرائهم في عدد من العواصم التي لجأوا اليها. إلا أن سعيد لم يكن ذلك الخبر السعيد على طول الخط وبدأ يطالب بحقوق الرئاسة كما يفهمها وتصاعد الصدام من ناعم الى خشن كانت قمته في نهاية شهر تموز (يوليو) 2021 عندما جمد البرلمان وأعفى رئيس الوزراء وحل الوزارة الأمر الذي استقبله الشعب التونسي بترحاب حتى الآن . إلا أن مرحلة (التشويق) أو (الانتظار) هي الفاصلة فسعيد من الواضح أنه توسع في تفسير الفصل 80 من الدستور المصمم أساساً لتقليص قدرة الرئيس على الفعل ! كما أعطى نفسه مهلاً غير واقعية في طول الانتظار أو مرحلة التشويق تعتمد على هامش صبر التونسيين فإنْ وجدوا ما يسرهم مدوا زمن الصبر وإنْ وجدوا ما يضيرهم قصروه !


غضب الرئيس آخذه الى فعل نصف ما يتوجب فلا منطق في التمسك بالدستور كما كتب ونصوصه تقيد الرئيس وبين ما تحتاجه الدولة لوضع البلاد على سكة أخرى تحتاج الى خطوات خارج الدستور ! هنا المأزق فطول الانتظار يصب في مصلحة أعداء الرئيس وهم الآن قلّة ولكن ربما تتوسع شرائح المتضررين ويطول انتظار الناس للإصلاح فينفد صبرهم . نافذة الزمن ضيقة وتضيق أمام الرئيس كل ما تأخر في أخذ الخطوات الجذرية فهو إما أن يذهب (الى دكتاتورية موقته) ويضع أمام الجمهور خطة واضحة ومقوننه بمواقيت بالتأكيد تأخذ أشهراً أو أن يبقي الأوراق كلها قريبة من صدره متردداً فيزداد اللغط ويضطر عنوة الى أن يعيد عمل البرلمان المجمد وهو بذلك ربما يخاطر بمنصبة وحتى بحريتهر . تبين حتى الآن أن الرجل ليس (وزة ساكنة) على الرغم مما كان يبدو في البداية إلا أن الضغط الداخلي والخارجي سوف يتزايد عليه كلما طالت فترة الانتظار التي قد تتطور من التشويق الى القلق الى المعارضة وقتها سوف يفقد كل الأوراق التي في يده كي تنقذ الدولة التونسية يحتاج سعيّد أكثر من الخطب وقد يساعد إن اتخذ قرارات تصحيح المسار في كتابة الفصل الأخير في مشروع الإسلام السياسي (النسخة العربية) والذي فشل في كل محطاته العربية .


 المصدر : النهار

تعليقات

أحدث أقدم