النفس البشرية بئر يصعب بلوغ غورها

مشاهدات

 



ضرغام الدباغ

رغم أني درست علم النفس في الجامعة إلا أنني أعترف بأني أفشل في تحليل نفسية بعض البشر وخاصة مع الناس الذين أقدم لهم خدمات بروح أخوية ومصداقية إلا أني أتلقى أحياناً إساءات غريبة .. لا أدري لماذا ..؟ هناك من طوقته بجميل يفترض أن لا ينساه طيلة حياته . بعضهم يتجاهل الإحسان وهذه نصف المصيبة ولكن بعضهم يردها بإساءة مجانية لا داع لها .. لماذا ..؟ ربما لأن من تحسن إليه سيشعر بالنقص وبأنه مدين وهو غير ذا قدرة على فك دينه ...! ولكني أعتقد أن هذه الفكرة رغم وجاهتها إلا أنها لا تمثل كل المسألة .

يتداول الناس كثيراً هذه الجملة " أتق شر من أحسنت إليه " حتى تصور البعض أنها من الآيات وآخرون اعتقدوا أنها من الأحاديث الشريفة ونسبها آخرون إلى الحكماء. وبحثت شخصيا في المصادر ولكني لم أعثر على قائلها فإذن هي من الحكم الشائعة بقوة لدرجة لا يعرف مطلقها. والأغرب أني قرأت الحكمة نفسها في الأدب الأوربي إذ قال أحد الحكماء " لأني لسعت من الأصدقاء وممن أحسنت إليهم لذلك لا أريد أن أكثر من معارفي ".

وأكثرنا يعرف القصيدة الشهيرة التي يشكو قائلها (معن بن أوس المزني) من غدر من أحسن إليه وهي قصيدة قديمة .

أُعلّمهُ الرِّماية كل يوم ... فلمَّا اشتدَّ ساعِدهُ رَماني
وكم علَّمْتهُ نظم القوافي ... فلمَّا قال قافيهُ هجاني

ومعن بن أوس المزني (هو معن بن أوس بن نصر بن زياد بن أسعد بن أسحم بن ربيعة شاعر جاهلي أدرك الإسلام وأسلم وهو من صحابة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وشاعر فحل مجيد من مخضرمي الجاهلية والإسلام ويعتبر من أشعر أهل الإسلام كما كان زهير بن أبي سلمى المزني من أشعر أهل الجاهلية.

ثم أني في مطلع شبابي سمعت حادثة تروى بهذا المآل أن فارساً كان يضرب في البادية فشاهد من بعد رجلاً منهكاً يكاد يتمالك قواه ليسير فأقترب منه وأعطاه الماء وبعض الزاد لترد إليه روحه ثم أنه أحسن إليه وأركبه الفرس ليريحه فما أن صار الرحل فوق الفرس لكزها بقدمه فطارت تعدو ... فأخذ الفارس ينادي ويصيح " قف .. تمهل " فسخر الرجل منه وقال " أتعتقد حقاً بأني سأعيد إليك الفرس ؟ ".

أجاب الفارس " لا .. أدري أن لن تفعل ذلك ولكني أريدك أن لا تروي حكاية الغدر للناس فتقطع سبيل المعروف ".

واليوم كباحثين نتساءل ... لماذا يرد البعض الإحسان بالإساءة .. ما هو سبب ذلك ..؟
بالطبع قرأت وسمعت تفسيرات وتأويلات .. تذهب إلى القول أن الإحسان والمعروف يقع عند البعض موقع الفضل والدين فثلما كرُمت عليك أن ترد الكرم بمثله أو أكثر .. والفضل يكون في بعض الأحيان كلمة السلام عليكم أنها بمثابة دعاء فمن يتمنى لك السلام يتمنى لك الأمن والأمان والعافية وعدم الحاجة وهي في مقدمة النعم ..

لم أتفق أبداً مع القائل لا تفعل الإحسان حتى لا تلق جزاء فعلك إساءة بل كنت وحتى في سن عمري المبكرة أقول : أنا لن أغير من طبع الخير بسبب وجود أشرار وبالفعل لقيت الإساءة كثيراً ممن أحسنت له بل أن بعضهم كنت لا أتوقع إساءتهم مطلقاً لأني أحسنت إليهم كثيراً وأنقذتهم من محن ومشاكل ولكن للأسف هذه أيضاً نحيلها إلى خزانة أسرار الحياة ... كالمثل البغدادي " سوي زين وذب بالشط ".

تعليقات

أحدث أقدم