سامراء وملوية الشموخ الأبدي

مشاهدات


نزار السامرائي


دامت الدولة العباسية في حكم العالم من حاضرتها في بغداد وبرهة قصيرة في سامراء نحو 524 سنة ولكن الخلفاء العباسيين وهذا ما يلفت نظر المؤرخين لم يتركوا أثرا في بغداد غير القصر العباسي الذي كان مندرسا هو والمدرسة المستنصرية فقامت دائرة الآثار العراق على مدى عقود كثيرة بترميمهما وتأهليهما على وفق ما ورد في كتب التاريخ ولكن مدينة دار السلام المدورة التي بناها أبو جعفر المنصور في جانب الكرخ لم يعد لها أثر لتراه العين وتفخر ببناء الأجداد أما حكايات قصر الرشيد وما يحصل فيه من أماسي ثقافية وشعرية ورقص للجواري والقيان فيبدو أنه نسج خيال مريض كان يسعى لتشويه صورة الحكم العباسي وخلفائه الخالدين فأين دار حكمة المأمون وأين مجالس الوعظ والنقاشات الدينية التي قادت إلى نشوء المدارس الفكرية في الإسلام؟

لا شيء من ذلك البتة!

صحيح أن بغداد تعرضت للغزو المغولي ولكن هل دمّر المغول كل شيء حتى الأبنية أم أن دروس الحاضر تدلنا على ما حصل في الماضي؟

من عاش في بغداد من جيل الأربعينيات وما زال حيا يعرف أن عراقيين لا يحملون من العراق إلا الجنسية وربما لم يحصلوا عليها وجاءوا بعقد وأمراض استوطنتهم من بيئاتهم المتدنية فثاروا على نظام الحكم الملكي القائم في 14 تموز 1958 ولكنهم لم يسقطوه فقط بل أسقطوا أنفسهم في مزبلة التخلف والهمجية بعد دمروا كل الشواهد الحضارية التي أقامها . أحرقوا قصر الرحاب والقصور الملكية وكثيرا من الشواهد العمرانية الأخرى ونهبوا مقتنياتها .

أما في عام 1991 فقد فعل الغوغاء في مختلف المدن العراقية ما لم يفعله المغول في بغداد وإذا تذكرنا عام 2003 فقد لا نستطيع أن نغالب الدمع من أن ينهمر غزيرا لما حل بموجودات الدولة العراقية وخاصة في بغداد ومدن الجنوب .

فهل تعاضد معول الغزاة مع فؤوس عراقيي الجنسية في الماضي أيضا في تدمير ما بنته الدولة العباسية ونحن من أحفاد أولئك الاختصاصيين في الهدم ؟ لماذا لم يحتفظ العراقيون بالجامع الكبير في بغداد الذي بناه خلفاء بني العباس في عاصمة ملكهم؟ أم أنهم لم يشيّدوا جامعا لعاصمة الدنيا؟ ولماذا احتفظ السوريون بالمسجد الأموي في الشام؟

هنا يبرز في ذهني سؤال في غاية الأهمية؟ لماذا بقي إيوان كسرى قائما ولم يتعرض له المسلمون بعد انتصار القادسية ومنذ قيام دولة العرب الراشدة؟ ولماذا كانت المآثر العراقية والإسلامية هي الهدف الوحيد لمطارق التهديم والتخريب؟ هل هناك أيادٍ فارسية لئيمة تختفي وراء كل فعل قبيح يستهدف النيل مما بناه العراقيون على مرّ التاريخ؟

أما سامراء التي صمدت بوجه مغول العصر وغوغائهم فقد حافظت على أهم مرافقها من التخريب عام 2003 فبقي معمل الأدوية وكل المنشآت الحديثة من دون أن تمسها يدُّ عابثٍ وتحوَل أبناء سر من رأى إلى عيونٍ ساهرة تحمي كل المرافق الحكومية الحديثة كما حافظ آباؤهم على آثار الأجداد وهذا ديدنهم في كل نازلة فقد حافظ أهلها على كل الشواهد التاريخية واعتزوا بها وكانت لها مكانة ترتقي إلى مستوى التقديس وبقيت الملوية شامخة تطاول السماء بارتفاعها الباسق وتتحدى عوامل التعرية ومعاول التخريب فكانت ملوية سامراء وجامعها الكبير اللذين بناهما الخليفة العباسي المتوكل علامة فخار على ذلك الطراز النادر والفذ من فن العمارة العربية الإسلامية فكانت هي وأختها الصغيرة ملوية أبي دلف مثل رمحين في عيون الحاقدين على دولة العباسيين والتاريخ العربي من أتباع ديانة فارس .

يستذكر أبناء سامراء بألم وحسرة، كيف أن المسجد الجامع الذي كان أكبر جامع في وقته في العالم الإسلامي لم تُعَدْ له الحياة ليؤديَ دوره في حياة المسلمين مركزا للعلوم وفنارا دينيا قد تعترض اليونسكو ولكن هل اعترضت هذه المنظمة على تفعيل جامع القرويين والبوعنانية في فاس بالمملكة المغربية أو غيرهما من المساجد في مصر وتونس أو هل نجحت في حماية أثرٍ من عبث العابثين من المغول والتتار الجدد من أن تمتد لتخريب التراث الثقافي والحضاري في الوطن العربي وخاصة في العراق؟

أكتب هذا الموضوع وأنا مصاب بذهول كاد أن يشلّ مداركي وأنا أراقب كائنا يشبه البشر وما هو بإنسان ولكنه كان ينطق بأوامر تملى عليه من قبل شياطين قم وطهران ومناطق أخرى ليتحدث بفجور داعر لم يعرف له تاريخ الشعوب مثلا لما يحمله من حقد على مدينة أو بلد أو أمة كما يحمل هؤلاء الذين يحملون في جيناتهم كل عيوب الشرع والفسلجة ليعلن حربا غبية موغلة في الجهل مُغرقة في الحقد العرقي على العرب والديني على الإسلام النقي بصورته المحمدية التي أوصلها إلينا سيد الكائنات وخاتم النبيين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وزعم هذا الغبي المختل عقليا والممسوخ من البشر إلى فصيلة القردة والخنازير أنه لا يرغب بصعود الملوية فاستحال إلى قرد يستفتي أسياده سكنة السراديب والجحور المظلمة عن شرعية ارتقاء الملوية يستفتي وهو الذي ما تزال يداه ملوثتين بالدم الحرام في الشهر الحرام والمال الحرام على مدار أيام السنة لأن هناك قولا يزعم أن الملوية مبنية على جماجم الفاطميين وأتباع آل البيت ولأنه نظيف اليد من كل محرم فلا يريد أن يضيف حراما إلى سجله الملوث بكل الموبقات والمحرمات لعنه الله .

فكم من مؤمن حقيقي ينتسب بالنسب الصحيح إلى آل البيت قُطع رأسه انتقاما منه بيد أناس يزعمون أنهم أتباعٌ لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم؟ هنا يمكن أن يخاتل هذا المسخ فيقول إنه لا يقصد الفاطميين الذين أسسوا دولتهم بعد بناء الملوية بوقت طويل حسنا إذا كانت الرؤوس التي وضعت في أسس الملوية فكم هي ولمن تعود؟ فلا بد أنهم من علية القوم ومن أنشط الفاعلين على اسقاط دولة بني العباس وعلى هذا الأساس فلا بد أن يكون عددهم محدودا فهل يستطيع هذا الناعق أن يسأل أسياده عن أسماء الضحايا الذين لا يمكن لمن يقدسهم أن يجهل أسماءهم بل حتى أسماء أمهاتهم وأبنائهم .

أي حقد أعمى ذلك الذي أحرق الأخضر واليابس في العراق ودمر شواهد الحضارة العربية الإسلامية وكل بناء جديد يمكن أن يؤشر على إخفاق هذه الزمرة الضالة في بناء أي شيء نافع للناس والذي يمكث في الأرض هم اختصاصيون في زبد البحر وما يقذفه من جيف وما عدا ذلك فهم لا يسمحون لغيرهم بالبناء لسبب بسيط لأن العاجز منهم لا يريد أن يركن نفسه جانبا بل يهدم ما صنعه العباقرة والأذكياء كي لا يشعر بإخفاقه وعجزه الأبدي أمراض نفسية ناتجة عن شعور بالدونية تركب عقول أعداء البشر وتصبح أكثر خطورة إذا ما ألبست ثوبا دينيا أو طائفيا لهذا انطلقت خطة تدمير كل بناء حضاري ربما في خطة خمسية أو عشرية ليحاكي خطط التنمية التي عاشها العراقيون قبل عام الغزو الهمجي 2003 فتم تدمير منارة الحدباء في الموصل وها هي الأصوات المبحوحة نفسها التي تريد الإجهاز على مئذنة الملوية التي سحرت أعين المعماريين منذ أكثر من ألف سنة وكانت بشموخها عنوان رمز وفخار لسامراء حتى تحولت إلى ترياق لكل الآلام التي توجع القلوب والصدور .

ملوية سامراء الخالدة والتي نالت إعجاب كل من رآها من زوار العراق ستبقى تقاوم عوامل التعرية الطبيعية ومعاول التعرية التي تقودها عقول موغلة في البدائية ومتحجرة لا تطيق التنفس في الهواء الطلق أو الجلوس تحت ضوء الشمس ثم لتحرك أدوات تتلذذ بالتبعية والانقياد بلا رأي ولا كرامة فتسعى لتدمير ما بناه الأجداد في الماضي التليد ليبقى حافزا للأجيال المعاصرة أن هذا ما بنيناه فأتوا بمثله أو بجزء من مثله إن كنتم صادقين .

ملوية سامراء ترعاها عناية الله لأنها ظلت ردحا من الزمن يرفع فوق جاونها الأذان للصلوات الخمس فلن يخذل الله عباده المؤمنين ويسلط عليهم المشركين عبدة القبور ومحفوظة بإذن الله بدفاع أبناء سامراء عنها ووقوفهم إلى جانب حقهم وكرامتهم وآخر حصون عزتهم من غدر الغادرين وشر الأشرار .

وملوية سامراء لو كان لها لسان ينطق للفظت ورفضت أن يرتقي سلالمها خنزير نجس حتى لو تطهر بكل مياه المحيطات والبحار ولو جاء بكل قراطيس الأرض فتاوى بذلك فالملوية ليست بحاجة إلى تزكية من أحد كائنا من يكون هي التي تمنح الناس شهادات بحسن الخلق والأصل .

وأخيرا أوجه رسالة إلى اليونسكو وإن كنت فقدت الأمل بها أن تتحرك على حكومة الاحتلالين في بغداد عساها تتوسل بالحكام الحقيقيين الذين ينوبون عن إيران في العراق أن يبقوا على شيء مما بُني قبلهم فهل تفعل؟
 

تعليقات

أحدث أقدم