ملامح إيران الغد .

مشاهدات

 



الشيخ حسين المؤيد 

أقام الخميني ومن تبعه من الملالي نظام الحكم في إيران على أساس ثيوقراطي بذريعة كون الأكثرية السكانية في إيران مسلمين يؤمنون بالإسلام الذي تغطي أحكامه وتعاليمه جميع مناحي الحياة ومن أهمها النظام السياسي الذي تدار عبره شؤون الحكم . وفي غمرة بلوغ العواطف الجماهيرية في إيران أوجها ذهب الإيرانيون الى صناديق الاقتراع ليصوتوا ب ( نعم ) للجمهورية الإسلامية مأخوذين بروعة الشعارات البراقة والوعود المعسولة التي كيلت لهم على أن تتحول إيران في ظل الجمهورية الإسلامية الى المدينة الفاضلة على الأرض ومستحضرين ما كانوا يسمعونه على المنابر من المعممين الذين يتفننون في التنظير والتسويق للدين بنحو يجعل المستمع في شوق الى ذلك اليوم الذي يعيش فيه في الدولة الكريمة حسب ما ورد فيما يسمى بدعاء الافتتاح المشهور بين الشيعة والذي يُقرأ كل ليلة في شهر رمضان في المجالس العامة والخاصة ( اللهم إنا نرغب اليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله وتذل بها النفاق وأهله وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة ) 

ولكن الشعب الإيراني منذ أن قال نعم للجمهورية الإسلامية وإذا به يتفاجأ شيئا فشيئا بعكس ما كان يدور في مخيلته عن ( الدولة الكريمة ) فإذا الحريات مصادرة والاعتراضات تواجه بالقمع بشتى صنوفه والاقتصاد يأخذ بالتراجع وترتفع مناسيب الفقر ويرتفع التضخم وتنخفض قيمة العملة وبتدهور الاقتصاد وتتعمق الفوارق الطبقية بنحو مقيت جدا يسحق العدالة الاجتماعية وترتفع مناسيب المشاكل المجتمعية وتدخل السلطة في صراع مع التيارات السياسية والفكرية التي تختلف معها وتمارس ألوانا من التضييق والتهميش وتتعكز بميليشيات لتهديد الناس وقمعهم و يتدهور وضع القضاء الى الحد الذي تصبح فيه المحاكمات صورية وإذا بالمعتقلين السياسيين يتعرضون لصنوف غير مسبوقة من التعذيب النفسي والجسدي وإذا بالسجون تكتظ بالمعتقلين في ظروف اعتقال سيئة وإذا بحقوق الإنسان تُمتهَن بنحو لم يكن في عهد الشاه وإذا بنظام الملالي يزج البلد والشعب في صراعات مع الدول ويهتم بأطماعه التوسعية على حساب رفاهية الشعب وأولويته في العيش في وطن عامر آمن مترقٍ مزدهر وإذا بالحرب مع العراق تطحن الشعب ويذهب ضحيتها الملايين من القتلى والجرحى والمعوقين وتستمر الأوضاع في التردي سنة بعد سنة وعقدا بعد عقد ولا أمل في التحسن بل يزداد الفساد والنهب والمحسوبيات والاضطهاد . ويجري ذلك كله باسم الجمهورية الإسلامية وولاية الفقيه على يد حكام ظلمة كذبة فاسدين . وإذا بالمواطن الذي نادى بشعار ( الاستقلال . الحرية . الجمهورية الإسلامية ) لا ينعم بطعم الاستقلال الذي طمسته الصفقات السياسية والانحياز الى محور دولي دون اخر ويفتقد الى الحرية حتى في حدها الأدنى ولا يلمس تطبيقا حيا للجمهورية أو الإسلامية فالحكم ديكتاتوري يجسد أبشع صور الاستبداد والإسلامية مجرد اسم فاقد للمحتوى والمصداقية بل هي توظيف في خدمة كل السلبيات المذكورة .

ومن الطبيعي في ظل تلكم الأجواء أن تهتز القناعات الفكرية والمشاعر الروحية ويتحول الإحباط الى رد فعل يستفز المواطن المتطلع للخلاص والحريص على مستقبل البلد وأجياله للمراجعة والتفكير . وتجلى ذلك في عزوف الناس عن التدين ليتصاعد الى عزوف الكثيرين عن الدين نفسه  ليصل الأمر الى حوارات مجتمعية جادة لا سيما بين النخب الفكرية والسياسية الإيرانية في داخل إيران وخارجها تتجه الى القول بأن ما حصل للشعب الإيراني فيما زاد على أربعة عقود يمكن أن يستمر أو يتكرر في حقبة قادمة إذا لم يعالَج جذريا . والعلاج الجذري بنظر هؤلاء هو قطع صلة إيران بالإسلام والعودة الى تراثها وثقافتها القديمة والتماهي مع قيم الحضارة الغربية وإخراج إيران من قائمة الدول الإسلامية . يدعو هؤلاء الى ولادة جديدة لإيران لا تربطها بالهوية الإسلامية . من الواضح أن هذه الرؤية قد لا تتحقق بهذا الحجم لا سيما وأن أهل السنة في إيران و هم ٣٠٪؜ من المجتمع الإيراني لن يوافقوا عليها وتبقى في المكون الشيعي في إيران نسبة ليست ضئيلة ترفضها . ومع ذلك فهذا الطرح ينتشر ويترسخ في أوساط الشباب وهم النسبة العليا في المجتمع الإيراني . لا شك في ظل هذا المناخ أن إيران الغد ستكون علمانية صارخة ولا شك في أن الهوية الإسلامية لإيران ستكون باهتة ولا شك في أن هذا التراجع سيقلب كثيرا من المعادلات السياسية والإنثروبولوجية الاجتماعية والثقافية وأخيرا لا شك في أن نتائج تلك التحولات في داخل إيران والتي سيكون مركزها وشعاعها هو المكون الصفوي ستكون إيجابية في العالم العربي والإسلامي ولا سيما في المنطقة .

تعليقات

أحدث أقدم