القَوادَة واحتلال العراق ؟

مشاهدات

 



بقلم : محمود الجاف

البغاء يعني الاتصال جنسيا بينَ الرَجل والمَرأة مُقابل المال . كانت مُمارسته دائمًا مُثيرة للجدل لأنهُ نشاط مُخالف للمعايير الدينية والأخلاقية وسببا مُباشرا في الكثير من الجرائم وهذه المهنة مُرتبطة بالمافيا الدولية التي تُشارك في الاتجار بالنساء حاليا .

يعرف الاخوات والاخوة القُراء انني لا اميل الى كتابة مثل هذه المواضيع رغم وجوب توثيق كل المواقف التي عاصرناها لأنهُ تاريخا مُهما جدا أيا كان صانعهُ ولهذا لابد من نقله بدقة ومنهُ موقف هذه السيدة التي سأرمز لها ب ( ام قرار ) التي كنت ابغضها جدا وأذيتها لان المرأة عندي لها قيمة عظيمة طالما كانت تلبس على رأسها تاج العفة والوقار وتُؤدي دورها الذي خلقها الله من اجله وعندما تخلعهُ تصبحُ نكرة تماما لا أكاد اراها ولكن يبدو ان لهذه الفئة من الناس مواقف كثيرة وقد علمتني درسا جديدا هو ان الوطنية لا علاقة لها بالسلوك الاخلاقي وكلنا نعرف قصة (حسنة ملص ) التي اشتهرت في الأربعينيات وبسببها كان المذيع المصري ( احمد سعيد ) يُندد بحكومة الزعيم وهو يُردد بالنص ( إذا ماتت حسنة ملص فكلنا حسنة ملص ! ).

في عام 1938 فاض نهر دجلة وكُسرت سدة ناظم باشا من جهة الوزيرية واخذت المياه تتدفق الى الشوارع فاتصل مدير شرطة بغداد هاتفيا بعدنان مُحيي الدين معاون شرطة السراي وطلب منهُ تعبئة الناس فورا لوقف ذلك . كان الوقت قد تجاوز مُنتصف الليل وخلت الشوارع من المارَّة . فمن أين يأتي بالسُخرة ؟ لكنهُ وجد الحل عندما قادهُ ذهنهُ الى منطقة واحدة ما زالت تعجُ بالناس والنشاط فيها على قدم وساق وهي محلة الكلجية . فاقتاد ثُلة من افراد الشرطة وهرع الى ازقتها وجمع العاهرات وزبائنهنَّ وحشرهُم في السيارات وأسرع بهم الى محلة الكسرة وهناك انكب الشباب على حفر الارض وملء الاكياس بالتراب وهنَّ يحملنَّها على ظهورهنَّ لردمها وبقينَّ يعملنَّ حتى آذان الفجر . اسهمنَّ حقا في انقاذ العاصمة من الغرق ولولاهن لاجتاحت مياه الفيضان المدارس والمساجد والبيوت . وبعد صلاة الفجر أعادوهم كلٌ الى بيته . وفي اليوم التالي بعث امين العاصمة رسالة شكر وتقدير لكل القحاب والقَوادين الذين ساهموا بالعمل الشعبي لدرء الفيضان .

بعد احتلال بغداد في 2003 كنت اجلس في مكان ما . بصمت وفي داخلي خليط رهيب من الحزن والالم والصدمة والاسى والاسف والعجز الذي كان يُمزقُ روحي فقد كنت أرى كل شيء ينهار واحلامنا تضيع وحياتنا تنتهي واذا ( بأم قرار ) التي كنا نحتقرها لأننا نعتقد انها قوادة حسب تفسيرنا في حينها تأتي من بعيد وهي تبكي بحرقة والم وتنوح وامسكت بحاجة كان يحملها ولدها من الفرهود ورمتها وقالت لايدخل بيتي حرام ؟ نعم سمعتها باذني تقول ( لايدخل بيتي حرام ) ثم توجهت الي مُباشرة من دون الناس الذين كانوا حولي وسألتني هل انزل صورة الرئيس ؟ فأجبتها نعم . رحلت وهي تئنُ بصوت مُرتفع وصراخ ينمُ عن المٍ شديد وحقيقي . القوادة كانت تنوح وتبكي بحرقة على بلدها لأنها يبدوا عرفت انهُ سينتهي وشعبها سيُذبح وتُسرق ثرواته ويُدمر فيه كل شيء .

في الحقيقة موقفها اصابني بالذهول لأنني لم اكن اتوقع ان هذه الفئة من الناس لديهم هذا العُمق من الاخلاص وحُب الارض . لأننا كنا نتصور ان من يمنح جسده للأخرين او يتخذ من هذا العمل مهنة لايبقى لديه اية قيم دينية او انسانية . وبدأت عمليات المقاومة والكل يجري ليسجل الملاحم والبطولات . وهي منهُم . كل الشعب . سُنة وشيعة . عربا واكرادا . صابئة ونصارى . وتركمان . اعرف اسمائهم ولا انساهُم ما حَييت . ثم دخلت غربان الشر التي كان يجب على فحول اللغة ان يجدوا مُصطلحا يليق بمواقفهم وسلوكهم لأنني تأكدتُ انها اشرف منهُم بكثير . ظلمتها انا للآسف الشديد .

اعتذر منك يا امُ قرار وارجو من الاجيال التي ستأتي بعدنا ألا تنزع من ساكني الكلجية صفة الاخلاص والوطنية ولاتخدعهم الملابس الراقية او العجلات الفارهة او حتى ازياء بعض رجال الدين والافندية فقد تكون العاهرة التي يحتقرونها اكثر نُبلا وانسانية وطهرا منهُم ومعرفة للحلال والحرام والا سيقعون في نفس الخطأ الذي وقعت فيه .



ملاحظة : ارجو من الاشخاص الذين اطلعوا على هذه الحادثة عدم ذكر اسم السيدة الحقيقي وعنوانها اكراما لها الان وان بقينا احياء سيأخذُ كل ذي حقٍ حقهُ ونتناقل اسماء اصحاب المواقف الخالدة ومنها موضوعة البحث .

تعليقات

أحدث أقدم