الملالي الدجّالون في العراق .. هل المجتمع بحاجة لهم اليوم ؟

مشاهدات

 



أ.د. سيّار الجميل



لا كهنوت في الإسلام لا اريد أن أكون مجتهداً او فقيهاً  ولا عالماً في الدين  نفسه لأن المسألة  الدينية غدت حسّاسة جداً  لدى الناس ولم يستطع أحد الخوض فيها اليوم لما  تسبّب له من مشكلات وردود فعل قوية جداً وبالضد منه فيصيبه منها وجع رأس بلا طائل . 

كلنا يعلم أنّ الدين نزعة ايمانية مغروسة في الأعماق ولا يمكن لكائن من كان ان  ينتزعها من أي انسان  فالاسلام لايمثله كهنوت وليست لديه طبقة حاكمة ولارجال او اكليروس .. فلماذا تبلورت اليوم طبقة من التابو في العراق ؟ وقد استلبوا الإسلام ونصبوا انفسهم في مجتمعاتنا سدنة ورجال دين يمثلون دور القديسين والرسل والأنبياء ووكلاء الله في الأرض او سادة من الانقياء والناس عبيد .. الخ ؟ لماذا تملّكوا السلطة كي يلعبوا بالمجتمعات لعباً على أهوائهم باسمه وقد وجدوا من يساندهم ويصفق لهم ويتعبّد  في أروقتهم ويتباكى أمامهم .. ؟  كان امثالهم قد طغوا في  أوروبا قبل قرون ولكن ثار الناس على هذه الطبقة الكريهة وحجمّوا دورها وما استحوذت عليه طوال قرون العصور الوسطى الا في مجتمعاتنا التي انحرفت عن أدوارها المستنيرة  لتقع ضحية بأيدي  هؤلاء الملالي المعممين من خلال موجة الإسلام السياسي الذي  تفاقم خطره على مجتمعاتنا منذ العام  1979 وحتى اليوم . وكان الإسلام السياسي  قد بدأ  مع حركة الجامعة الإسلامية  في القرن التاسع عشر ولكن تناسل عن جملة كبيرة من الأحزاب والكتل والتيارات والعصابات باسم الدين ... وليكن معلوما ان تاريخ العراق السياسي كان خاليا من ادوارهم الوطنية قاطبة وكانوا فئة اجتماعية كسولة غير منتجة ابدا تعتمد على فتات الموائد لتغدو اليوم فئة متسلطة لقهر المجتمع وقتل وعي أبنائه ومستقبلهم ! وعليه فان الدين ضرورة روحية للإنسان لكنه غدا بنفس الوقت ظاهرة اجتماعية وتاريخية فالإسلام كبقية الأديان الأخرى عاش ازمنة طوال وكانت لظاهرته التاريخية انعكاساتها في كل بيئة احتضنته  مع  كل انقساماته من خلالها الى مذاهب وملل ونحل وطوائف وفرق متنازعة فقد  اختلفت وتصارعت عليه  وكلٌّ  يريد استلاب الدين  لنفسه  . 



إشكالية رجال الدين في العراق
أحببت اليوم ان أثير إشكالية رجال الدين في العراق الحالي ومعالجتها كونها ليست من الدين في شئ بل  في اتباعه من الملالي والمعمّمين الذين امتدوا عبر تاريخ  طويل وهم  نسبة  ضئيلة  ودخيلة  على  مجتمع  كي ترضخ الغالبية  من المجتمع اليها . وكان مجتمع العراق متماسكا وقويا ويحترم  نفسه كونه يعتبر الدين علاقة روحية سامية راسخة تربط الانسان بربه  او المجتمع  بموروثه وكان العلماء والفقهاء والمجتهدون يحترمهم كل من المجتمع والدولة فهم ليسوا وكلاء مارقين ومتسلطين  ولكن  مذ  بدأ توظيف الدين سياسيا  واعلاميا بدأ التنكيل به انقساميا والتحدث باسمه والتشّدق بمذاهبه وبأحزابه وكتله وتياراته وعصاباته وأصبح الإسلام بالذات يعامل  سياسيا واجتماعيا مثل أية سلعة تجارية  في أسواق تعج باللصوص والبذاءة والنخاسة حيث المال والقوة والاكاذيب .. وكان المجتمع  نفسه لا يقيم وزنا  للملالي المضحكين والمعممين الساذجين بل ويسخر من تصرفاتهم  وافعالهم واقوالهم وكثيرا ماوصفوا بأوصاف اجتماعية ساخرة لسوء تصرفاتهم  وجشعهم  ومساومتهم لقراءة القرآن في التعازي وعلى القبور بعمائمهم السود او البيض او كشيدات  صفر او خضر وأغلبهم من السدنة وخدم المساجد والمؤذنين والمقيمين  ..  وقلما يرتقي هؤلاء  في مراتب العلم كونهم جهلاء واغبياء  وليس لهم الا الثرثرة وبانتظار من يتصّدق عليهم او يطعمهم ولهم في المجتمع عدة قصص مضحكة لتبادل السخرية  توضّح  طمعهم وكذبهم وسوء تصرفاتهم ومراوغتهم وروائحهم جائفة وفاسدة تضج بها أجسادهم وافواههم نتنة - كما وصفوا .. وكانت الدولة تصرف لهم رواتب زهيدة تعيشهم لما يقدموه من  خدمات للناس في الجوامع  والحسينيات .


الدين لا تحتكره عصابات 
 لقد تغيرت الأحوال وانقلبت الموازين اليوم  ليغدو هؤلاء في  الصدارة ويسيطروا على الوقفيات بالحرام بسرقاتهم  ويجولون ويصولون في الاعلام  وميدان السياسة  وليسيطروا على قوى المجتمع  بما يتملكونه من سلطات الهية وفي مقدمتها السلطة الدينية  وكأنهم  ليسوا سدنة معابد ومنظفي امكنة وحراس مساجد بل  سدنة  دين  كامل  مع السنتهم البذيئة واحاديثهم  التافهة ..  وقد تأكدت  بأنهم  ينقلون جل ما يقولونه  من كتب  صفراء  كتبها دجالون وأفاقون وكذابون من امثالهم منذ الف سنة وتحتوي على روايات  منحولة  وأمور دخيلة  لا يقبلها  العقل ابدا  مع سياقاتها  التي جعلوها  دينية  ومقدسة  مسنودة الى أئمة واولياء  !!  وقد احتكر هؤلاء الدين باسمهم وهم جهلة  بينهم وبين  العقل  مسافات كونية  شاسعة ونسأل :  اين تربى هؤلاء  من  الافاكين المضللين ؟  لماذا بقوا جهلاء حتى في ابسط الأشياء  ؟  من علّمهم  كل هذا الهراء والافتراء وسيل المنكرات ؟ ولماذا  يستخدم  هؤلاء مثل هذه النصوص والروايات  ويقدمونها لأبناء هذا العصر ؟ ما هذا السخط  والفظاظة واللسان السليط  الذي  يستخدمونه في الرد على منتقديهم الذين تصّب عليهم اللعنات ؟ انهم ليسوا وعاظ سلاطين بل وعاظ  مجتمع  غدا  بلا  وعي ولا  إرادة  يغرق  معهم يوما بعد يوم ! وهم ليسوا من مذهب محدد او طائفة معينة  بل هم مزيج  من  كل الألوان والشكولات  الكريهة ..  


شتان بين الدين وبينهم :  الدجل لا يستقيم مع المنطق 
شتان بين الدين وبينهم فهم لايحتكمون لا الى عقل ولا الى برهنة ولا الى تجربة  ولا  الى تفكير سليم ..هم مهمتهم نقل الأكاذيب والخرافات والخزعبلات مع اضافتهم تفاهاتهم  بحيث غدوا يثيرون الاشمئزاز وتثير سماجتهم كل القرف بانعدام المنطق والتفكير  العلمي . ويبدو واضحا ان  سلاسل  الدجل طويلة في مضمارهم  الذي البسوه لباس الدين  وانهم  نسبوا  اقوالهم الى  أئمة مشهورين ومقدّسين فأحدهم  يجعل الارنب  حشرة  من الحشرات ! والآخر ينصح  بأكل البطيخ  لأن البطيخ  الأحمر  يغسل الذنوب !  والآخر  يعظ الناس  بلبس النعال الأصفر لا  الأسود !  والآخر  يروي عن الامام  بأن الأرض جالسة على  قرن  ثور  املس  ..!!  والآخر  يجعل المرأة  مجرد  حيوان  للمتعة ! والآخر يأمر بنزع  الكمام  مستخفا  بالفايروسات التي لا  تعيش في الاضرحة ! والآخر يقرأ عن  الحلال  في مفاخذة  الشيخ الطفلة  !  والآخر  يقول بأن سفينة  نوح  اهتزت  وربت في وسط  المياه  كونها مرت فوق ضريح  أمير المؤمنين ! والآخر  يتصنع البكاء  عند ذكر  بعض الأسماء !     والآخر  يقول  بأن  الماء ان دخل  بقوة الى  الشرج  فالصايم  يفطر  ! والآخر  يحلل شرب  بول البعير ! والآخر سمعته  يقول : عمامتي هي عمامة رسول الله  !  والآخر  ليس له الا اللعن  والشتائم  لمن لم يتفق مع ما يقول ! والآخر  يفتي  بأن  المضاجعة  اثناء الصوم لا تفطر ! والآخر يحلف الايمان الغليظة بأنه رأي في منامه  الزهراء وقد جلس معها وقبّل يدها وكيف ضلعها كان مكسورا !  والآخر يقول بأن الامام  حكى لنا عن البرازيل وأمازون  منذ الاف السنين ! وبعضهم – كما وجدت -  لا  يعرف  قراءة  آية  واحدة من آيات القرآن الكريم  !  وكانت تعاستهم  كلهم  كما بدت عند ادانتهم المتظاهرين  العراقيين ومباركتهم  قتلهم ! والآخر  يتبجح  كونه  سليل سادة  وكل العالم  والناس عبيد  !!  وآخر يعظ بعدم اكل الشكولاته  !  وهم لا يعترفون لا بوطن ولا  بتمدن ولا بما وصل اليه الانسان في هذا الزمن علما بأنهم يتمتعون  بالسفر في الطائرات  ويمتطون افخر  السيارات كما هو استخدامهم لآخر ما صنعته الميديا وثورة المعلومات  ..  وهم  يتعاطون الادوية والفاكسينات وكل المستحدثات الجديدة  .. الخ  ولكن  يدركون ان سلعتهم تتمثل في الحكايا والخرافات والاوصاف والتشبيهات والخزعبلات التي  يسمعها الناس عنهم  باسم المواعظ الدينية ويصدقون بها  !! 


مجتمعنا في زنزانة مغلقة مظلمة متعفنة 
اشعر عندما اسمعهم وكأنني في زنزانة  مظلمة مغلقة  مليئة  بالجثث والاضرحة  المتعفنة !  اشعر بالدوار والقنوط  واليأس والحزن الشديد على مجتمع  افكر  به كيف  كان  يسعى نحو التمدن في زمان مضى وكيف  غدا اليوم بائسا يجد دينه على ايدي هؤلاء  الدجالين  الأفاقين  الجهلاء  ..  ان  أسئلة  عدة علينا ان نجد أجوبة  عليها : من سيحمي أجيالنا التعيسة من هذا الغثاء الاعمى ؟ كيف ستمضي الحياة في القرن الحادي والعشرين وهؤلاء  يزدادون تفاهة وجنونا  ؟ من ذا الذي  يقف مع العقلاء  لإيقاف  هؤلاء  المجانين عن غيّهم  ؟  من يأخذ  مكانهم كي يقول  للدنيا : ان  الدين اخلاق  وسلوك  قبل ان يكون  مادة لاستلاب  العقول ؟  وأخيرا أنني اعتب بإصرار شديد على كل العقلاء العراقيين ان يوقفوا  هذا المد  الطاغي  لهؤلاء الجهلة  المجانين وان يقف كلّ علماء العراق وكل المثقفين المستنيرين  ضد  الهجمة اللعينة لهؤلاء التافهين باسم الدين ضد العقل في العراق وكل العاقلين !  وان تدان كل قناة إعلامية تفسح المجال لهؤلاء لينشروا بضاعتهم في المجتمع  وان ينظر المجتمع  الى هؤلاء نظرة اجتماعية دونية  واعلاء  مكانة  الافندي  والمستنير والمتمدن من خلال  الوعي بمثالب رجال الدين .. وان ترصد اقوال هؤلاء رصدا دقيقا ويرد على  ضلالاتهم  واخطائهم ردا علميا  مناسبا  ! والا يفسح الاعلام لهم أي مجال ليزيدوا من هذيانهم وقباحتهم والا  يستعينوا باسم المقدّس ضد  من يقف ضدهم  ..   باعتبار كل من يواجههم  هو المدنّس كما يصّورون ذلك أمام الناس  !!  وليدرك الناس  بأن من يقف  ضد هؤلاء  الأشرار  ليس  ضد الدين  ابدا رحم الله  الشيخ  الإصلاحي  محمد عبده  الذي  قال :  
ولست ابالي  أن يقال محمد    أبل أم أكتظت عليه المآتم  
ولكن دينا أردت  صلاحه    أحاذر  أن  تقضي  عليه العمائم  
وللناس آمال  يرون نيلها      وان مت ماتت  واضمحلت  عزائم



تعليقات

أحدث أقدم