الكاظمي والبرامِكة الجُدُد .

مشاهدات

 




محمود الجاف

قيلَ مِرارا إن التأريخ يُعيد نفسه وما يجري الان يُشبه ماجرى عندما سيطر البرامكة . فهل سيكون رد فعل الكاظمي شبيها بما فعلهُ الخليفة هارون الرشيد ؟ . أم انها لعبة الاخطبوط الذي يمد ذراعا ويسحب اخرى حسب الحاجة والزمان وما يتطلبه الخداع والعمل ؟. لان مُسلحاً واحدا لو رآه الناس في الموصل او الطارمية او صلاح الدين وديالى او الرمادي لرأيت طائرات الدنيا كُلها تقصُف وفصائل الحشود والجنود تتجمع وتُصرح وسائل الاعلام وتُقرع الطبول . لكن الجماعة حلال . والسؤال هنا . هل ان العراقي اذا خرج مُطالبا بحقوقه اعزلا كان ام حاملا السلاح ارهابي ؟ والموالون الى خامنئي خارج اللعبة ؟ ام ماذا ؟ نحن بحاجة الى اجابة صريحة وواضحة ...

البرامكة : هي أسرة أصولها من مدينة بلخ . جدهم الأكبر كَانَ سادنًا في اشهر معابد المجوس وهو ( النوبهار ) في بلاد فارس . تبعهُ في ذلك بنوهُ من بعده وقد أسلم بعضهم وكان خالد بن برمك من كبار الدُعاة إلى الخلافة العباسية ولهذا جعله أبو العباس السفاح وزيرًا له . ويحيى بن خالد كان مسؤولًا عن تربية الرشيد وزوجتهُ مُرضعته . أما ابنه الفضل فقد كان أخا الرشيد في الرضاعة والمسؤول عن تربية ولده الأمين . وُليَّ خراسان واتخذ من جندها جيشًا كبيرًا جعل ولاءهم له اطلق عليهم العباسية . وجعفر بن يحيى الذي تولى الشام وبعدها خراسان ومصر ثم مسؤولاً عن تربية ابنه المأمون . أما موسى الابن الثالث ليحيى فقد كان قائدًا عسكريًا كبيرًا . في حين أن محمد الابن الرابع لم يكن له ذكر معلوم في التاريخ ودوره يُحيطه الغموض .استمرَّ وجودهم في مركز صناعة القرار حتَّى كانت نهايتهم في حدث تاريخي يُسمى ( نكبة البرامكة ) وانتهت بقتل جعفر بن يحيى .

و( النوبهار ) معبداً توقد فيه النيران . روى المسعودي أن الذي بناه منوشهر على اسم القمر . تُعظمهُ الملوك وترجع إلى حُكمه وتُحمل إليه الأموال . تنصب على أعلاه الرماح وعليها شقاق ( الحرير الخضر . تُسمى الان . العَلَك ) يقول ياقوت الحموي في معجم البلدان : أن البرامكة كانوا يعبدون الأوثان ولما وصفت لهم مكة وحال الكعبة اتخذوا بيت النوبهار ونصبوا حولهُ الأصنام وزينوه بالديباج والحرير وعلقوا عليه الجواهر النفيسة . وكانت الفُرس تحج إليه وتهدي لهُ وتُلبسهُ أنواع الثياب وتنصب في اعلاها الأعلام ولتشبيهه بمكة يُطلقون على سادنهُ ( برمكة ) وملوك الهند والصين وكابل تدين بذلك الدين ويسجدون للصنم الأكبر ويقبلون يده حتى فتحت خراسان في خلافة عثمان بن عفان وانتهت السدانة وسار إليه مع رهائن ثم أسلم وصار اسمه عبد الله وعاد إلى أهله فغضب عليه الملك نيزك طرخان وزحف إليه في جمع كثير وقتله وعشرين من بنيه ولم يبقَ له سوى طفل هربت به أمه إلى الهند فتعلم الطب والنجوم وبعد ان اصاب أهل بلاده الطاعون كتبوا إليه حتى قدم إليهم فأجلسوه في مكان آبائه وتولى النوبهار ثم تزوج بنت ملك الصغانيان فولدت له الحسن وبه يكنى .

وقد اختُلف في معبد النوبهار فالمقدسي والمسعودي وابن خلكان والحميري يقولون انه من بيوت النار في حين يقول ابن الفقيه والقزويني أنه أحد بيوت الأصنام بينما ذكر ياقوت الحموي انه من بيوت الأصنام والنار في آن واحد . ويذهب المُؤرخون الغربيون ومنهم الفرنسي دومينيك سوردال الى أنه معبد بوذي .

لما قام بنو العباس بطلب الخلافة نصرهم الفرس وأصبحوا أصحاب الدولة وحُماتها واستأثروا بشؤونها ولم يكد الأمين يبلغ الخامسة من عمره حتى اجتهدت أمه زبيدة وأخواله في أن تؤول إليه ولاية العهد . وكانت حجتهم في ذلك أن الأمين هاشمي الأبوين وذلك لم يجتمع لغيره . الا ان الرشيد قدَّم محمدا على أخيه الأكبر المأمون واستدعى الأمراء والقادة ورجال الحاشية والفقهاء ليُشهدهم على قراره وفي يوم الخميس (8 ديسمبر 791 م) أخذت لمحمد البيعة ولقبه أبوه بـ"الأمين" وولاه على بلاد الشام والعراق وجعل ولايته تحت إدارة مُربيه الفضل بن يحيى البرمكي .وبالرغم من عدم معارضة البرامكة على ولايته وتزكية هذا الاختيار الا انهم ما لبثوا أن شعروا بأنهم أساءوا الاختيار عندما أصبح الأمين شابًّا . عندئذ بدأوا يعيدون النظر في قرارهم واستغلوا قربهم من الرشيد ووجدوا بغيتهم في المأمون لان أمهُ فارسية . ونجحوا في ذلك وأخذ الرشيد على ولديه الأمين والمأمون المواثيق وأشهد عليهما ثم وضع تلك البيعة في حافظة من الفضة وعلقها في جوف الكعبة . وإزاء تعاظم نفوذ البرامكة واظهار الجرأة على الخليفة وتحكُّمِهم في أمور الدولة قرر الرشيد التخلص منهم واتبع سياسة الكتمان واستخدم عنصر المفاجأة وفي (29 يناير 803م) أمر بالقبض عليهم وأعلن ألا أمان لمن آواهم وأخذ أموالهم وصادر دورهم وفي ساعات قليلة زالت دولتهم وتبددت سطوتهم .

كان لتلك الحادثة الاثر الاكبر في إثارة شجون الفرس فعمدوا إلى تشويه صورة الرشيد وتصويره على انه الحاكم الماجن المُستهتر الذي لاهمّ له إلا شُرب الخمر ومُجالسة الجواري حتى طغت تلك الصورة على ما عُرف عنه من شدة تقواه وحرصه على الجهاد والحج ماشيًا والصلاة في كل يوم مائة ركعة . وهذا ديدنهُم مع كُل من عاداهُم . توفي في ( 24 من مارس 809 م) فتولى الأمين الخلافة وعمره 23 سنة مما ادى إلى إثارة الفتنة بينه وبين المأمون وأذكى نارها وقوع التنافس بين رجلين كان أحدهما الوزير الفضل بين الربيع الذي يسيطر على الأمين والفضل بن سهل الذي يسيطر على المأمون بالإضافة إلى اتخاذ العنصر العربي والفارسي من ابني الرشيد رمزًا للصراع بين العرب والعجم . استطاع الفضل بن الربيع إقناع الأمين بعزل أخيه وأعلن البيعة بولاية العهد لابنه موسى وسماه الناطق بالحق وأمر بالدعاء له على المنابر وقطع ذكر المأمون والمؤتمن .

أثار موقفه من أخيه غضب أهل خرسان فانحازوا إلى المأمون ضده وكان على رأس المؤيدين هرثمة بن أعين قائد الجند وطاهر بن الحسين الذي خرج على رأس جيش كبير معظمه من الفرس . وفي المقابل جهز الأمين جيشًا مكونا من ثمانين ألف مقاتل مُعظمهم من عرب البادية وجعل عليه علي بن عيسى . التقى الجيشان على مشارف الري ودارت بينهما معركة عنيفة كان النصر فيها حليفًا لجيش المأمون وقُتل قائد جيش الأمين . فأعلن طاهر بن الحسين خلع الأمين ونادى بالبيعة للمأمون فأرسل الأمين جيشًا آخر قوامه عشرون ألف مقاتل وجعل على رأسه عبد الرحمن بن جبلة الأبنادي لكنه لقي هزيمة منكرة وما لبث أن قُتل . فأرسل جيشًا ثالثًا بقيادة أحمد بن مزيد على رأس أربعين ألف مقاتل من عرب العراق ولكن طاهر بن الحسين استطاع أن يبث جواسيسه داخله فأشاعوا الفرقة بين قادته وجنوده حتى اقتتلوا وانسحبوا عائدين قبل أن يلقوا خصومهم ولم يستطع الأمين أن يجهز جيشًا آخر بعد أن رفض الشاميون السير معه وانضم عددا كبيرا من جنوده وأعوانه إلى خصومه وفر كثيرا منهم إلى المدائن. سادت الفوضى والاضطراب بغداد عاصمة الخلافة حتى قام الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان بانقلاب ضد الأمين وأعلن خلعه من الخلافة وحبسهُ هو وأمه زبيدة في قصر المنصور في (مارس 812م) وأعطى بيعته للمأمون لكن فريقًا من أنصاره استطاعوا إنقاذه من الأسر وأعادوه إلى قصر الخلافة . فتقدم جيش المأمون نحو بغداد وحاصرها خمسة عشر شهرًا وضربها بالمجانيق حتى تهدمت أسوارها وعمت المجاعة وبدأت المدينة تتهاوى حتى سقطت والقي القبض عليه ووضع في السجن . وفي ليلة (25 محرم 198 هـ . 25 من سبتمبر 813م) دخل عليه جماعة من الفرس في محبسه وقتلوه ومثّلوا بجثته وانتقلت الخلافة إلى أخيه المأمون بعد نحو خمسة أعوام من الصراع المرير والدامي .

في عهد الرشيد بلغت الدولة العباسية أوج قوتها وعظمتها فقد قضى على الخوارج والعلويين وغارات الروم ووصلت جيوشه إلى أنقرة (تركيا) واتصل بإمبراطور الصين وتبادل الهدايا مع الإمبراطور شارلمان في غرب أوروبا . وصارت بغداد مركز التجارة العالمية وملتقى العلماء والشعراء والفقهاء من كل الأرجاء . قال عنه ابن خلّكان (كان من أنبل الخلفاء وأحشم الملوك ذا حجٍّ وجهادٍ وغزوٍ وشجاعةٍ ورأيٍ ) وقال عنه منصور بن عمّار (ما رأيت أغزر دمعاً عند الذكر من ثلاثةٍ : الفضيل بن عياض والرشيد وآخر) ذكر الخطيب البغدادي ( أنّه كان من عادته أن يصلّي في اليوم مئة ركعة ولا يمتنع عنها إلّا لأمرٍ طارئ ) عُرِف بحبّه للعلم والعلماء وكان مُلكه عظيماً والرخاء في عهده كبيراً .

ذكر ابن خلدون في مقدمته قائلاً ( وإنّما نكب البرامكة ما كان من استبدادهم على الدولة واحتجابهم أموال الجباية حتى كان الرشيد يطلب اليسير من المال فلا يصل إليه فغلبوه على أمره وشاركوه في سلطانه ولم يكن له معهم تصرف في أمور ملكه ) تمادوا حتى قام جعفر بن يحيى بمنعه من المال الى ان وصل به الحال أن يحاسبه على ما يقوم به وكان بارعاً في كظم غيظه لكنهم قاموا بعدّة تدابير لحماية أنفسهم فقام والي الجانب الشرقي الفضل بن يحيى بجعل خُراسان مقرّاً له وأعدّ جيشاً يتألف من خمسمئة ألف جنديٍّ فلمّا وصل خبره إلى الرشيد أمر الفضل بالقدوم إليه فجاء ومعه فرقةً أطلق عليها اسم : الكرمينية لحمايته والعودة إلى بغداد ولكنّ البرامكة قاموا بإدخالها إلى بغداد ثمّ إلى القَصر بحجّة حماية الرّشيد وأهله حتى يجعلوا نهايته بين أيديهم فأحسّ أنّه يواجه انقلاباً عسكرياً يُوشك أن ينهي مُلكه ومملكته وقد نقل قول جعفر البرمكي لأحد المقربين من الرشيد على إثر عتاب وجهه إليه (ووالله لئن كلّفنا الرشيد بما لا نحب ليكوننّ وبالاً عليه سريعاً ) نفس اللهجة وذات التهديدات التي نسمعها الان ... لكن الرشيد كان صاحب إيمانٍ ورجولة وقرّر القضاء عليهم وبرع في التخطيط لذلك . الا ترون انها نفس الاحداث وذات القاتل والضحية في كل مرة لكننا لا نتعظ ولم ولن نتعظ .

هل سيفعلها الكاظمي ؟

ام ان الولاء المذهبي سيتغلب على العِرق العربي ؟

تعليقات

أحدث أقدم