الزوراء

مشاهدات

 


مصطفى الهَوَّد


عندما كنت اذهب الى العمل في بغداد كثيرا ما كنت أشاهد احدى السيارات وهي تحمل الصحف اليومية . كنت اقف بالقرب منها كي المس الصحف التي أجدها ساخنة فيميل قلبي وفكري لأحتويها واتدفأُ بها خاصة في فصل الشتاء حيث اجد المثقفين والموظفين والناس ينتظرونها بشغف وهم يقفون في طابور لا لشراء الخبز لوجبة الفطور . بل ليأخذ كل منهم نصيبه من العلم والاخبار الساخنة بسخونة البلد .


الزوراء : هي صحيفة عراقية أسبوعية تصدر باللغة العربية . أسست في بغداد عام 1869م . وحاليا هي الصحيفة الناطقة بلسان نقابة الصحفيين العراقيين . كانت من بنات أفكار مدحت باشا والي العراق العثماني الذي (حكم في الفترة ما بين 1869–1872( ..  تم صدور جريدة الزوراء العراقية أثناء ولايته وهي أول جريدة تصدر في بغداد على يد مؤسسها الوالي في 15 حزيران 1869م . ومدحت باشا كان قد جلب لها مطبعة من باريس عام 1869 اسماها بمطبعة (الولاية) وكانت المطبعة والجريدة يعودان لشخص واحد . صدرت الزوراء ومنذ عددها الأول باللغتين العربية والتركية وبالحجم المتوسط بثماني صفحات ثم بأربع صفحات حتى الحرب العالمية الاولى عام 1908 م . واستمرت بالظهور دون توقف زهاء تسعة واربعين عاماً وكانت هي الأولى في العراق وذلك بعد تعيينه واليًا ومجيئه إلى بغداد عام   1869. اسم الزوراء مأخوذ من أحد الأسماء المستعارة لبغداد ويعني حرفيًا الميل أو الاعوجاج وذلك لأن المدينة تقع على أحد منعطفات نهر دجلة ..


ظهر من الجريدة إجمالًا 2607 عددًا من أول إصدار لها في يوم الثلاثاء الموافق 15 يونيو لعام 1869 وحتى آخر إصدار في يوم الثلاثاء الموافق 13 مارس لعام 1917. تتضمن التواريخ الهجرية على اليمين وتواريخ التقويم الرومي (العثماني) على اليسار ويظهر من حين لآخر تضارب في تلك التواريخ . مثلت العصر وسجلت الومضات الفكرية التي كانت تقدح في الظلام من التأخر والتخلف وقد ساهم في تحريرها كثيرون منهم :


أحمد عزت الفاروقي وطه الشواف ومحمود شكري الآلوسي وفهمي المدرس وعبد المجيد الشاوي وجميل صدقي الزهاوي . وبدأت الجريدة بقوة العزم شدة على الهمة واخذت تنقد وتوجه لبعث الهمم الركود وتشد العزائم واعادة الحياة الى النفوس حتى اثرت في جميع فئات المجتمع ومها كان الامر فقد عبرت الجريدة عن الفكر المعاصر وعكست لنا الومضات الفكرية والاتجاهات الادبية التي كانت تسود العراق واخذت في تنوير المواطنين وهي سابقة بين القلة المحدودة من الكتاب والمفكرين وبخاصة في عهد مدحت باشا الذي احدث جملة اصلاحات من ضمنها ان هذا البلد الزراعي مثل العراق . لم يكن يهم الناس غير رواج المحصولات وتصديرها الى الخارج فكان بعيد النظر عندما ادخل بواخر نهرية لتصدير المحصولات عن طريق البصرة وقناة السويس وغيرها وتكريب الانهار ونقل البضاع وقامت كوادر الجريدة تحث الاهالي الذين لا يعملون ودعتهم الى استغلال الارض بالزراعة حتى تتسع دائرة العراق التجارية وتصدير المواد المطلوبة عالميا مثل السكر والزيتون والحرير وكذلك اخذت الجريدة نشر الوعي والتعليم والمطالبة بتأسيس مدارس حديثة وطلبوا ايضا نشر المكتبات العامة (كتبخانة) ومن الطريف والجديد على الفكر في هذا العهد ان تدور مناقشات حول الآراء مثل طرح موضوع من قبل احمد حلمي حيث كتب مقال يعيب على حاجزين الكتب في المساجد والجوامع ويرى ضرورة تمكين الناس من الاستفادة منها ولا يكفي بذلك انا يدعو الى مجانية التعليم (اليوم الحكومة هي التي تدعم المدارس الاهلية والجامعات)


وذلك لفقر الناس ولعدم قدرتهم على دفع الاجور ومسالة اخرى هي رواتب المعلمين الضئيلة ( واليوم مع وجود رواتب للمعلمين وخاصا التعليم العالي نجد كثرة الدروس والمدرسين الخاصين حين اصبحت تجارة كبيرة ومربحة) وكذلك وجعه الى الذين استولوا على الكتب باعتبارها ارثا خاصا من المدارس في بغداد كالأحمدية والسليمانية والعدلية والحيدر خانه ( اليوم نستبشر بوجود الكابينة الكتاب) واخذت الجريدة منحى اخر من الرسائل التي تصل اليها عن طريق السمع والوسائل المتاحة من الشكاوى من المستشفيات والقضايا العامة وكان هذا استعراض بعض الادوار التي حققتها جريدة الزوراء وهي ليس العبرة بالجريدة نفسها انما نموذج ليضرب على الدور الحقيقي التي يفترض ان تعمله الصحف لكن لم تتجاوز السنوات المحدودة التي كان قد قضاها مدحت باشا في العراق وقد تم عزل هذا الوالي حال دون نشر الوعي الفكري واستمرار الاصلاح الاجتماعي في البلد حتى امست الجريدة اداة من ادوات الدعاية الرسمية تسبح بحمد وتمجيد الوالي وتسبغ عليه الأوصاف . غياب الصحف من عالمنا الى العالم الافتراضي ادى الى امور تعكس سلبيا على مجتمعنا منها :


1 : ظهور الفيس بوك والوسائل الاخرى ادى الى ضياع مصداقية الخبر.  

2 : كثرة الامية حيث ان اغلب الناس اعتمدوا الى الاستماع وتركوا القراءة.   

3 : المواقع الوهمية ادت الى زعزعة الامن في البلد لكثر الاخبار المزيفة.  

4 : ظهر جانب التشهير والاعتداء على الحرية الشخصية.  

5 : اليوم الصحف اصبحت مجرد لوحة اعلانات للمشاريع وفقدان المستمسكات الرسمية.


 وكثرة مما ادى الى هذا الغياب وان ارى في الدولة المتقدمة بكثرة الصحف والمجلات الصادرة منها والتي تدعم حركة الثقافة والتثقيف الفني والادبي اما في العراق فلا توجد الا بشكل محدود على أي حال هذا تاريخنا وهذا واقعنا وشتان ما بين الاثنين .


تعليقات

أحدث أقدم