الهدية

مشاهدات

 



ضرغام الدباغ

قرأت حكمة رائعة لشكسبير " البشر لا يستطيعون إخفاء قبولهم ... وامتنانهم وسرورهم من أمرين أثنين : الهدية والمدح ".

وخلال السنوات الأولى من إقامتي في أوربا، كنت الاحظ أن الأوربيين (وخاصة المجتمعات الراقية فيها) يظهرون السرور والأمتنان الزائد للهدية بصرف النظر عن قيمتها، حتى لو كانت وردة واحدة، وكان هذا يدهشني كثيراً هل يعقل هذا السيل من الإمتنان لهدية هي عبارة عن وردة واحدة أو ثلاث زهرات ...؟

بالطبع الأوربيين لا يعرفون الكرم ... وقد تمضي سنوات لا تشاهد فيها أحداً يقدم سيكارة لصديقه، وقد عايشت الكثير من المواقف، منها رجل وزوجته مضى على زواجهما أكثر من 30 عاماً وسعداء في حياتهما، ولكن عندما يجلسان في المقهى أو يتناولان الطعام في مطعم، كل يدفع حسابه بنفسه. ولكن الناس يتهادون (يهدي بعضهم بعضاَ) وإن كانت الهدايا بسيطة وبحسب المناسبة، فمثلاً في الأعياد : عيد الميلاد، ورأس السنة، وعيد ميلاد الشخص، وعيد الفصح، وذكرى الزواج، تكون الهدية أكبر، ولكن عامة الناس تهدي هدايا بسيطة، وما أثارني هو مشاعر الامتنان العميقة لهدية بسيطة.

نحن فس الشرق، ولا سيما في الأقطار العربية، نقدم هدايا ثمينة غالباً، ونبالغ في إكرام الضيف حين ندعوه في البيت على غداء أو عشاء، في حين يندر أن يدعوك الأوربي في بيته على طعام، وإن فعل فهو يفعل ذلك ببساطة وبدون تكاليف.

أستغرق الأمر مني سنوات حتى استوعبت تماماً نظرية الهدية كما يفهمها الأوربيون... فحجم الهدية لا تعني حجم المحبة والاحترام، الهدية هي أن الشخص الذي يهدي يريد القول أنه تذكرك بود، ويريد أن يعبر عن مودته، لذلك تجشم عناء الشراء وجلب الهدية وتقديمها، وربما بضعة كلمات مكتوبة أو يسمعك أياها بمحبة ... إن الهدية هي تأكيد للصلة والعلاقة.

تعليقات

أحدث أقدم