إنقاذ لبنان بين مناعة القطيع والإدراك الجماعي

مشاهدات



 جيرار ديب

قال مستشار الرئيس اللبناني وليد خوري لإحدى الصحف اللبنانية : إنّ وزير الصحة أنجز كتابًا رسميًا في ما خصّ الاستعداد لشراء لقاح سبوتنيك الروسي وهناك توقع بأن يصل لبنان إلى مناعة القطيع في غضون عام  وقد بدأ لبنان فعليًا ورسميًا بحملة التطعيم ضد فيروس كوفيد 19 ضمن خطة أعدّتها وزارة الصحة ترتكز على نقطتين : التشجيع على تلقي اللقاح ولا سيما بعد سلسلة حملات دعت إلى عدم التطعيم مستندة إلى فكرة المؤامرة الغربية التي أوجدت الفيروس والآن جاء دور اللقاح بالمفهومين الطبي والمؤامراتي أي الإيقاع بالناس والنقطة الثانية السير بين الألغام في عملية التطعيم ولا سيما من جهة مَن المستفيد ومصداقية المراكز التي يحصل فيها التطعيم وغيرها من أمورٍ غالبًا ما يقع فيها تتعلق بتقديم الجشع على الانتماء الوطني .


بالعودة إلى تأكيد المستشار وليد خوري أنّ لبنان يسير على طريق اكتساب المناعة الجماعية بفضل حملة التطعيم ضد وباء كورونا يبدو أنّ وزراة الصحة لا تضع الفيتو على أي لقاح توافق عليه منظمة الصحة العالمية لكنّ السؤال : هل يعتمد خلاص لبنان على جديّة التلقيح والوصول إلى مناعة القطيع، كما تأمل دول أخرى كبريطانيا وفرنسا بغية تعافي دورتها الاقتصادية وكي تستعيد الحياة الاجتماعية نشاطها المعتاد قبل تلك الجائحة ؟ أم أنّ المشكلة في لبنان أعمق من تشكيل مناعة القطيع لتصل إلى إعادة تكوين الإدراك الجمعي للمواطنين اللبنانيين والدفع بمسؤوليهم لتشكيل حكومة بمبادرة داخلية ؟على الرغم من أهمية الوصول إلى ما تعرف بمناعة القطيع بين اللبنانيين إلا أنّ المشكلة في لبنان لم تكن متعلقةً في انتشار وباء كورونا إبّان ثورة الاستقلال الأميركية ضدّ الاحتلال البريطاني أشاع الكاتب الأميركي توماس باين أفكاره ضمن مؤلفه مفهوم الإدراك الجمعي Common Sense والذي كان له بالغ التأثير في إقناع قطاعات واسعة من الأميركيين بتأييد فكرة الاستقلال وتبنيها وكانت أفكاره تدعو إلى أن يحكم الأميركيون أنفسهم بمعزلٍ عن أي سلطة خارجية بحيث يكون وضعهم حينها أفضل بكثير من حكومةٍ تهيمن عليهم من الخارج كما كانت أفكاره تدعو إلى إقامة حكومة متحرّرة من قيود ملك أوروبي جائر ومستغل وظلمه .


وعلى الرغم من أهمية الوصول إلى ما تعرف بمناعة القطيع بين اللبنانيين إلا أنّ المشكلة في لبنان لم تكن متعلقةً في انتشار وباء كورونا صحيحٌ أنّه كان لهذا الوباء الأثر السلبي الأكبر على القطاعات الصناعية والسياحية في لبنان تمامًا كغيره من البلدان وخصوصًا أنّه أبطأ النمو الاقتصادي العالمي ولكنّ المشكلة هنا أعمق من انتشار وباء وأخطر من نتائجه الكارثية على الوضعين الصحي والاقتصادي إنها مشكلة بنيوية تكمن في أساس الوعي الوطني والانتماء للخارج وفي انتظار الحكام مبادراتٍ خارجية تنشلهم من الورطة الحالية ومن انعدام الثقة بين الأفرقاء ما ينعكس على عدم المقدرة على تشكيل حكومة إنقاذ .

بقراءة هادئة للواقع يتخبّط لبنان في أزماتٍ كثيرة قبل انتشار فيروس كورونا أبرزها عدم مقدرة مسؤوليه على تشكيل حكومة والقيام بإصلاحاتٍ سريعة أبرزها ترشيد الدعم فسياسة الدعم التي تفرضها حكومة الرئيس حسان دياب تستنزف ودائع المودعين إذ يتمّ تهريب السلع المدعومة والمواد النفطية ومشتقاتها إلى الخارج من دون أي رقابة جدّية فالجدل القائم بشأن مسار التلقيح وما يشوبه من بطء وفوضى ومحسوبيات في بعض الأحيان استدعى ردًا من ممثّل البنك الدولي في لبنان ساروج كومار عبر تويتر بسحب الدعم المخصص من البنك الدولي ما دعا رئيس اللجنة الوطنية للقاح كورونا عبد الرحمن البزري إلى التهديد بالاستقالة من اللجنة على خلفية تلقيح نواب في المجلس من دون موافقة من اللجنة الوطنية .


عوضًا عن انتظار المبادرات الخارجية والارتهان لمصالح الخارج على المسؤولين تبنّي فكرة الاستقلال والحياد عن المشكلات والصراعات القائمة في المنطقة تشكيل الحكومة في لبنان متعلّق بتطورات المنطقة ولا سيما ما ستأتي به المفاوضات المنتظرة بين الأميركي والإيراني بشأن الملف النووي إضافة إلى مدى جدّية الانفتاح المتوقع للجانب السعودي في ملف الحكومة ولا سيما بعد عودة سفيرها إلى لبنان وبدء نشاطاته الدبلوماسية بعد غياب دام أشهر .


إذاً لا يجب أن يقل اهتمام المسؤولين في ما يتعلّق بالسباق للوصول إلى مناعة القطيع أهمية عن الوصول إلى تطبيق أفكار المفكر الأميركي باين عن الإدراك الجمعي إذ عوضًا عن انتظار المبادرات الخارجية والارتهان لمصالح الخارج عليهم تبنّي فكرة الاستقلال والحياد عن المشكلات والصراعات القائمة في المنطقة وإعلاء شأن تشكيل حكومة إنقاذ قبل فوات الأوان أخيرًا أمام التحدّيات التي تنتظر وزارة الصحة في الالتزام بجدولة توزيع اللقاح وفي ظلّ الارتهان للخارج والانهيار الاقتصادي السريع وفقدان الثقة بين مكوّنات الوطن قد نصل إلى مناعة القطيع بعد عام ولكن هل سيبقى وطن ؟ أم ينتظر اللبناني المؤتمر التأسيسي لإعادة هيكلة نظامه ؟ أم ستكون فكرة التدويل موضوعة رسميًا على طاولة المباحثات ؟


تعليقات

أحدث أقدم