المقاربات الحديثة في الدراسات الأمنية علم الاستخبارات كمدخل جديد في تحليل الظاهرة الامنية

مشاهدات




الدكتورة جعفر صبرينة

مختصة في شؤون الامن و سياسات الدفاع


يعد موضوع الأمن المعطى الجديد في الدراسات الأمنية، حيث لقي رواجا كبيرا في الأوساط الأكاديمية في محاولة منهم إعطاء قدر الاهتمام من البحث والدراسة، ولعل إسهامات الأستاذ باري بوزان، وأوليف ويفر، روبرت ماكنمار، ومن هذا الشأن خير دليل من أجل ضرورة تجاوز التركيز على المفهوم التقليدي للأمن والمرتبط أساسا بأمن الدولة وتوسعه ليشمل أمن الأفراد والمجتمعات هذا من جهة، ومن جهة أخرى يشمل الاقتصاد والبيئة والأمن الحضاري والثقافي والسياسي والعسكري.


كما أصبح الأمن يتعرض لتحديات وتهديدات مباشرة وغير مباشرة ومن مصادر مختلفة تختلف درجتها وأبعادها وهذا ما أدى إلى بروز النظريات الأمنية الحديثة لتفسير الواقع الدولي الراهن في ظل التغيرات الجديدة مما دفع الكثير من خبراء في مجال الأمن والاستخبارات لتأسيس لفرع جديد يطلق عليه علم الاستخبارات.


 ويعد علم الاستخبارات تخصصاً فرعياً جديداً من الدراسات الأمنية والاستراتيجية، والتي بدورها تعد أحد مجالات اهتمام العلاقات الدولية، إذ إن الاستخبارات تعتبر تجسيداً لمقولات المدرسة الواقعية، فهي أحد الأنشطة التي تضطلع بها الدول لحماية وتعزيز مصالحها الاستراتيجية، كما تعرفه استراتيجية الأمن الوطني للدولة. ونظراً لهذا الارتباط الوثيق بين الاستخبارات والأمن الوطني، فإن الجامعات الجزائرية لم ترقي إلى تقديم تصور كامل عن البرامج التي تقدم مناهج متخصصة في حقل علم الاستخبارات، غالباً ما تطلق عليها دراسات الاستخبارات والأمن.


يمثل علم الاستخبارات لدى الكثيرين في البلاد العربية خطا أحمر لا ينبغي الاقتراب منه فضلا عن التعمق فيه. فهو من اختصاص الأجهزة الاستخبارية والأمنية وحدها، والتي لا يقتصر دورها على فهم المجتمع المحلي إنما يمتد للعمل على تشكيل المجتمع والسيطرة عليه، والقضاء على قوى التغيير الحية فيه. وفي هذا المقال سأستعرض بإيجاز تطور دراسة علم الاستخبارات، وأبرز المواضيع المندرجة ضمنه، ثم اذكر نماذج لأبرز الكتب الأكاديمية المعتمدة كمصادر ضمن البرامج الجامعية المتعلقة بحقل الاستخبارات

تطور دراسة علم الاستخبارات.


 يعتقد البعض أن علم الاستخبارات قرين للتجسس والحيل والمكائد فقط، بينما هو أوسع من ذلك بكثير، إذ يدور جوهر الاستخبارات حول جمع المعلومات وحمايتها ونشرها، ولذا ظلت المعلومات الاستخبارية تتصف بالسرية كواحدة من خصائصها الأساسية، ولكن مع سبعينات القرن الماضي، وإثر مجموعة من الفضائح والاخفاقات التي منيت بها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، سعى الكونجرس لسن تشريعات تضبط أنشطة الوكالة، وخلال ذلك بدأت تنمو مدارس فكرية تسعى لتقديم إجابات عن مدى علاقة الأنشطة السرية بمعايير الحكم الديمقراطي.


 وتبلورت آنذاك مدرستين رئيسيتين لدراسة الاستخبارات حسب خبير الاستخبارات الأميركي إبرام شولسكي، المدرسة الأولى ترى أن الاستخبارات، أصبحت أو على الأقل ينبغي أن تصبح فرعا من فروع العلوم الإجتماعية، تسعى إلى تحليل القضايا السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والعسكرية، وتوقعها في نهاية المطاف. وبالتالي دعت هذه المدرسة إلى إزالة الغموض عن طبيعة عمل الاستخبارات، وتشجيع تدفق الأفكار بين أجهزة المخابرات والأوساط الأكاديمية، ومساعدة الاستخبارات على التقدم نحو الهدف المرجو بأن تصبح أشبه ما يمكن بعلم اجتماعي، ولتصير وكالات الاستخبارات شبيهة بـ مؤسسات الفكر والرأي.


ويبقى الهدف من اهتمامي الخاص بهذا الحقل الجديد لأنه يمثل نافذة مهمة في بناء الأمن والتصدي للتهديدات الأمنية المحتملة خاصة في ظل التحديات التي يعيشها الجهاز الاستخبارات الجزائري فهو الدفاع وهو حماية المصالح الاستراتيجية للدولة الجزائرية من التهديدات بتوفير كل الإمكانيات المادية والبشرية وهذا يعني بأن الأمن يقترن بالدفاع أي من أجل توفير الأمن للدولة لا بد أن تكون في أتم الاستعداد للحرب ولها القدرة على الدفاع حتى تحقق الأمن على المستوى الوطني وتحقق الأمن لمواطنيها وبالتالي فإن قوام الأمن هو الدفاع ولهذا نرى من الضروري التأكيد على إدراج هذا التخصص في المدراس العليا العسكرية لما قد يقدم تحليلات وتفسيرات واستشرافا لجهاز المخابرات الجزائرية على المدى القصير والبعيد في إعداد استراتيجيات أمنية شاملة لمواجهة العدو الجديد الكيان الصهيوني وحلفائه في المنطقة فهو علم  يهتم علم الاستخبارات بدراسة النظريات الاستخبارية التي تتناول علاقة الاستخبارات بالأمن الوطني، والأنشطة الاستخبارية المعنية بجمع وتحليل المعلومات وإعاقة الأنشطة الاستخبارية للخصوم، ودور الوكالات الاستخبارية العالمية، وطبيعة ارتباطها بالنظام السياسي التي تعمل تحت مظلته، فضلا عن دراسة التاريخ الاستخباري اعتمادا على الوثائق المرفوع عنها السرية لاستخلاص الدروس العملية المستفادة، وتجنب الاخفاقات مستقبلا.


ويندرج ضمن ما سبق دراسة طرق وتقنيات جمع المعلومات الاستخبارية، وإفادات المصادر وتقييمها، والمشاكل التي تعيق جمع المعلومات، والأساليب الإحصائية والكمية لتصنيف وفرز المعلومات وأصول التحليل الاستخباري وتقنياته، والعقبات التي تواجهه، وكيفية كتابة التقديرات الاستخبارية، ومقاربات الحد من حالة عدم اليقين عند إجراء تحليلات استخبارية للبيئات غير المستقرة زيادة عن ذلك دراسة أجهزة الاستخبارات المختلفة، للتعرف على بنيتها، وأساليب تعاملها مع الأحداث، فضلا عن دراسة شبكات الجريمة المنظمة، والتجسس الصناعي ومعرفة العدو الجديد وبالتالي التصدي للأعداء في الداخل والخارج.


ومن باب الأكاديمي وتخصصي يتحتم على القيادة العسكرية الجزائرية القيام بالحركات التغييرية العناية بإنشاء مراكز بحثية تعنى بدراسة العلوم الاستخبارية ومواكبة التطور العلمي فيها، أو على الأقل تخصيص أقسام للدراسات الأمنية والاستخبارية في المدراس العليا العسكرية وبالمناسبة فلدي تصور شامل لأهم البرامج التي تعمقت في دراستها بتعمق وتركيز كبيران. ويمكن أن أقدم قيمة مضافة في هذا المجال الحيوي يضع أجهزتنا الاستخبارية خدمة للوطن وللشعب الجزائري، خاصة بقضايا الاستخبارات ومكافحة التجسس، وتعتني باستكشاف الأساليب والتقنيات المستخدمة في مختلف جوانب العمل الاستخباري، والعقبات التي تواجه عملية تطوير  الأنشطة الاستخبارية، بما في ذلك المفاهيم الخاطئة وعمليات الخداع الذاتي التي تشوه عملية جمع البيانات الأولية ومعالجتها وتحليلها مع تطوير نظرية استخدام الاستخبارات من قبل الجهات الفاعلة غير الحكومية، الكلمات أرخص من الرصاص والحرب النفسية. 


ولهذا لابد أن تحرص الأجهزة الاستخباراتية الجزائرية على احتكار العلوم والمعارف المتعلقة بالدراسات الأمنية والاستخبارية، وهو ما ينعكس على التعليم والتدريب وتحقيق النتائج الإيجابية في احباط محاولات الاختراق.


وفي هذا المجال الأمني يعد (صن تسو) من أبرز عباقرة العلم العسكري والسياسي. ولازالت نظرياته العسكرية والمعلوماتية تغطي مختلف العلوم، وتدرس في معظم الأكاديميات العسكرية، وله الدور الكبير في وضع أسس جمع المعلومات التي كانت تمارس في عام (400 ق.م)، وأسهمت في عملية صناعة القرار واتخاذه.  


يقول صن تسو أن: (هناك خمسة أنواع من العملاء؛ وهم: الوطنيون، والأجانب، والمزدوجون، والمموهون، والأحياء. فالنوعان الأول والثاني يطلق عليهما الآن عملاء المنطقة، حيث يقومون بالتجسس على دولة لحساب دولة أخرى، والمزدوجون تعبير يطلق على عميل من عملاء العدو قبض عليه وأرسل بواسطة أسره ليتجسس على بلاده، وأما المموهون فهم الذين يفشون المعلومات الكاذبة بين الأعداء ثم يعودون إلى بلادهم، وهذا يوضح أن الاستخبارات الممتازة هي التي تستخدم كل الأنواع الخمسة من العملاء في نفس الوقت، ويشبه هذه العملية بشبكة لصيد السمك مكونة من حبل واحد، ويضم خمسة أنواع من الشباك.


أنتج فلاسفة الصين القدماء عدد من المؤلفات العلمية في تعليم فن الحكم مثل: "فن الحرب" لكزون زي، و "كتاب الأمير شانغ " الذي يعرض صفات الحكم التي يدعو لها الفقهاء، وتتضمن وصايا تقول: "أن تقويم المجال يكون تبعا للأرض  أو اخترق أذن بشكل تام لمخططات العدو، وستعرف أية استراتيجية تكون فعالة، وأيها لن تكون كذلك ومع مرور الوقت وظهور ثورة المعلومات وضعت التقنية الجديدة التي ظهرت في الاتصالات السلكية واللاسلكية، ومعدات القتال،  ودورها الفعال، حداً فاصلاً في تغير النهج الاستخباري التقليدي، الذي اعتمد على الجاسوسية من النمط القديم إلى العصر التقني الحديث.


اختلف النهج والعمل الاستخباري تماما في السنوات اللاحقة، وأصبحت العلمية هي أساس عمله ونقطة الثقل فيه، وأعطت صورة واضحة عن الخدمة التي تسمى في لغة الاختصاص العمل الاستخباري حول العدو.


وتأسيسا على ما تقدم، إن من أهم النتائج التي برزت في هذا المبحث ظهور مؤسستين مهمتين: الأولى مؤسسة الاستخبارات، والتي لم يتحدد واجبها في الجانب العسكري فحسب، بل اتخذت مجمل الجوانب التي تخص كيان الدولة، والتأثير على صناعة واتخاذ القرار، وقد حصلت أجهزة الاستخبارات على أهم أربعة مميزات وهي/

أولاً: بروز الاستخبارات كعلم جديد من الاختصاصات العلمية يعتمد على المعرفة والمعلومة، قانونه التقويم والتفسير والتحليل، علم موضوعه العدو في الحرب، ونوايا وقدرات الحكومة والقوات المسلحة في الهدنة والسلم، علم يراقب ويعقل العمل، ويعطي المهام، ويكشف مصادر جديدة للمعلومات، وكان نتيجته ظهور مؤسسات استخبارية ضمن هيكلية صنع واتخاذ القرار للدولة وجهازها الحكومي، ولها التأثير المباشر وغير المباشر على كافة جوانب الدولة.


ثانياً: تنوع مصادر العمل الاستخباري الجديد، وأصبح يضم في ثناياه العمل الدبلوماسي السياسي، والمصادر الفنية التي تشمل الاستطلاع الاستخباري السلكي واللاسلكي، والاستطلاع الجوي التصويري، والاستطلاع على الجبهة، والتنصت على الإذاعات، واستخدام المصادر العلنية كالصحف، والمجلات المتخصصة، وإجراء المقابلات الإذاعية، واستنطاق الأسرى، والحصول على الوثائق المستولى عليها، واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى العمل الاستخباري التقليدي السابق الذي يشمل العملاء، والوكلاء، والجواسيس.


ثالثا: كفاءة تقنية الاتصالات التي تزاوجت مع المنظمات الاستخبارية، وجعلت الإبلاغ الفوري على المعلومات ممكنا، وعلى أكثر المسافات بعداً، واعتبار الاتصالات الجهاز العصبي لمنظمات الاستخبارات، وبنفس الاتجاه حصول اختراق في منظومة الاتصالات اللاسلكية المعادية، رغم ما بلغته فنون التشفير من تقدم، مما يجعل جهاز الاستخبارات أكثر التصاقا بها.


دخول الاتصالات كمنظومة أساسية للقيادة والسيطرة في الهرم الإداري للدولة، وفي شبكات تنظيم الجيوش، لما لها من دور حاسم في عملية الحصول على المعلومات الدقيقة، ونقلها بالسرعة المطلوبة إلى القيادات السياسية والعسكرية، والتي من خلالها تنفذ كافة القرارات، وإدارة العمليات، ولمختلف المستويات الاستراتيجية، والعملياتية، والتعبوية.


وكخاتمة لمقالي هو مجرد رؤية أمنية ومستقبلية لعلم الاستخبارات الذي أراه من الواجب الوطني والأكاديمي، أصبح من الضروري تدريسه والاهتمام   بتطويره وفق التهديدات المحيطة بالجزائر. وأظن الوقت قد حان لذلك فجهاز  المخابرات الجزائرية العين التي لا تنام، هو جهاز أو مؤسسة من مؤسسات الدولة تختص مبدئيًا بجمع المعلومات المختلفة داخل الدولة وتقوم بتحليلها، وتقييمها لترفعها إلى السلطة العليا في البلاد، وهي عادة ما تعمل على تنفيذ سياسات الحكومة.


كما تعنى المخابرات بجمع المعلومات عن البلدان والمؤسسات الأجنبية وتقييمها، وتقوم بمكافحة التجسس، وكل ما من شأنه إضعاف البلاد، وأمنها القومي، وهذا ما يتمثل في وكالة مكافحة المخابرات أو وكالة مكافحة التجسس. وتشارك بعض وكالات مكافحة المخابرات في عمليات سرية، أي أنها تتولى بشكل سري أنشطة سياسية وأمنية استباقية لمنع أحداث، أو التأثير في مجرى الأحداث في بلدان أجنبية، وهي تحتاج لقدرات فائقة وعالية من الذكاء. 


المخابرات إذًا، هي أن تعرف وتدقق، لأن المعرفة قوة، وكلّما عرفت أكثر كانت أقوى، ثم تحلل، وتقيِّم، وبعدها تتوقع وتقدر، ومن ثم تستبق.


وتهدف وظيفة المخابرات في الأساس إلى تحقيق الأمن والاستقرار للدولة نظراً إلى الظروف الإقليمية وتفاقم عدم الاستقرار في الدول المجاورة مثل ليبيا وتونس ومالي والنيجر، فالسلطات الجزائرية قوت دائرة الاستعلام والأمن في الوقت الراهن.


ودليل على ذلك منذ إعادة  هيكلة جهاز الاستخبارات، بما في ذلك فروعه الأمنية فجهاز الأمن الجزائري أقوى من أي وقتٍ مضى على الرغم من التحديات والرهانات التي تنتظره وللحديث بقية.

تعليقات

أحدث أقدم