النقطة الأخرى والتي لعبت دورا مهما في هذا التقارب تتعلق بغاز شرق المتوسط فبعد إعلان مصر عن اتحاد شرق المتوسط مع قبرص واليونان الغريم التقليدي للأتراك إلى جانب إسرائيل كان المتوقع بموجبه أن تصبح مصر مركزا عالميا لإسالة الغاز الطبيعي لكن ما حدث بعد الاتفاق بشأن إنشاء خط الغاز بين إسرائيل واليونان وقبرص من دون وجود مصر جعل القاهرة تعيد التفكير في الأمر فلكي تكون مصر مركزا عالميا للإسالة لا بد أن يمر خط الغاز عبر المناطق التركية في شرق المتوسط . وانعكس هذا الإدراك المصري في الاتفاق الذي كانت قد عقدته مصر مع اليونان قبل عامين تقريبا بشأن ترسيم الحدود المصرية وتركت فيه مصر جزءا كبيرا لليونانيين كان الغرض منه تطميع الأتراك أكثر وقد فهموا الرسالة وتفاعلوا معها وعرفوا أن ذلك في مصلحتهم فترسيم الحدود بين مصر واليونان شمل فقط جزيرتي كريت ورودوس ولم يتطرق إلى جزيرة كاستيليريزوا ولم تمس مصر الجرف القاري التركي . وهنا كان لا بد من التوافق حتى يحصل كلا الطرفين على ما يريدان . كما أن للنظام المصري هدفا آخر من ذلك التقارب وهو المعارضة المصرية المدعومة تركياً ولديها قنوات فضائية بات لها جمهور بين أوساط الشعب المصري . وعلى الرغم من التوتر بين الطرفين بعد انقلاب 2013 فإن العلاقات الاقتصادية بين البلدين لم تنقطع حيث وصل التبادل الاقتصادي بينهما في 2018 إلى ثمانية مليارات دولار كان يعني أن الأمور الاقتصادية والمصالح ستتغلب علي أي عوائق حتى ولو كانت على حساب المعارضة الموجودة في إسطنبول . ولكن منذ راجت الأخبار عما سميت المصالحة، ثم عن طلب الجانب التركي من القنوات التابعة للمعارضة في إسطنبول الالتزام بميثاق الإعلام التركي ذاعت أقاويل عديدة عن وضع تلك المجموعات المعارضة في تركيا ومستقبلها نتيجة التفاهمات التي استجدّت بين البلدين وبدأ طرح أسئلة عديدة بشأن وضع هذه المعارضة في تركيا والتي ينتمي معظمها لجماعة الإخوان المسلمين وكذلك القنوات التابعة لها هل ستطردها تركيا من الأراضي التركية أم تسلمها أم تغلق قنواتهم ؟
في ظل السياسة البراغماتية التي تتبعها لن تفرّط تركيا في تلك المعارضة فهي أداة ضغط مهمة وورقة رابحة في سياستها الخارجية عند التفاوض مع مصر كما أن كثراً من المعارضين حصلوا على جوازات سفر تركية وإقامات دائمة وأصبح وضعهم قانونيا . وإلى هذا الأمر فإن الجانبين المصري والتركي لا يثقان ببعضهما وفي أي لحظة قد يفشل هذا التقارب وبالتالي لايمكن التفريط في تلك الأداة المهمة وحتى لو أخرجت فيما بعد تركيا عددا منهم فسيكون إلى دول حليفة لها من دون خسارتهم بالصورة التي يتخيلها بعض المراقبين فمستقبل هذا التقارب التركي المصري مرهون أيضا بمدى فك ارتباط السياسة المصرية بالسياسة السعودية والإماراتية من جانب وكذلك قدرة مصر علي تحييد تركيا في ملفات مهمة مثل ملف سد النهضة وغيره لذا فهذا التقارب بين الجانبين مصلحي مرتبط بعوامل مختلفة لكن قدرة بقائه أو استمراره مسألة غير محسومة قد تجيب عنها الأيام المقبلة .
إرسال تعليق