حياة فازت بأوسكار السنة

مشاهدات



علي السوداني


حاولتُ كثيراً تدجيج القصة بمصطلحات نقدية فنية ممكنة لفلم ممتع حصد أهم جوائز الأوسكار العالمي لكنني فشلتُ مثل تلميذٍ غضٍّ يكره معلّم درس الحساب وعصاه ذات الفقار الكثيرة .

كائن بديع واحد اتكأ عليه هذا الشريط المدهش الذي شال اسم أرض الرحّالة .

هي الممثلة المذهلة فرانسيس ماكدورماند  أما الباقون فثانويون تماماً لكنهم رائعون .

سأجمّل أحزان الفلم وأسميها أشجاناً لذيذة وتلك إحدى الحيل التي ألجأ إليها لعلاج بعض أعطاب الروح .

فاقدو أمل ومحبطون ومرضى ومفلسون وصعاليك خسروا أعمالهم ومدخراتهم وعائلاتهم فهاموا في أرض يباب لا زرع فيها ولا نهر ولا طير  ومساكنهم سيارات ضيقة تم تحويرها وتعديلها فصارت بيوتاً قريبة من مخيالهم وقلوبهم وربما أوهامهم .

لم تحدث عملية قتل واحدة ولا صفقة مخدرات ولم يظهر بطلٌ يضرب التراب بعصاه فتظهر نافورة نفط أو منجم ذهب أو شتلة عنب تتوالد فتصير بستان كرم شاسع وأغنيات موسم حصاد ونبيذ بكر يسوره المشردون المفلسون ويسكرون ويرقصون على ضوء الحطب والعيون الدامعة .


ستينيون وسبعينيون أحسنهم حظاً هو من تدبّر سطل ماء نظف به بعض أجزاء جسده  حتى يكاد الناظر إليهم يشمّ عفن أجسامهم من خلف شاشة التلفزيون .


أحببت الأداء الإستثنائي للبطلة فرانسيس  ولم أكرهها حتى عندما ظهرت بمشهد مقزز حقاً  وهي جالسة تتغوط بمقعد مرحاض افتراضي داخل سيارتها الصغيرة المحورة الى كرفان بحجم زنزانة . كانت تحاول استعمال منديل ورقي  وكانت مائدة طعامها ملاصقة للمرحاض الجوال أو حفرة التنك .


يتجمع المشردون ليلاً على شكل دائرة بمركزها موقد خشب مشتعل  ويبدأ كل واحد منهم بسرد قصته والأسباب التي دفعته إلى هذه الأرض الموحشة الفقيرة .


أمراض كثيرة تستوطن هذه الأجساد البائسة اليائسة  وزعيم المكان الذي يشبه سانتا كلوز الحميم ما انفك يحدثهم عن الحرية الشخصية والتطهر والانعتاق من سطوة الآلة وسلطة العمل وقوة الإجابة على أسئلة المصير . التكافل والتكاتف كان مصدهم وساترهم  فهم يتقاسمون الطعام القليل والدواء الممكن وصولاً الى السجائر وأعقابها . لقد ذكّروني كثيراً بصعاليك الأدب والفن  وكانوا نبلاء وصبورين في تأويل وتجميل حيواتهم الإكراهية  حيث الفك الرأسمالي المتوحش ظلَّ يطاردهم حتى النهاية .


تعليقات

أحدث أقدم