روميو وجوليت

مشاهدات

 



ضرغام الدباغ

في ربيع عام 1972 كنت في زيارة عمل لإيطاليا وأبى الأصدقاء الرائعين إلا أن يحملونا ذكريات تلك الزيارة لإيطاليا التي هي من وجهات السفر المفضلة عندي لأسباب كثيرة تدعوك لأن تكرر الزيارة لإيطاليا / روما ومدنها الأخرى وفي المقدمة فينيسبا . ومررنا بالسيارة بعلامة خلال مرورنا بالطريق السريع إلى مدينة فيرونا (Verona) فأثارت الذكريات ...

كنا قد درسنا مسرحية وليام شكسبير (روميو وجوليت) كمادة مقررة في الأدب الإنكليزي في مرحلة الثانوية . وتراجيديا روميو وجوليت ليست مجرد أحداث غرامية بين فتى مراهق وفتاة بمثل عمره أحبا بعضهما بعاطفة قادتهما في النهاية إلى الموت وهذه النهاية المأساوية سببها الحقيقي هو التعصب الأسري لعداء لم يكن له مبرر سوى بسط النفوذ والهيمنة في عصر كان الإقطاع سيد الموقف السياسي والاجتماعي ولعل أحداث كهذه (إلى جانب ثورات وانتفاضات وتقدم علمي وثقافي وفني) بمؤشرات عديدة غيرها أقنعت الناس رسمت خطوات نهاية حقبة الإقطاع والأمراء ورجال الكهنوت .

ورغم أن شكسبير الذي خلد هذه الأحداث ولم يحدد فترة تأريخية لها ولكن كما يبدو فأنها قد وقعت في الفترة بين 1260 – 1387م حيث كانت مدينة فيرونا (شمال إيطاليا) تتمتع باستقلالها الذاتي حكم عائلات أمراء ونبلاء (قبل الوحدة الإيطالية عام 1871) وكان من الشائع أن تحتدم معارك عنف وحقد بين الأسر الإقطاعية النبيلة مثل مونتاغ وكابوليت . وقد كتب شكسبير مسرحية روميو وجوليت بين عامي 1593 و1596 وكان شكسبير قد استقى الفكرة من التراجيديا التاريخية روميوس وجوليت (1562) الملحمة الشعرية الطويلة لمؤلفها آرثر بروك والتي اعتمدت بالأصل على قصة فرنسية لمؤلف يدعى بيريه (1559) ولكن القصة هي أقدم من تلك بكثير فقد ذكر ماسوجيو ساليرينتاتنو في كتابه نوفيلينو II في العام 1476 كما أعاد ليويجي ريتروفاتو في إستوريا نوفيلامنثى ريتروفاتا دي نوبلي آمانتي (سيركا 1530) ووصف دابوتو أن العداء والمعارك بين الأسر الفيرونية كان محتدماً بين مونتاجي وكايلشفيو اللذين عاشا في فيرونا وما تزال هناك شرفة وحكاية عن منتحرين اثنين وشخصية أخرى تدعى ماركوجيو . وهناك من يزعم أن القصة خيالية ولكن الدراما ساهمت برسم الأبعاد الاجتماعية لتلك المرحلة في مناطق شمال إيطاليا التي كانت مقسمة بشدة ولم يقيض لها أن تتحد إلا بعد وقت طويل (1871) شكسبير حين أن يخلد تراجيديا روميو وجوليت كان فكره ثورياً فهو أراد بطريقته لا أن يسخر من التقاليد (الاقطاعية) ومن عسف العائلات بل ويدينها بالإجرام وبطريقة ذكية ضرورية لكل كاتب وأديب استطاع أن يحمل الناس على كرة وإدانة الرجعية والنظام الكهنوتي / الأكرليكي / الاقطاعي وأن يهز عواطف الجمهور ويتغلغل إلى ضمائرهم بأسلوبه بعرض مأساة العاشقين الصغيرين روميو وحبيبته جوليت وإني لأعتقد أن عمل شكسبير وأمثاله قادت إلى إدانة ألأنظمة السياسية القائمة على تحالف القياصرة (الملوك والأمراء) والكنيسة والاقطاع وقادت إلى التطورات المهمة لمرحلة ما بعد عصر النهضة والتنوير.

هذه المسرحية هي المفضلة عندي بين العديد من مسرحياته الأخرى : عطيل حلم ذات ليلة صيف . هاملت . تاجر البندقية . ماكبث . هنري السادس . يوليوس قيصر . الملك لير ...الخ . وإن لم أحض بمشاهدتها على المسرح ولكني شاهدتها يومياً كفلم سينمائي في دمشق 1970 والفلم كان رائعا بحق إخراجاً وتمثيلاً وتصويراً ورائع بصورة خاصة بموسيقاه التصويرية التي أعتبرها النقاد من القطع الموسيقية الرائعة (للأفلام) وواضع الموسيقى موسيقار إيطالي من المشاهير (نينو روتا / Nino“ Rota) وهو نفسه من وضع الموسيقى التصويرية لفلم العراب الشهير إخراج فرانسيس كوبولا . وقد عزف هذه الموسيقى الرائعة عشرات العازفين العالميين مثل كلايدر مان وأنريه ريو وفرق عالمية شهيرة .

تعليقات

أحدث أقدم