ذاكرة المقاومة العراقية تفضح كذب نصر الله

مشاهدات

 


عبد القادر النايل

المقاومة العراقية تاريخ حديث ناصع البياض رَسمت طريقها بواقع ميداني معلوم لا يمكن أن ينجح معه أي تدليس أو تزييف لتاريخها ولا تحريف لحقيقتها .

لذا عندما ظهر حسن نصر الله وساق جملة من الادعاءات في لقائه الإعلامي على قناة الميادين حول المقاومة العراقية وأراد أن يوهم الناس في الذكرى الأولى لمقتل مسؤول فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني بأن سليماني هو من كان وراء المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي وداعمها في سياق وضع إنجازات وهمية ظنًا منه أنه يستطيع إضافتها لتاريخ سليماني فكان لزامًا على كل من شهد المرحلة وواكب أحداثها أن يبين للجميع تفاصيلها وحقائقها ويكشف أي تدليس للتاريخ ولاسيما وأن هذه الأحداث لم يجف حبرها لأنها في واقعنا المعاصر وشهودها أحياء ومازالت أحداثها مستمرة إلى الآن .

منذ احتلال الولايات المتحدة الأمريكية والبريطانية ومن معهم العراق وإعلان جورج بوش في التاسع من نيسان احتلال العراق رسميًا والموافق السابع من صفر في التاريخ الهجري وهو ذات التاريخ الذي احتل المغول فيه بغداد والاحتلالان دخلا من شرق العراق . انطلقت المقاومة العراقية لتسجل لنفسها أسرع مقاومة في تاريخ الشعوب في العالم حيث انطلقت أول عملياتها في مدينة الفلوجة في العاشر من نيسان وفي هذا اليوم نفسه أغار عراقيون مدينة الأعظمية في بغداد على الجيش الأمريكي لتشهد مواجهة شرسة انطلقت بعدها العمليات المسلحة في محافظات الأنبار وجنوب بغداد والموصل وصلاح الدين وديالى وكركوك حتى أطلق الجيش الأمريكي على هذه المحافظات "مثلث الموت السني" ومن باب الشهادة التاريخية فإن المقاومين لم يكونوا يتبعون أي حزب أو جهة متدربة سابقًا ولم يكونوا متحدين ولا منظمين وإنما كانت هبة شعبية انطلقت من موروث ديني ألزمهم بفرضية جهاد الدفع لذلك كان غالب هؤلاء المقاومين الأعم هم من رواد المساجد وتشكلت بعدها فصائل المقاومة على أساس فكري منظم وكان في طليعتها كتائب ثورة العشرين وجيش المجاهدين والحركة الإسلامية لمجاهدي العراق وجيش الراشدين والجيش الإسلامي وأنصار السنة وبعض الفصائل المناطقية بحسب الأقضية والنواحي وقد أشارت بيانات البنتاغون الأمريكي لهذه الفصائل ومقاتلتها القوات الأمريكية المحتلة واعترافاتهم معلومة ومثبتة وأعداد القتلى والجرحى من الجيش الأمريكي ومناطق استهدافهم موثقة على الرغم من أنها كانت تخفي الأعداد الحقيقية لقتلاها وقد أظهرت قنوات إعلامية مع التضيق الأمريكي عليها عددًا كبيرًا من عمليات فصائل المقاومة العراقية؛ ولعل الجميع يذكر النقل المباشر لمعركة الفلوجة، التي بسببها خرج بوش الابن مصرحًا أنه يصلي لأجل الجنود الذين يتساقطون في المعركة الشرسة والتي نجى فيها الجنرال الامريكي (جون أبي زيد) من موت محقق أو أسرٍ محتمٍ في الفلوجة، وقد توجت بسبب تلك المعركة أول حالة تفاوض أمريكي مع المقاومة العراقية، وقد سجلت الفلوجة والمناطق المحيطة بها في حينها انتصارًا كبيرًا شهده العالم أجمع.

وهذا لا يعني أنه عندما انحصرت المقاومة بالمناطق السنية أن مكونات الشعب العراقي كانت مع الاحتلال؛ فمن خلال التتبع الدقيق لوثائق تلك الرحلة الرائعة؛ وجدنا في سجلات هيئة علماء المسلمين في العراق في مقرها في مسجد (أم القرى) ببغداد تبرعات لمواطنين مسيحيين وكنائس، وتبرعات لمواطنين من (الشيعة) و(الكرد) و(التركمان) وغيرهم لأهالي ومجاهدي الفلوجة أثناء معركتهم مع الأمريكان ليسجلوا بذلك موقفا تضامنيا عراقيًا لافتًا .

وقد أراد حسن نصر الله أن يمارس التضليل مرة تلو أخرى في سياق كلامه بأن بصمات قاسم سليماني حاضرة مع المقاومة العراقية، ويبدو أنه حاول تناسي أن الجماعات المسلحة أو الكيانات الحزبية المرتبطة بإيران قد وقعت على وثيقة احتلال العراق في مؤتمر لندن، ودخلت العراق مع المحتل الامريكي ووافقت على سلطة الاحتلال وشكلت معه مجلس الحكم على أسس طائفية ومذهبية، وأرادت من خلالها تقسيم العراق والمنطقة بما يعرف خارطة الشرق الأوسط الجديد، وكتبت الدستور الحالي برعايته المطلقة؛ فكيف يمكن أن يقوم هؤلاء ممن جاؤوا على ظهر الدبابات الأمريكية بمقاومة الاحتلال! والجميع يعرف أن أدبيات أي مقاومة سواء كانت مسلحة أو مدنية هي رفض التعاون مع الاحتلال ومناهضة مشاريعه السياسية والاقتصادية والثقافية، وعلى سبيل المثال لا الحصر: فإن فيلق بدر الذي يعد أبرز إنجازات قاسم سليماني وإيران من حيث الإيواء والتمويل والتدريب؛ قد قاتل مع الإيرانيين في الحرب العراقية الإيرانية، ومنحته سلطة الاحتلال الامريكي وزارة الداخلية بعد الاحتلال، وشكلت من خلاله قوى الأمن الداخلي وفق قرار دمج الميليشيات بالقوات المسلحة وإلى الآن تهيمن عليها، فضلًا عن ما يعرف بمغاوير الشرطة، التي كانت رأس حربة الاحتلال في مقاتلة المقاومة العراقية .

فهل يعقل أن قاسم سليماني يدعم المقاومة وأتباعه يتعاونون مع المحتل في العراق! وهناك وثائق أمريكية تثبت أن ميليشيات بدر شاركت مع الجيش الأمريكي في معركة الفلوجة الثانية فضلا عن شهادات الأهالي الذين وثقوا انتهاكاتها الكبيرة ضد المدنيين العزل وعمليات الحرق والسلب والنهب التي مارستها أثناء دخول مدينة الفلوجة، وإذا كان سليماني يدعم المقاومة فلماذا لم يوقف اغتيال ضباط الجيش والطيارين وخطباء المساجد الذين كان لهم دور كبير في المقاومة ضد الاحتلال، وأليس هذا الاستهداف كان خدمة كبيرة لدول الاحتلال؟! ولماذا لم يضغط على المالكي وهو مقرب منه لإطلاق سراح عشرات الآلاف من المعتقلين الذين ما زال قسم كبير منهم في المعتقلات بتهم مقاومة الاحتلال .

أما ادعاء نصر الله أن القنوات العربية لم تُظهر عمليات اتباع قاسم سليماني في مقاومتهم الاحتلال؛ فلماذا لم ينشرها في وقتها حسن نصر الله على قناة المنار التابعة له وعلى القنوات الإيرانية إذا كانوا فعلا هم يدعمون المقاومة .

إن هذا التدليس ومحاولة تبيض وجه قاسم سليماني هي محاولة فاشلة ولا يمكن إثباتها لأن بعد الاحتلال كان سليماني والمهندس يسيران في العراق ويحضيان بدعم الجيش الأمريكي، ويدخلان المنطقة الخضراء تحت حمايتها ويتنقلان بطائرات عبر مطار بغداد الدولي الذي كان خاضعا للحماية والإدارة الأمريكية .

إن الحقيقة الراسخة التي يشهدها الشعب العراقي والواقع الميداني أن إيران تعاونت مع الاحتلال الأمريكي، وممن نسق الجهود بين الحرس الثوري الإيراني والجيش الامريكي أحمد الچلبي، وقد مارس سليماني استهدافًا مباشرًا للشعب العراقي وانتقامًا غير مبرر لدعم الإرهاب وإثارة الطائفية والمذهبية، فانكشفت شعاراتهم الزائفة التي رفعوها بدعم القضية الفلسطينية؛ حيث كان من أوائل الأعمال التي قاموا بها هو تهجير آلاف الفلسطينيين واغتيال عدد كبير منهم في شارع فلسطين والبلديات في العاصمة العراقية بغداد فضلا عن صدور الفتاوى من بعض المرجعيات الشيعية بعدم استهداف القوات الأمريكية .

وإذا أردنا أن نقيم تجربة معركة الكوفة القصيرة التي انطلقت من التيار الصدري فإنها قد جاءت بعد استهداف التيار وإغلاق جريدة (الحوزة الناطقة) التابعة للتيار، وقد شارك في هذه المعركة عدد من أهالي الفلوجة بغية كسر الحاجز الطائفي التي عمل عليه الاحتلال؛ لكنها سرعان ما انتهت بتسليم السلاح مقابل حصة معلومة في العملية السياسية؛ لتشهد بعدها توجه أعمال (جيش المهدي) ضد العراقيين على أسس طائفية؛ حرقت بسسبها مساجد بغداد والمحافظات والاختطافات والاغتيالات التي نفذها جيش المهدي وقياداته السابقة مثل: قيس الخزعلي وأكرم الكعبي وفقًا لاعترافات متأخرة لمقتدى الصدر .

ورغم كل ما تقدم؛ فإن جغرافية المقاومة تفضح أكاذيب نصر الله؛ فحصيلة قتلى الجيش الامريكي باعتراف قيادته كانت في المناطق التي لا وجود ولا نفوذ ولا جمهور ولا أتباع فيها لأحزاب وميليشيات سليماني الإيراني؛ وهذا ما يفند ادعاءات نصر الله بشكل قاطع ويوقعه في مغالطات واضحة .

ولا أعلم بعد سنوات ماذا سيقول حسن نصر الله عن مشاركته المجرمة في قتل الشعب السوري وتدخله السافر في سوريا وإراقة دماء أهلها، والميليشيات الإرهابية التي أسسها قاسم سليماني، ونقل المرتزقة من كل البلدان هل سيدعي أنهم كانوا يقاومون في سوريا، وكذلك دوره ودور سليماني في ما يجري في اليمن من مقاومة مدعاة للحوثيين، الذين يعلنون صراحة ارتباطهم بإيران، ودخلوا العاصمة صنعاء بمباركة السفيرة الأمريكية فيها!!!؛ أم أن الدماء البريئة ستطوق أعناقهم لتأخذ عدالة السماء حكمها فيهم .

تعليقات

أحدث أقدم