كان يوما ... غير كلّ الأيّام

مشاهدات

 





 بقلم  :  تبر عرباوي


كان يوما غير كل الأيام ... يوما فارقا  يوم رحل البحر .
ضحى وزوارق الصيادين تنتشر على أديمه  وسفن التجار تمخر عبابه إنتفض ثم إنتفض نعم إنتفض وسحب أمواجه وطواها على بعضها جبالا من المياه الهادرة ... وإستمرّ يطويها وتعظم الجبال حتى لم يعد أحد يفرّق بين الماء والسماء واختفت الشمس . 

كأنما يوم عاصف اسودّت غيومه وابتعدت نجومه ثم زحفت الجبال بعيدا وأطلّت الشمس لتكشف عن صحراء لا متناهية خلّفها البحر . رحل البحر وتبعه عويل الصيادين ونواحهم  وهام بعضهم في أثره دون عودة  بينما نصب الآخرون زوارقهم خياما في انتظاره .

كبير الصيادين قال : أنّه رأى سيد البحر غاضبا يشير إلى الموج بالارتحال .
هام الصيادون  يجمعون الأصداف يعلّقونها تمائم ويبنون بها صوامع صغيرة ويتخذون منها أبواقا  يرسلون بها تراتيل لسيد البحر  يستعطفونه كي يعود وينامون مناجين النجوم يناشدونها أن تخبرهم إلى أين رحل ؟ وهل هو غاضب منهم ويأتي كبيرهم كلّ صباحهم ليجمعهم ويقصّ عليهم رؤياه .

رأيت سيد البحر يشق جبال الأمواج ويستوي فوقها جبلا مثلها ينظر لي عيناه زورقان من فضة وزمرّد ثمّ يقهقه ويبصق في وجهي ويختفي . أحدهم وأحد شيوخهم الذين علّموهم الصيد وسكبوا البحر في جوارحهم وكانوا يدعونه راهب البحر يجمع الأصداف كلّ صباح ويغنّي ألحانا شجية يحسبها الصّيّادون بالبكاء والنّواح  .

يا غربة البحر إلى أين ذهب 
يا غربة الصّيّاد كم دمعا سكب 
و ذا الرمل حنّ لمائه و اشرأب  

صار كثير من البحّارة يسمعون أصواتا غريبة وبعضهم زارته سيدة البحر كوالدها كانت عيناها زورقان من فضّة وزمرّد لكنّ شعرها لم يكن من طحالب البحر مثله إذ أكّد كل الصيّادين الذين رأوه أنّ لحيته وشعر رأسه كان طحالب بحرية أمّا ابنته فكان شعرها موجة طويلة تتراقص فيها نجوم البحر و قناديله كانت جميلة جدّا لذلك ظلّ الصّيّاد فاغرا فاه و لم يستطع أن ينبس بكلمة رمقته طويلا ثمّ استلقت على شعرها موجتها المزركشة ورحلت .

يا غربة البحر إلى أين رحل 
يا غربة الصّيّاد يشجيه الطّلل  
يا عجز ذاك الرمل تعوزه المقل   

كان الرّاهب يناجي محراب أصدافه وينشد حين تقاطر الصّيّادون فزعين أرجل غريبة  تتهافت على بحرنا تقصد ما تركه لها البحر إستدار الرّاهب وإذا بالبدو قد حطّوا رحالهم  وكثير من الناس يحملون أدوات و يذرعون صحراء البحر يقيسون ويتحاورون تقدم منهم كبير الصّيّادين وراهبهم  يحفّ بهما الرّجال الحزانى المتعبون وسألوهم عمّا يفعلون ؟
قيل سنوسّع المدينة وقال البدو : الصّحراء لنا تنادينا أينما كنّا . حاولوا منعهم و لم يقدروا ثمّ شبّ شجار بين البدو والآخرين وانكفأ الصّيّادون على حلمهم  يناجون البحر .
فجأة صرخ الرّاهب : كانت هنا رأيتها و سمعتها .
هبّ الّصيّادون يسألونه ماذا قالت ؟
قال : نظرت إليّ مليّا حتى تجمدت وقالت : 
لست بحارا ... كن بحارا .






تعليقات

أحدث أقدم