نهاد الحديثي
بعد ان عُدّت بغداد اسوأ عاصمة للعيش فيها في العالم طبقاً لاستطلاع دولي سابق, وبعد ان سجل العراق رقماً قياسياً عالميا في عدد ايام العطل العامة وبما يوازي نصف ايام السنة تقريباً, ها هو العراق يعود لممارسة هوايته في تحطيم الارقام القياسية العالمية ليسجل العراقيون وللسنة الخامسة على التوالي انهم اكثر شعوب الارض تعاسة في عام 2016 ايضاً بعد ان كانوا كذلك منذ بدأ انطلاق هذا المقياس عام 2012 فطبقاً لمقياس السعادة العالمي الذي تطبقه مؤسسة غالوب الدولية لاستطلاعات الرأي (GALLUP INTERNATIONAL) ذات المصداقية العلمية العالية في 66 دولة في العالم والذي نشرت نتائجه مؤخراً حصل العراقيون على اقل من الصفر المئوي (-1.2%) على هذا المقياس علماً ان العراق هو الدولة الوحيدة في العالم التي تسجل اقل من الصفر للسنة الثانية على التوالي بعد ان سجلوا درجة صفر على المقياس عام 2014 يعتمد هذا المقياس على سؤال الناس عن مدى شعورهم بالسعادة في تلك السنة وعلى وفق عينة احصائية ممثلة لكل فئات المجتمع العراقي . والحصول على درجة اقل من الصفر يعني ان نسبة الذين يقولون انهم لا يشعرون بالسعادة هي اكثر من الذين يقولون انهم يشعرون بها. ومقارنة مع اسوأ دولة على هذا المقياس في افريقيا مثلاً (نيجيريا) والتي حصلت على 29% او ثاني اسوأ دولة على المقياس عالميا (هونج كونج) والتي حصلت على 14% يبدو تقدير العراقيين لمقدار السعادة التي يشعرون بها متدني جداً ويتطلب وقفة جدية بخاصة وان المسح الذي اجري في العراق شمل عينات ممثلة لمختلف شرائح واطياف الشعب العراقي سواء على مستوى القومية او الطائفة او الجنس او العمر او التحصيل الدراسي. ويوضح الشكل ادناه المقارنة بين ما يشعر به العراقيون وشعوب العالم الاخرى بخصوص السعادة خلال السنوات الاربعة الماضية اذ يبدو واضحا ان الوضع النفسي للعراقيين في تدهور مستمر منذ بدء انطلاق هذا المقياس فكيف سيفسر سياسيو العراق بمختلف طوائفهم واعراقهم ظاهرة التحطيم المستمر للارقام القياسيه العالمية السيئة والى متى نبقى نحتكر هذه الارقام دون ان نتيح لاية دولة اخرى في هذا العالم ان تنافسنا؟
دعت الأمم المتحدة العالم للسعي نحو السعادة، وذلك في إطار تعزيز الاهتمام بالسعادة ونشرها في أنحاء العالم كافة. ويحتفل المجتمع الدولي بيوم السعادة في 20 مارس من كل عام، الذي اعتمدته الأمم المتحدة في دورتها 66 عام 2012، اعترافا بأهمية السعي للسعادة أثناء تحديد أطر السياسة العامة لتحقيق التنمية المستدامة، والقضاء على الفقر وتوفير الرفاهية.وجاء قرار الاحتفال بهذا اليوم كون الأمم المتحدة ترى أن السعي لتحقيق السعادة هو حق أساسي من حقوق الإنسان، وتدرك الحاجة إلى نهج أكثر شمولا وإنصافا وتوازنا، لتحقيق النمو الاقتصادي الذي يعزز التنمية المستدامة والقضاء على الفقر والسعادة والصحة العامة لجميع الشعوب
والقى الدكتور إبراهيم الحيدري العالم الاجتماعي العراقي وخليفة الوردي محاضرة مثيرة وجريئة في مؤسسة الحوار الإنساني بلندن تقديما لصدور الجزء الأول من عمله الموسوعي (الشخصية العراقي) كان من طروحاته ابتلاء العراقيين بالسوداوية والتشاؤمية. الحقيقة أن هذه النظرة كثيرا ما ابتلي بها كبار المفكرين والفنانين في التاريخ وأدت ببعضهم للجنون والانتحار (فان غوخ مثلا). وهي من منتجات الإحساس المفرط والتفكير المتواصل بمشكلات الإنسان -.وهو ما أشار إليه الجاحظ في تقييمه للشخصية العراقية. من روافد هذه النظرة الانهماك بالذات وتجاهل العالم الخارجي. وهو ما يفعله الزملاء العراقيون الآن. يتابعون أخبار بلدهم بنهم ويتجاهلون ما جرى ويجري في العالم ككل ونحن لا نملك السعادة ؟ هل يمازحوننا ؟ فلدينا أرصفة متهرئة وحياة شبه معدومة لا بد أنهم اعتمدوا على مفهوم التحمل لدى الشعوب ووجدوا أن شعب العراق أكثر الشعوب تحملاً للأسى والأذى واعتقدوا أن قوة التحمل هي السعادة بالنسبة لنا !!نعتقد أن في هذا الاستطلاع خطأ جسيما لأنه لا شيء في العراق يدعو إلى السعادة أو الفرح فكل المشاهد وكل المعطيات تدعو للكآبة والألم والحزن ويبدو أن التباساً حصل لدى مسؤولي هذه المؤسسة العالمية فقد شاهدوا العراقيين يسخرون من الخراب فهذا الخراب ولّد نوعاً من السخرية جعلهم يشعرون بأنها نوع من الفرح فهناك فارق بين أن تسخر من الخراب وبين أن تفرح به فالسخرية أحياناً تعبير عن الحزن فشر البلية ما يضحك ويبدو أن الوضع التبس عند أولئك فتوقعوا أن السخرية عند العراقيين نابعة من الحزن واليأس هي تعبير عن الفرح ,, أرى الشعب العراقي من أحزن شعوب العالم ويجب أن يحتل المرتبة الأولى بالحزن وهذا هو المتعارف عليه لأن العراقي بعيد عن الفرح مع الأس ويقيم طقوس الموت والاحتفاء بالموتى والبكاء والنحيب وتذكر الماضي الأليم لأنه يعيش دائماً في عمق الحزن وعمق الأسى".نرى الشعب العراقي من أحزن شعوب العالم ويجب أن يحتل المرتبة الأولى بالحزن وهذا هو المتعارف عليه لأن العراقي بعيد عن الفرح مع الأسف ويقيم طقوس الموت والاحتفاء بالموتى والبكاء والنحيب وتذكر الماضي الأليم لأنه يعيش دائماً في عمق الحزن وعمق الأسى كما اعتقد أن الفرح يكاد يكون غائباً عن الإنسان العراقي وأتصور أن هذه المؤسسة غير دقيقة في استطلاعها فالأمر غير مقنع تماماًً فبماذا يسعد العراقي؟ أبتعاسته أو بحروبه أو بحصاراته أو بخساراته أعتقد أن العراقي سعيد إن عاش يومه لأنه يتوقع دائماً أنه سيموت في اليوم التالي .
الشاعر محمد الماغوط إذ قال مرة إن "الفرح عندنا طائر لا يحط على أية شجرة في الشرق الأوسط". ونحن نقول العراق أسوأ مكان في العالم أحزن مكان فيه، فكيف يحط طائر الفرح على شجرة العراق؟ لا أعرف على ماذا اعتمد هذا الاستقصاء وإلا فهل من المعقول أن يرى أن العراقيين مستمتعون بالانفجارات وفرحون بالعبوات الناسفة وسعداء جدا بالكواتم ؟!".
إرسال تعليق