الأول من مايو عيد العمال العالمي قراءة مختلفة

مشاهدات





د. نزار محمود


انها حكاية من حكايات صراع البشر التي كتب حتميتها القدر قدر من يملك ومن لا يملك ومن يقدر ومن لا يقدر قدر بين القوي وبين الضعيف وبين من يعرف ومن لا يعرف وقدر الأخيار والأشرار ! أرادوا أن تتحدد ساعات عملهم لكي يناموا ويرتاحوا بذات القدر من ساعات العمل وهكذا  نادوا  في شيكاغو في اليوم الأول من مايو من العام 1886 :  ثماني ساعات عمل وثماني ساعات نوم وثماني ساعات راحة ! لكن مطالبتهم جوبهت بقسوة وقتل وتآمر بيد  انها انتصرت في النهاية  برضوخ  وبقبول وشرف .


كانت الدول وأصحاب رؤوس الأموال ووسائل الانتاج في ذروة ثورتهم الصناعية وتنافسهم يجهدون مكائنهم وعمالهم ليل نهار ولم تهدأ جيوشهم في احتلالاتها ونهبها واستعمارها لشعوب وبلدان الغير . وفي خضم ذلك التناحر بين من يملك وبين من لا يملك، بين من يستغل بفتح الياء وبين من يستغل بضم الياء ولدت حركات فكرية وثورية وكان في مقدمتها الشيوعية التي دعت الى الغاء الملكية الفردية لوسائل الانتاج والى دكتاتورية البروليتاريا الطبقة العاملة صاحبة فائض قيمة العمل الحقيقية  وهكذا جاء شعارها حاملاً رمزي : المنجل والمطرقة . لم تكن نكبة فلسطين سوى واحدة من نتائج مثل ذلك السعي المحموم واداة من ادوات ذلك الاستعمار الذي أريد له أن يرتدي ثوب الدين والوعد الالهي المزيف . ومع تطور وسائل الانتاج واشكال ملكيتها من ناحية وطرق وأساليب الانتاج وعلاقاته وظروفه وتنظيمه من ناحية أخرى واجه ويواجه الفكر الاقتصادي السياسي اشكاليات كبيرة في التعامل مع مستجدات المفاهيم وتكييف السابقة منها في التعامل مع العنصر البشري في خلق فائض القيمة والثروة في انتاجها ومعايير توزيعها ناهيك عن اقتصاديات الثروات الريعية وأسس التعامل في توزيعها أو تثميرها .


وفي عالم عصر العولمة اليوم وهيمنة الأقوياء ومستجدات التعاشقات في العلاقات الاقتصادية الدولية الذي حتمته التطورات التقنية العملاقة في رقميتها وذكائها الصناعي فقد أصبحت الدول والشعوب الفقيرة والضعيفة والمتخلفة وما يسمى بالنامية أو بدول العالم الثالث لتحل محل الطبقة العاملة المستغلة بفتح الغين ويمارس بحقها الاستغلال والنهب . وهكذا وبغض النظر عن ما أشير له من المستجدات في أمر مفاهيم الانتاج والثروة يبقى الصراع قائماً بين البشر على أسس وظروف خلق ذلك الانتاج وتوزيع عوائده . من هنا سيبقى يوم الأول من أيار رمزاً للكفاح من أجل العدالة الإنسانية وتذكيراً بها وكشفاً عن المعتدين عليها من بشر  وقوى وقوانين وسلطات حكومية وادارية .


تعليقات

أحدث أقدم