صفحات من معركة الفلوجة الاولى

مشاهدات

 


نجلاء السامرائي


مضت ايام الاحتلال البغيضة ثقيلة واصبح المحتل يصول ويجول في ربى العراق وسيطر على القصور الرئاسية في الأعظمية وكانت تطل على دجلة الخالد وهو ينساب حزين على ما جرى ويجري . اتخذ جنود الاحتلال من كلا الجنسين النهر مسبحا لهم ومنعوا اي شخص بالتقرب من تلك المنطقة التي حددوها الا ان شباب الاعظمية ورجالها كانوا لهم بالمرصاد واتخذوهم اهداف مما جعلهم يتوقفون عن السباحة وفي يوم يقترب من نيسان كان المرتزقة يحاولون السيطرة على المدن الأبية ومنها الفلوجة فقتلوا بعض المدنيين بحجة انهم ارهابيون وحاولت مجموعة منهم الدخول الى المدينة لكن اهلها كانوا لهم بالمرصاد فأوقفوا السيارات وقتلوا من كان في العجلة الاولى وعلقوهم على اطراف الجسر مما جعل زملائهم يهربون وبدأ المحتل بالزحف على المدينة لمحاولة اعتقال المنتفضين الا انه تفاجأ باهلها كلهم يردون الصاع صاعين وبدت الملحمة فسارعوا بتطويقها وقصفها من الجو والمدفعية يساعده كلابه من العملاء وبدأت صور البطولة والصمود ضد المحتل ...


اخذت جوامع ومساجد بغداد تنادي بمساعدة اهل الفلوجة ومنهم جامع الامام الاعظم وكانت الجماهير قد خرجت تلبي وقد تبرعوا بكل شيء من اموال ومواد عينية او طبية وكانت سيارات النقل تقف لتحميل المواد التي جاد بها الاخيار وبعض الاهالي لا يملكون الا الاشياء البسيطة مثل ادوية الامراض المزمنة والمواد الغذائية وقد طلب امام الجامع الشيخ مؤيد التطوع من اطباء او كوادر تمريضية فتقدمت انا لكون عندي المام بالتمريض والاسعافات في القادسية وكانت والدتي رحمها الله تعاني من الفشل الكلوي مما حدا بي ارسالها لإحدى أخواتي ورأيت شابان من المتواجدين الذين سيذهبون الى الفلوجة ومعهم كمية من المواد الغذائية والمياه كونهم اشتريا سيارة اوبل ستيشن وجعلا فجران الدم لها هي عملية ايصال تلك المواد الى تلك المدينة البطلة فطلبت الذهاب معهما ومعنا عجلة مملؤة بالأدوية وعلاجات للجروح من اهل الدورة والسيدية وفيها طبيبين وبدأت الرحلة في ضحى يوم الخميس وكانت الطرق اليها مغلقة ومحاطة بقوات الاحتلال التي تمنع الدخول اليها فبقي رتل السيارات بالانتظار وبعد محاولات عديدة دخلنا من طرق ترابية بعيدة واول ما شاهدت الخالدية وفيها الصبيان وهم يحملون الاسلحة للدفاع عن مدينتهم ومعهم الرجال ايضا كتف بكتف واستمر مسيرنا الى فلوجة النصر واعتقد كان الدخول من المنطقة الصناعية على الاكثر لأني شاهدتُ المحلات وهي مغلقة والصمت يلف المكان الا من القصف المتبادل واصوات الطيران المعادي وقد وصلنا الى المستشفى البديل التي تم احتلالها من العدو ودخلنا على مجموعة من الاطباء وكان بينهم المدير الدكتور رافع العيساوي فسلمنا عليهم واخبرتهم اني متطوعة من الاعظمية فقال الدكتور لشخص تبين انه مدير الادارة ويدعى ابو وسيلة فاخبره ان تودع كل المواد وتفرغ بالمخازن وطلب مني ان ارتاح في دار خالته وفي الصباح اعود للمشفى . عدت صباحا وشاهدت احدى السيدات التي أجريت لها عملية جراحية لإصابتها بجروح بليغة وكانت الاجهزة موصولة بها وطلبوا مني التأكد من وضع الاجهزة بجسمها وبعد ذلك تم نقلها الى مستشفى الجملة العصبية وكانت سيارة الاسعاف من الاعظمية وقد تم الاتفاق مع الشباب على ان يتم نقل الادوية واكياس الدم والحالات الحرجة الى بغداد وكانت شقيقتي ام عمر الفاروق تأتي يوميا مع السيارة لنقل المواد والعودة بالجرحى وكنا نطلب منهم ما نحتاجه من مواد مثل قماش لتكفين الشهداء وكانت تأتي ببعض المؤن لمساعدة المتواجدين وشاهدت احدى الاخوات وهي ممرضة بالمستوصف من اهل الفلوجة وتدعى اسماء فكنا نتعاون على علاج الجرحى وتضميدهم وفي ثاني يوم حضرت سيدة تدعي انها ام طارق وكانت تحمل كاميرا مع تلفون ثريا وحاولت ان تصور المكان وتسأل عن الاشخاص الذين يتواجدون مما اثار شكوكنا وبعد نقاش وجدل معها ادعت انها لا ترغب في البقاء معنا فرجعت وباليوم التالي وصلت سيدة مع ابنها الذي يدعى صهيب وكانت ممرضة جامعية لتساعدنا في العمل وبعد ثلاثة ايام حضر دكتور رافع ومعه سيدة تحمل حقيبة ملابس وقال انها دكتورة تدعى هناء لتبقى معكم وبعد الترحيب بها ادعت انها جراحة من مستشفى الكاظمية التعليمي فسالتها هل تعرفين دكتور خليل الكبيسي فأنكرت معرفته فاستغربت وهو الاستاذ بكلية طب جامعة النهرين وله ردهة في المستشفى للباطنية وقالت انه يمكن تم نقله ولما سالتها من اي عشيرة قالت عبيدية فسالتها هل تعرفين فلان او فلان وهم من شيوخ العبيد فأنكرت معرفتها بهم وقالت ان والدها يدعى عباس الدجيلي وقلت لها هذا ليس من العبيد وهذا محامي من الدجيل فتداركت الموقف وقالت انه يعمل معه وسألناها عن حالتها الاجتماعية فقالت ان لها طفلين بنت وولد وتكنى بأم راحيل وان زوجها كان اسيرا وعاد وكانت لهجتها من اهل الجنوب . والغريب انها كانت تسأل عن اشخاص كانوا يجلبون الشهداء او الجرحى وظلت ايام معنا والذي لاحظناه عليها انها لم تحاول الاتصال باهلها او اطفالها من التلفون الارضي لأننا كنا كل يوم نتصل للاطمئنان وفي احد الايام الححت عليها بالاتصال فطلبت رقم ولم يتم الرد عليها ورفضت اعادة الاتصال وكانت تراوغ وخاصة بعد وصول دكتورة تدعى ايمان مع زوجها دكتور ايضا بعد تنسيبهم من مستشفى الكاظمية التعليمي فسالتها عن دكتور خليل فأجابت انه موجود وعرفته وبعد الحاح منا معها اعترفت انها ليست دكتورة ولما حاولنا الاتصال مع الدكتور رافع لم نجده لكونه مشغول بالتفاوض مع حاجم الحسني لتوسط الحزب الاسلامي لوقف القصف المتبادل ودخلت مع الاطباء لإجراء عملية لجريح فتفاجأنا ان رجال المقاومة دخلوا غرفة العمليات واخذوا المرأة وطلبوا حقيبتها وتبين انها تحمل هويتين وانها مرسلة من جماعة معروفة ولم نعرف عنها بعد ذلك شيء وكانت تدخل مع الاطباء على اساس انها جراحة واستغرب الاطباء انها لاتعرف شيء عن الطب او العمليات . أما الأحداث التي شاهدتها فكانت غريبة فبعد ان حاول الحزب الاسلامي التفاوض مع المقاومة وأرسلوا حاجم الحسني مما جعل الرجال يختلفون وحتى وصلوا للضرب بينهم والتراشق بالكلام امام الجميع ووصل مراسل قناة الحرة وكانت قد صدرت فتوى بتحريم التعاون مع القناة فتم ضرب المراسل وتكسير الكامرة مما جعله يشتكي لدى وزير الصحة واتصل الوزير على دكتور رافع واخذ يعتذر ويتوسل له . وفي يوم وصلت شاحنة مملوءة بطانيات لأهل الفلوجة من احد التجار وتم التوزيع علينا فامتنعت من اخذها وكان احد المقاتلين فد جلب جريح فطلبها مني وقال يااختي اعطيني اياها وقال انهم ينامون على التراب وكان في المستشفى البديل عاملتين الاولى كبيرة بالسن والاخرى شابة مع بنتين لها وهي مطلقة وقد تعاقدت معهم باجر قدره مائة الف وقد تم تأجير غرفة لها بنفس المبلغ وكانت تدعى ام إيناس ولما سالتها من اين تعيشين قالت من اهل الرحم ومساعدات الناس وفي يوم اشتد القصف على المدينة وكانت العاملة الكبيرة قد طلبت مواد لتأكل منهم واذا بهم يوبخونها بان لا يوجد طعام لإعطائها وكانت شقيقتي تجلب كل يوم بالإسعاف لي مع السيدات بعض المعلبات والاجبان والسردين فاعطيتها ولما سالت احد الموظفين اين المواد التي تم جلبها بالتريلات قال الحزب الاسلامي يجمعها لمخازن خاصة بهم ويتم توزيعها بينهم او استعمالها للمناسبات الخاصة لهم ... وصل مراسل الجزيرة عبد العظيم وحاول ان يبث مباشر من المستوصف البديل وحاولوا نصب المرسلات والصحن فوق السطح ولكن تم تهديدهم بقصف البناية ومن فيها مما جعلهم ينسحبون مع الكادر الى بغداد .


كان مع الاطباء طبيب صومالي وشاهده اهله من الجزيرة فطلبوا منه الانسحاب فغادر الفلوجة . من مشاهداتي ان احد رجال الفلوجة وكان لديه عشرة اولاد وزوجته حامل ايضا وكان قد ابقاها لتطبخ للمقاتلين وكانت على وشك الولادة ورفض ان يفحصها طبيب رجل وقلنا له نحن لسنا طبيبات واصرينا على ان يفحصها طبيب ونحن متواجدين معه وحولها راسا لبغداد لاختناق الطفل في بطنها ونقلت الى مستشفى الكندي لإجراء عملية قيصرية لها .  اما القصف فكان كثيف جدا وقد استعمل المحتل حتى قنابل اليورانيوم المنضب وكنا لا نعرفها لكنها كانت تشبه الالعاب النارية وبالوان متعددة . في يوم تم جلب عائلة شيخ تم قصفهم جميعا مع شهيد من المقاومة كانت تفوح منه رائحة المسك وبعد تكفينه ودفنه بالملعب البلدي الذي اصبح مقبرة للشهداء . وبعد اشتداد المعارك والقصف انسحبت الممرضة اسماء مع اهلها وبقينا انا وام صهيب الى ما بعد ان تم وقف اطلاق النار وبعدها خرجنا الى بغداد في سيارة الإسعاف .


كانت ايام عظيمة لصمود اهل الفلوجة ورجالها الابطال وسوداء لقيام الطيران المعادي بقصف مناطق زوبع بعد ان تجمع فيها اهل الفلوجة هربا من القصف الهمجي وبعد عدة اشهر عدنا مع الجمعية الاسلامية ونحن نحمل مواد طبية وعينية ومعنا بعض الاطباء لعلاج النازحين في الحبانية وعامرية الفلوجة ولما حصل الهجوم الثاني على الفلوجة لم نتمكن من الوصول والدخول اليها ولكن قلوبنا تدعوا لهم بالخير والنصر  .

 

 


تعليقات

أحدث أقدم