سخط في بغداد سببه اجتثاث البعث

مشاهدات



د. باهرة الشيخلي


بعض المفلسين ممن تبنوا سياسة العقوبات الجماعية لم يتعلموا من التجارب السابقة التي مزقت البلد ودفع ثمنها الملايين من العراقيين ما بين شهيد ونازح وأرملة ويتيم ومغيب وقابع في السجون.

إيران صنعت من محمد الحلبوسي زعيما هي أرادته

أثار أمر نيابي وقعه رئيس البرلمان في العراق محمد الحلبوسي بتغيير تسمية لجنة المصالحة والعشائر النيابية إلى لجنة اجتثاث البعث النيابية عاصفة من ردود الأفعال والسخط بين قوى سياسية مشاركة في السلطة وأخرى خارجها وبين نواب داخل البرلمان وأحدثت صخباً ومجادلات بين برلمانيين ورئاسة البرلمان.

في الأمر النيابي نفسه قررت هيئة الرئاسة إضافة 10 نواب إلى عضوية اللجنة الجديدة التي ستكون برئاسة النائب الأول لرئيس البرلمان حسن الكعبي، وهو من الكتلة الصدرية التي يتزعمها مقتدى الصدر، وتتولى هذه اللجنة متابعة الإجراءات كافة المتعلقة باجتثاث البعث وتفعيل القوانين النافذة بذلك.

بمجرد صدور هذا الأمر اعترض نائبان من النواب العشرة الذين تشكلت منهم اللجنة هما عبدالله الخربيط ويحيى المحمدي على إدراج اسميهما في عضوية اللجنة، موضحين أنهما لم يسبق أن قدما طلباً لهيئة الرئاسة للاشتراك بعضوية هذه اللجنة وأن ما ذكر في الكتاب الصادر بتاريخ الـ17 من ىمارس الماضي لا علم لهما به، كما أن تشكيل اللجان أو استبدالها ينبغي أن يكون من خلال النظام الداخلي لمجلس النواب والتصويت عليه كذلك، لذلك فهما يعدان أن لجنة المصالحة والمساءلة هي لجنة معنية بهذا الشأن، حسب النظام الداخلي, وسبق أن صوت المجلس على أعضائها في بداية الدورة النيابية الحالية.

في خضم هذه الضجة لم يصدر شيء عن شباب الثورة التشرينية الذين يملأون ساحات الاحتجاج والذين يرى بعض المراقبين أن إجراء رئيس البرلمان يستهدف حراكهم بالدرجة الأولى

واعتبر النائبان أن موضوع اجتثاث البعث أصبح في كثيرٍ من الأحيان منطلقًا لاستهداف بعض الأشخاص، مبدين إيمانهم بأن قانون المساءلة والعدالة قد انتهى دوره ويفترض أن يكون القضاء هو الفيصل في ذلك.

والواقع أن الاجتثاث البريمري (نسبة إلى الحاكم الأميركي على العراق بول بريمر) الذي أصدر القانون وظلّ مستمراً، منذ سنة الاحتلال 2003 واتخذ أشكالاً عديدة إلا أنه لم يتوقف وكان رئيس المؤتمر الوطني أحمد الجلبي الذي توفي في حادث غامض، قبل سنوات، قد استحدث فنوناً عديدة للاجتثاث، أضاف إليها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي إجراءات غير قانونية آخرها واجهة لحزب الدعوة أطلق عليها اسم الجبهة الشعبية لاجتثاث البعث، لكن الآن اتحدت أحزاب المستوطنة الخضراء وميليشياتها لتفعيل قانون الاجتثاث.

ويُبدي الشارع العراقي اعتقاداً يكاد يكون جازماً أن رئيس البرلمان محمد الحلبوسي قد جيء به على وفق اشتراطات الامتثال المطلق لدولة الولي الفقيه وعليه أن يتبنى قرارات طهران ويدافع عنها، ويلتزم بتنفيذ لائحة أوامر إيران التي هي الآن صاحبة صنع القرار في العراق، ودورها السياسي أصبح وجوداً فاعلاً في الحكومة والبرلمان والقضاء، وهذا ما أكده السياسي الشيعي المستقل عزت الشابندر عندما قال، في حديث متلفز لقناة دجلة الفضائية، إن إيران هي التي تصنع القادة والزعامات لأهل السنة وقد صنعت من الحلبوسي زعيماً هي أرادته فصدّق أنه زعيم وقائد لأهل السنة في العراق وأخذ يتصرف بصفته (الزعيم الأوحد لهم) ولم يصدّق نفسه لأن الغرور أصبح سمة ملازمة له.

فيما اعتبر الأكاديمي والكاتب العراقي شاكر كتاب أن الحلبوسي ضرب عصافير عدة بحجر واحد، فهو أولاً أرضى أصحاب القرار ليبقى في منصبه بعد الانتخابات المقبلة، وأصحاب القرار هؤلاء هم من ألد أعداء البعث والبعثيين فيأتي إجراؤه هذا انسجاما مع ما يريدون، عدا عن أنه استجاب بذلك لضغوطاتهم في التصعيد الجديد ضد البعث لاسيما بعد ظهور رغد صدام حسين الذي قرأه هؤلاء قراءة خاطئة وظنوا أن في كلامها رسائل تهديد وإشارات عودة البعث إلى السلطة في العراق. من ناحية أخرى – وهنا يقف العصفور الثاني – أن الحلبوسي يريد تبرئة نفسه من تهمة التعاطف مع البعث بعد أن تبين أنه ينتسب إلى عائلة كانت تنتمي إلى البعث بكل جوارحها ومنها من وصل إلى مواقع متقدمة في الحزب. أما العصفور الثالث فهو أن الحلبوسي في خلاف مع الكثير من النواب السنة وسياسييهم من ذوي الانتماء السابق لحزب البعث فجاءت ضغوطات الأحزاب الدينية بفرصة ذهبية لتوجيه ضربة مهما كان حجمها إلى خصومه هؤلاء.

يخشى السنة في العراق، وسياسيوهم، على وجه الخصوص، أن تستهدفهم اللجنة الجديدة وأنها صممت للانتقام منهم، على منوال ما حدث في المراحل السابقة، فقد أعرب عضو مجلس النواب رعد الدهلكي عن استغرابه لتغيير اسم لجنة المصالحة والعشائر البرلمانية إلى لجنة اجتثاث البعث، ووصفه بأنه محاولة لإعادة العراق إلى مربع سنة الاحتلال 2003 واستمرار مسلسل العقوبات الجماعية واستغلال تلك العناوين لتصفية الخصوم السياسيين.

يُبدي الشارع العراقي اعتقاداً يكاد يكون جازماً أن رئيس البرلمان محمد الحلبوسي قد جيء به على وفق اشتراطات الامتثال المطلق لدولة الولي الفقيه وعليه أن يتبنى قرارات طهران ويدافع عنها

يبدو أن بعض المفلسين ممن تبنوا سياسة العقوبات الجماعية لم يتعلموا من التجارب السابقة التي مزقت البلد، ودفع ثمنها الملايين من العراقيين ما بين شهيد ونازح وأرملة ويتيم ومغيّب وقابع في السجون، وما زالوا يبحثون عن تصفية الخصوم السياسيين والعقوبات الجماعية، رغم خطورة تلك السياسات على اللحمة المجتمعية وعرقلتها لبناء دولة المؤسسات، وكان ينبغي للسياسيين الذين يتبنون النهج الطائفي، بعد مرور 18 سنة على الاحتلال، أن يكونوا قد غادروا مصطلح الاجتثاث وانتقلوا إلى مرحلة جديدة من الإصلاح والتغيير وبناء المجتمع الواحد بعيدا عن سياسة التصفية والقمع والتطهير تحت عناوين مختلفة، إذا كانوا يريدون ذلك، كما يصرحون، لأن النهج الطائفي كان سبباً في سنين من الخراب والدمار والفساد.

يرفض الكثير من سياسيي السنة اجتثاث البعث ويعدّونه أمراً غير مقبول ومرفوضا، خصوصاً، في هذه المرحلة الحرجة من عمر العراق الذي تجاوز خطر الإرهاب الداعشي، بل إن بعضهم يعتبر استمرار الانتقام من البعثيين يقطع الطريق أمام أيّ مصالحة وطنية حقيقية، والأكثر من ذلك أن المزاج الشعبي قد تغير تجاه البعثيين، بعد ثبوت فشل العملية السياسية التي أشاعت الدمار والفساد على مدى 18 سنة ولم تحقق أيّ شيء من النجاح، فضلاً عن أن هناك منهم من يقطع بأن اجتثاث البعث يراد به الانتقام من السنة تماشياً مع المنهج الطائفي للولي الفقيه، لذلك وصف بعضهم تشكيل اللجنة بأنه غير قانوني وتم من دون الرجوع إلى تصويت البرلمان.

واعتبر النائب عن ائتلاف الوطنية كاظم الشمري تشكيل رئيس البرلمان محمد الحلبوسي لجنة لاجتثاث البعث من دون الرجوع إلى تصويت البرلمان إجراءً غير قانوني، مبيناً أن تشكيل أيّ لجنة ونقل أعضاء من لجان دائمة إليها يخضع لتصويت البرلمان وفقاً للنظام الداخلي.

لكن الملاحظ أن أشد موقف صدر، بهذا الخصوص، من “تحالف عزم” الذي استغرب صدور الأمر النيابي المرقم 39 والصادر عن رئيس مجلس النواب، وهاجمه مشيراً إلى أنه تضمن كماً هائلا من الانتهاكات، بداية من النظام الداخلي لمجلس النواب وانتهاء بصلاحيات رئيس مجلس النواب نفسه.

وأشار التحالف إلى ما في الكتاب من انتهاكات واضحة تثبت عدم التزام رئيس مجلس النواب بالأطر القانونية في عمله، كما تثبت أن ثمة “هدفاً سياسياً” هو الذي دفع به إلى إصدار هكذا كتاب مليء بالانتهاكات القانونية، والأخطاء، وتجاوز الصلاحيات، يتمثل في محاولة الاستخدام السيء للسلطة من أجل مآرب شخصية وانتخابية، عبر هذه اللجنة غير القانونية لاستهداف المنافسين في سياق الانتخابات المبكرة التي يفترض أن تجري في الـ10 من أكتوبر 2020.

والحقيقة، أن صدور مثل هذا الكتاب يقضي على فكرة الانتهاء من ملف المساءلة والعدالة المسيّس وتحويله إلى ملف قضائي كان مكبلاً دائماً للقوى السياسية السنية، منذ سنة 2010، كما كان هذا الموضوع جزءاً من البرنامج الانتخابي لحكومة حيدر العبادي في العام 2014، وفشل في تنفيذه، كما أن تشكيل هذه اللجنة يطيح بفكرة “الحوار الوطني لإنقاذ العراق” الذي طرحه رئيس مجلس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي، في وقت سابق.

يعتقد المحلل السياسي العميد أعياد طوفان المقرب من محمد الحلبوسي أن رئيس البرلمان لا دخل له بهذا الكتاب وقد تم توقيعه من النائب الأول الكعبي أثناء تمتع الحلبوسي بإجازة دورية ولأن الدستور يجيز ذلك.

الحلبوسي ضرب عصافير عدة بحجر واحد، فهو أولاً أرضى أصحاب القرار ليبقى في منصبه بعد الانتخابات المقبلة، وأصحاب القرار هؤلاء هم من ألد أعداء البعث والبعثيين فيأتي إجراؤه هذا انسجاما مع ما يريدون

ولكن ما يفند اعتقاد العميد طوفان هو الكتاب نفسه الصادر من البرلمان إذ أنه موقّع باسم الحلبوسي نفسه لا بتوقيع نائبه، وإذا كان الدستور يعطي لنائب رئيس البرلمان صلاحيات الرئيس فإنه، بالتأكيد لا يخوّله التوقيع باسمه، خصوصاً وأن المؤسسات العراقية درجت على وضع حرف (ع) قبل اسم الرئيس أو المدير في حالة توقيع المخوّل بالتوقيع بدلاً عنه، إذ أن حرف (ع) يرمز إلى كلمة (عن)، ولا وجود، في الكتاب لما يشير إلى أن أحداً وقّع عن الحلبوسي هذا الكتاب.

في خضم هذه الضجة لم يصدر شيء عن شباب الثورة التشرينية الذين يملأون ساحات الاحتجاج والذين يرى بعض المراقبين أن إجراء رئيس البرلمان يستهدف حراكهم بالدرجة الأولى لأن الشباب سيكونون، هم وحراكهم، أول ضحايا هذا الإجراء.

لكن الواقع أن هؤلاء الشباب منشغلون الآن برص صفوفهم وتعزيز روح المواطنة بين العراقيين تمهيداً لتجديد عنفوان ثورتهم.

كاتبة عراقية

تعليقات

أحدث أقدم