في ذكرى اتفاقية آذار.. أربيل - بغداد والمراوحة في المربع الأول

مشاهدات

 

قبل خمسين عاما من الان وتحديدا في الحادي عشر من آذار 1970 وقعت بغداد واربيل اتفاقية سلام بين الحكومة العراقية وقيادة حركة التحرر الكوردستانية بعد مفاوضات طويلة ومجهدة قادها من الطرف العراقي الرئيس الاسبق صدام حسين وكان حينها نائبا للرئيس احمد حسن البكر وبين الزعيم مصطفى البارزاني قائد حركة التحرر الكردستانية تلك الاتفاقية التي ارست سلاما بعد سنوات قاسية ومؤلمة من الحرب بين الطرفين وقد اعتمدت تلك الاتفاقية على منح كردستان والمناطق ذات الاغلبية الكوردية حكما ذاتيا ضمن جمهورية العراق ومنحت الاتفاقية فترة انتقالية لمدة اربع سنوات للتطبيع وازالة آثار الحرب ومن ثم تطبيق نظام الحكم الذاتي .


ما حصل للاسف الشديد بعد الاتفاقية باقل من سنة محاولات مأساوية لتدمير الاتفاقية وفي مقدمتها محاولة اغتيال الزعيم البارزاني باستخدام بعض رجال الدين من قبل مديرية الأمن العامة وما توالى بعدها من فقدان الثقة وعودة اساليب التغيير الديموغراي للمناطق ذات الاغلبية الكردية ومن ثم صياغة قانون للحكم الذاتي من طرف واحد اقتلع من كردستان مدن سنجار وكركوك وخانقين وبلدات اخرى ذات اغلبية كردية عمل النظام على تشويهها ومحاولة سلخها من جسدها الكردستاني هذه المحاولات ادت الى فشل الاتفاقية وعودة العمليات العسكرية وكانت بداية لخراب العراق وتدميره بسبب تداعيات ما حدث إثر ذلك .


نعود للمناطق الكردستانية تاريخيا وجغرافيا واجتماعيا التي رفض النظام السابق شمولها بقانون الحكم الذاتي وادام فيها عمليات التغيير الديموغرافي وهي مجموعة من أجمل مدن كردستان العراق تقع عند التخوم الجنوبية والشمالية الغربية والشمالية الشرقية من الإقليم ابتداءً بسنجار وزمار في الزاوية الشمالية الغربية إلى سهل نينوى والشيخان ومخمور وكركوك في جنوبها وصولاً إلى الزاوية الشمالية الشرقية في مندلي وخانقين وأطرافهما هذه الحواضر التي نقشت تاريخ حضارة الإنسان بأحرف من نور تعرضت وخلال أقل من قرن إلى هجمةٍ همجية متخلفة عاث منفذوها في الأرض فساداً ودماراً لعشرات السنين مقترفين أكثر الجرائم قساوة بحق سكانها الأصليين حيث التغيير الديموغرافي المتخلف والقانون العنصري المقيت قانون تصحيح القومية وتهجير السكان الاصليين ونقل سكان اخرين من مناطق الجنوب والوسط وعمليات التبعيث القسري الذي طال أناس لا يجيدون حتى لغة الأمة التي أراد البعثيون توحيدها تحت شعارهم المثير أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة فوأدوا أوّل محاولة لتوحيد سوريا والعراق وأعدموا رموزها !


هذه المدن التي عبثوا بتكوينها وأشكالها ومكنوناتها وأرادوا تقبيحها بأساليبهم العنصرية المقيتة بتمزيق أوصالها وتعريب سكانها بمشاريع عبثية أنفقوا عليها عشرات المليارات من الدولارات ومئات الآلاف من الضحايا هذه المشاريع العبثية انهارت خلال ساعاتٍ بعد سقوط نظامهم وتهاوت أمام حقيقة تلك المدن وهويتها التي أرادوا تغييرها بشكل عنصري ولكي يثبت سكانها الأصليون وقياداتهم تمسكهم بالقانون واحترامهم له طالبوا بأن تكون كل إجراءات محو آثار التغيير الديمغرافي قانونية ولا تستخدم فيها أساليب قسرية خارج القانون ولأجل ذلك تمّ تثبيت تلك الإجراءات في قانون إدارة الدولة ومادتها 58 عام 2004  وبسبب الأوضاع السياسية وتحضيرات الانتخابات وكتابة الدستور مطلع 2005 تمّ ترحيلها إلى الدستور وتثبيتها في المادة 140 التي وضعت خارطة طريق تتضمن ثلاثة مراحل هي التطبيع والإحصاء ومن ثم الاستفتاء على تبعية تلك المدن بين إقليم كوردستان أو الحكومة الاتحادية .


لكن للأسف ومنذ 2005 وحتى يومنا هذا عملت كل الحكومات المتعاقبة على المماطلة في تنفيذ تلك المادة بحجج واهية تؤكد أن ثقافة العنصرية متوارثة للأسف بأشكال وعناوين مختلفة لكنها واحدة في السلوك والتصرف فقد اتضح أنها متكلسة في توجهات الكثير من الحاكمين الجدد الذين وبعد ما يزيد على 20 عاماً أثبتوا بما لا يقبل الشك أنهم ينتهجون ذات الطريق حيث منعوا تطبيق المادة 140 من الدستور بل وعملوا جاهدين على إبقاء كل آثار التشويهات التي تركتها الأنظمة السابقة دون أي تغيير يذكر بل بانت تحضيراتهم في تشكيل قوات مخصصة لاقتحامها واحتلالها بعد أن تحررت في نيسان 2003 وحصل ما لم يتوقعه الجميع حينما اجتاحوها لمجرد خلاف سياسي بين الإقليم والحكومة الاتحادية العراقية وأقحموا القوات المسلحة والحشد الشعبي وفصائله وبإشراف مباشر من الجنرال الإيراني قاسم سليماني ومشاركة خبراء ومستشارين ومقاتلين من الحرس الثوري الإيراني في المعارك التي جرت بعد 16 أكتوبر 2017 في كل من التون كوبري وسحيلة في خرق فاضح وخطير للدستور الذي يحرم استخدام القوات المسلحة في النزاعات السياسية داخل العراق بل ولكل قيم المواطنة والشراكة والتوافق .


ومنذ ذلك الحين تمّت استباحة تلك المدن من قبل ميليشيات طائفية يتحكم في سلوكها التعصب القومي والمذهبي الذي دفعها إلى إعادة كل مشاريع التغيير الديموغرافي والترحيل القسري واضطهاد السكان الاصليين كما يجري الآن في سنجار وكركوك وطوزخورماتو وداقوق وخانقين حيث تأن هذه المدن من أوجاع الهيمنة التي لا تختلف عن أي احتلال عسكري لدولة أو مدينة فقد قتل المئات من أبنائها وتمّ حرق مئات المحلات التجارية لأصحابها الكورد ناهيك عن تهجير مئات الآلاف من سكانها الذين ما زالوا يرزحون تحت ظروف قاسية في مخيمات النازحين ويخشون العودة إلى مدنهم بسبب الانفلات الأمني وسيطرة الميليشيات على مقدرات تلك المدن التي بدأت منظمة داعش التوغل في مفاصلها لغياب أي خطة أو برنامج لمكافحتها خاصة وان القوى المهيمنة على تلك المدن منهمكة في عمليات التهريب والتجارة السوداء وتنفيذ أجندات إقليمية لربط إيران بمنابع النفط وسواحل البحر الأبيض المتوسط .


وللأسف الشديد ما تزال هذه المناطق بمدنها وبلداتها تخضع لذات السلوك رغم اسقاط النظام الذي تسبب في الكثير من مأساتها وهي اليوم خربة مرعوبة تعيش في ظلام مدلهم من العنصرية والتطرف المذهبي والديني ترتع فيها خلايا داعش التي أحيتها الميليشيات ثانية حتى لا يكاد المرء يفرق بين الأثنين بعد أن عاشت طيلة 17 عاما من الامان والسلام والازدهار .

تعليقات

أحدث أقدم